الاجتياح التركي للشمال السوري في ميزان الاستراتيجيا السياسية..أ. د احمد القطامين

الإثنين 14 أكتوبر 2019 02:47 م / بتوقيت القدس +2GMT



اخيرا بعد سنوات طويلة من الضغط التركي على حليفتها امريكا، حصل الرئيس التركي اوروغان على الضوء الاخضر للتحرك ضد المنظمات الكردية التي تناصب تركيا العداء والمتمركزة في منطقة شرق الفرات السورية،  فاندفعت عدة فرق تركية واجتازت الحدود الدولية مع سوريا تدعمها مليشيات سورية عملت تركيا على انشائها واستخدامها منذ اندلاع الازمة السورية عام 2011.

من جهة تعتقد تركيا ان تواجد المليشيات الكردية في هذه المنطقة يشكل تهديا خطيرا لامنها القوي وهي محقة في هذا الموقف بالطبع، ومن جهة اخرى فان جزء مهما وكبيرا من التسبب في هذه المشاكل في سوريا يعود لمواقف الدولة التركية التي فتحت حدودها عامي 2011 و2012 لمقاتلين من مختلف دول العالم  وسمحت بذلك لكل هذه الفوضى الكبيرة في سوريا بما فيها المنطقة التي تجتاحها الان لتصفية منظمات كردية تعتبرها عدوة لها.
ان التداعيات التي ستنتج عن استمرار الاجتياح التركي للاراضي السورية قد تكون كبيرة جدا وقد تشكل معضلة اقتصادية وسياسية كبرى لتركيا نفسها التي ووجهت بمواقف عالمية شاجبة بقوة لعمليتها العسكرية واعلانات من بعض الدول بوقف تزويد تركيا بالسلاح وقطع الغيار العسكرية.
 تعد اخطر نقاط ضعف تركيا في هذه الازمة هي  الاقتصاد وذلك لكون الاقتصاد التركي مرتبط بصورة تامة مع الاقتصاديات الغربية، فأن تداعيات الازمة قد تلحق ضررا كبيرا فيه، وعلينا هنا ملاحظة احدى تغريدات ترامب التي اشار فيها انه اذا تجاوزت تركيا الحدود الممنوحة لها في ادارة عملية الاجتياح فانه كما قال سيدمر الاقتصاد التركي واضاف انه “قد قام بشئ من هذا سابقا” وهو يشير هنا الى عملية ضرب واضعاف الليرة التركية قبل عامين مما ادى الى فقدانها حوالي نصف قيمتها السوقية في الاسواق العالمية.
ولعل واحدة من اخطر المعضلات التركية الناتجة عن هذه الازمة تتعلق باسرى داعش لدى الامريكان والمحتجزين في عدة مدن في منطقة شرق الفرات في سجون امريكية هناك. حسب التوافقات المعلنة بين ترامب واردوغان فان ما مجموعة ثلاثة عشر الف اسير داعشي بالاضافة الى اكثر من ستين الف من افراد عائلاتهم سيسلمون الى تركيا. وقد كانت احدى مشاكل امريكا في سياق اسرى داعش هي ماذا يفعلون بهولاء الاسرى وعائلاتهم امام رفض الدول التي يحملون جنسياتها تسلمهم لمحاكمتهم فيها، والان المعضلة بكل تفاصيلها وتداعياتها تم نقلها الى تركيا وقد يكون لها مضاعفات خطيرة جدا مستقبلا.
من غير المتوقع ان تكون عملية الاجتياح التركي نزهة وتنتهي بسرعة كم يعتقد بعض الاشقاء الاتراك، وربما تصبح حربا استنزاف طويلة الامد تدخل تركيا في ازمة تلو ازمة، وكنت شخصيا اتنمى لو ان الرئيس اردوغان  تمهل قليلا لاستشراف امكانية ايجاد حلول اخرى، فالحرب عادة خيار سئ جدا تسيل فيها دماء كثيرة من كل الاطراف وتبدد فيها موارد هامة ضرورية لمواصلة التجربة التركية الاقتصادية والتنموية الناجحة.
اما وقد حدث ما حدث، فان تركيا مطالبة الان بوقف عملية الاجتياح ومحاولة ايجاد حلول للازمة وقد يكون من اكثرها جدوى ان تقوم امريكا بازالة الفيتو المفروض على الاكراد والذي يمنعهم من التفاوض للتوصل الى حلول مع الدولة السورية. ان الحل الوحيد المنطقي هو تمكين الدولة السورية من العودة الى منطقة شرق الفرات وتفعيل اتفاقية اضنة بين سوريا وتركيا عندها لا داعي للمخاوف التركية حيث ان الدول السورية ستحمي الحدود المشتركة بين الدولتين.
اعتقد ان من اسوأ السيناريوهات هو استمرار اقتحام الجيس التركي لمنطاق شمال سوريا، واعتقد جازما ان ذلك لا يصب في مصلحة الامن القومي التركي على المستوى الاستراتيجي.
qatamin8@hotmail.com
كاتب اردني