في صناعة الكذب..طلال عوكل

الإثنين 14 أكتوبر 2019 02:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
في صناعة الكذب..طلال عوكل



بامتياز تشكل منطقة الشرق الأوسط، حلقة التوتر والاهتمام الدولي الأمر الذي يشير على أهلها، التبصر في مدى أهمية هذه المنطقة بثروتها الطبيعية، وموقعها الاستراتيجي، وتقاطع مصالح الكثير من دول العالم عندها.
ثمة سبب آخر ينطوي على أهمية قصوى في تعامل الآخرين مع هذه المنطقة التي ستظل مضطربة لعقود قادمة، بسبب مركزية المشروع الصهيوني الذي أنتج دول الاحتلال، بدوافع استعمارية دولية.
يبدو لنا أن الكثير من دول العالم تدرك مدى أهمية هذه المنطقة أكثر من بعض أهلها، التائهين في مراهناتهم، المتواضعين في طموحاتهم، إلى حد توسل الحماية ممن يهددون أمن واستقرار الدول التي تطلب هذه الحماية.
لا يريد زعماء المنطقة عموماً، أن يفهموا، أنهم حين يستنجدون بالولايات المتحدة، أو بإسرائيل، لحماية أمنهم، إنما هم يدخلون أوكار الثعالب والضباع.
دخلت القوات التركية إلى شمال شرقي سورية، حيث تستمر المعارك طاحنة، يصاحبها، بعض القوى السورية، التي تدعي أنها تسعى وراء حماية الأرض والدولة السورية، ولتحقيق الديمقراطية والتنمية.
القوات التركية تتقدم نحو مواقع قوات سورية الديمقراطية، التي لا تسعى بدورها وراء الديمقراطية، وإنما تسعى وراء إقامة حكم ذاتي في شمال سورية، محمي بالبنادق.
معظم القوى التي تعلن مواقف إزاء الدخول التركي، لشمال سورية تكذب، وتناور فيما تعلنه.
ابتداء من تركيا، التي تعلن أن هدف حملتها العسكرية محاربة الإرهاب الذي تتخوف من انتقاله إلى البلاد، وانها لا تستهدف من تسميهم الاخوة الاكراد.
العديد من الدول العربية عارضت وتعارض بشدة الغزو التركي لشمال سورية، وقد اتخذت مواقف حازمة خلال اجتماع الجامعة العربية التي تهدد بدورها باتخاذ عقوبات ضد تركيا.
بعض هذه الدول ساهمت في تغطية تكاليف الجماعات الارهابية، وأمدتها بالسلاح وها هي اليوم تمهد الطريق لعودة علاقاتها مع سورية، وعودة سورية إلى الجامعة العربية.
فقط دولة عظمى واحدة، هي قطر، من تجرّأت على تجاوز الإجماع العربي، فتعلن مع الصومال التحفظ على ما صدر من قرارات، وهي بذلك تكون قد أكدت عمليا انسجامها مع دورها المتواصل الذي مارسته بدعم وتغطية الجماعات الارهابية في سورية منذ البداية.
ربما نستثني من كل الحشد الدولي الذي يدين الغزو التركي ويطالب بانسحاب القوات العسكرية، دولا اوروبية وأخرى عربية، ولكن ليس من موقع الدفاع عن وحدة الأرض السورية، أو التعاطف مع الأكراد، وإنما بسبب تخوفها من تبعات ذلك، إذا أدى القتال إلى مزيد من الهجرة، ومزيد من انتشار عناصر «داعش»، بما يهدد أمن تلك الدول.
في الحقيقة، إذا كان هدف تركيا من وراء عمليتها العسكرية في شمال سورية، هو القضاء على قوة الأكراد، وإنهاء حلمهم بدولة أو حتى حكم ذاتي، فإن ثمة دولا اخرى تتمنى أن تنجح تركيا في تحقيق هذا الهدف.
نجاح اكراد سورية في فرض واقع حكم ذاتي، مع قوة عسكرية، ذات فعالية، تتلاقى لوجستياً، مع الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، من شأنه أن يضاعف فعالية ومخاطر الوجود الكردي في تركيا، التي يسكنها العدد الاكبر من الاكراد.
لا يختلف الوضع كثيراً عما يمكن ان تعانيه ايران في حال نجح الأكراد في فرض وتحقيق اهدافهم بالحكم الذاتي في سورية.
لذلك وعلى قاعدة «فخّار يكسّر بعضه»، تدين اطراف كثيرة الغزو التركي، ولكنها من تحت الطاولة، تتمنى أن يضعف الطرفان التركي والكردي بعضهما البعض.
لا ينطوي على تهمة أو إدانة الإقرار بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم، التي عبرت عن مخاوفها إزاء ما يتعرض له الأكراد، وأكدت دعمها لهم، بل خرج العشرات للتضامن معهم.
هل يعقل أن تنفرد تركيا بالتمرد على إجماع دولي، وهكذا يبدو فتقرر المضي قدماً، دون أن تعطي اهتماماً لذلك الإجماع؟
الموقف الأميركي أكثر المواقف المفضوحة، فلقد استبق ترامب الغزو التركي بقرار صاخب، يقضي بسحب القوات الأميركية من شمال سورية، ثم يصرح أحد الناطقين باسمه بأن تركيا أبلغتهم أن العملية ستكون محدودة، قبل أن يتضح أنها عملية واسعة.
أي كذب هذا وافتراء، وخيانة للحلفاء الأكراد، تمارسه الولايات المتحدة، ويمكن بالتأكيد ممارسته بحق حلفاء آخرين.
كالبلطجي يعلن رئيس أكبر دولة، وهي الولايات المتحدة، انه وافق على ارسال المزيد من الجنود والمعدات العسكرية للسعودية مقابل ان تتكفل السعودية بتغطية كل النفقات. إذا كانت السياسة اقتصاداً مكثفاً، فإن ترامب يقرر أن الاقتصاد والمصالح هي العامل الحاسم في صنع السياسة وإدارة الأحداث، حتى لو أدى ذلك إلى الإطاحة بكل وأبسط القيم.
ما يجري في شمال سورية، هذه الأيام، سيساهم في إعادة توزيع عناصر الارهاب إلى مصادره الأساسية، وستدور الدنيا لكي يرتد السحر على السحرة الكثر. وعلى الجماعة العربية أن تنتبه إلى خطورة استمرار الوجود التركي العسكري في شمال سورية، تحت عنوان مناطق آمنة، فقضية لواء الإسكندرون، لا تزال ماثلة، لا يتذكرها العرب حتى في قليل المناسبات.