هل أدرك العرب حقيقة ترامب؟! محمد ياغي

الجمعة 11 أكتوبر 2019 01:41 م / بتوقيت القدس +2GMT



الضوء الأخضر الذي أعطاه ترامب لتركيا لإقامة منطقة آمنة شمال سورية تعني موافقته العلنية على التخلص من المقاتلين الأكراد الذين كانوا حتى الأمس القريب أهم حلفاء أميركا في سورية.
حتى قبل نجاحه في الانتخابات، كان الرئيس ترامب واضحاً كالشمس في توجهاته تجاه منطقة الشرق الأوسط.
الكل يذكر ادعاءاته أن بلاده أنفقت ست تريليونات دولار على الشرق الأوسط والتي أصبحت ثمانية قبل أسبوع فقط، وكأنها أنفقت، حتى لو صحت الأرقام، على بناء الشرق الأوسط.
كل الأموال التي دفعتها أميركا في هذه المنطقة كانت إما لحماية إسرائيل وتقويتها على حساب العرب، وإما من أجل الدفاع عن مصالحها، وإما لتدمير دول في الشرق الأوسط حيث النفقات أكثر من غيرها كما حصل في العراق ٢٠٠٣ وأفغانستان وليبيا وسورية.
بعيداً عن الأرقام، ترامب لم ير في الشرق الأوسط إلا ثلاثة أشياء:
أنها منطقة يمكن استنزاف مواردها لحساب أميركا بذريعة الخطر الإيراني من خلال بيع المزيد من السلاح للمنطقة وإعطاء الوعود الكاذبة لتشجيع الاستثمار في بلاده من دول الخليج العربي.
أنها منطقة تخسر فيها الولايات المتحدة جنودها بلا مبرر "اقتصادي" لذلك بعد أن أصبحت أميركا مصدرة للنفط ولا تعتمد على دول الخليج في احتياجاتها منه.
وأن الحليف الوحيد الذي يجب حمايته وإعطاؤه ما يريد هو إسرائيل. ليس محبة فيها ولكن لأن جزءا من قاعدته الانتخابية يريد ذلك، ولأن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة قوي.
العرب اعتقدوا بداية أن كراهية هذا الرجل لإيران كافية للاعتماد عليه والاستثمار فيه، وذهب البعض أكثر من ذلك لعدم الاصطدام به سياسيا، إلى الصمت على ترويجه لتحالف عربي – إسرائيلي مقابل إيران على حساب القضية الفلسطينية. لكن هذه الدول بدأت تكتشف أنها أخطأت وأن عليها ألا تضع بيضها في سلته.
بعد إسقاط إيران للطائرة المسيرة وتراجع ترامب عن الرد أدركت دولة الإمارات العربية مثلاً بأن الرجل يبيع الأوهام وقامت بتحسين علاقاتها مع إيران.
وبعد الهجوم على منابع ومصافي النفط في العربية السعودية أدركت الأخيرة أن عليها أن تتوصل لترتيبات أمنية إقليمية تحفظ لها ولإيران مصالحهما بدلاً من الدفع باتجاه المواجهة العسكرية، بحسب تصريحات ولي العهد السعودي ومصادر صحافية أخرى.
ترامب أصبح مكشوفا لكل من لديه بصيرة.
حتى إسرائيل أدركت أن أكثر ما يمكنها الحصول عليه منه، قد حصلت عليه فعلا. وأن المرحلة القادمة هي لتفادي النتائج الكارثية لسياساته في المنطقة على أمنها.
تدرك إسرائيل أن الانسحاب الأميركي من سورية يعني القضاء على الحلفاء الأكراد.
لكن الأهم من ذلك، أن هذا الانسحاب يعني المزيد من النفوذ الإيراني في سورية والاقتراب من خطوط الصراع معها أكثر فأكثر.
وإذا أضفنا لذلك ما تعنيه تقنيا لإسرائيل الهجمات الإيرانية أو هجمات حلفائها على منابع ومصافي النفط في العربية السعودية، فهي تدرك اليوم أنها أمنياً في وضع يستحيل معها أن تنتصر في أي حرب قادمة، وأن خياراتها أصبحت محدودة في ظل الانسحاب الأميركي المتسارع من المنطقة.
طبعاً العقلية المريضة لحكومات إسرائيل ستستمر في رفض السلام مع العرب الذي لا يبنى إلا على الانسحاب الشامل من الأراضي التي تحتلها، وستستمر في العمل على تحصين نفسها إلى أن تحدث حرب تُهزم فيها.
كتاجر عقارات، ترامب يعتقد أنه مفاوض شاطر، وأن هذه المهارة ستمكنه من تحقيق إنجازات تسجل له في التاريخ الأميركي.
لكن نظرة سريعة على المعارك التي افتعلها وعلى إنجازاته فيها، تشير إلى أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أي إنجاز لدولته:
ترامب فشل إلى الآن في التفاوض مع الصين على اتفاق تجاري جديد، والمؤشرات تشير إلى أن الصين تخسر كثيراً بسبب ذلك، لكن في المقابل الولايات المتحدة وتحديداً المزارعين فيها من أكبر الخاسرين.
ترامب فشل في إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن سلاحها النووي أو برامجها الصاروخية بعيدة المدى وأن كل ما فعله إلى الآن هو لقاءات مع الزعيم الكوري حرص كل رئيس أميركي سابق على تجنبها لعدم إعطاء الأخير أي شرعية سياسية.
سياسات ترامب مع أوروبا أدت فقط إلى قناعة أوروبية تترسخ يوماً بعد يوم بأن عليها أن تبني سياساتها الأمنية والنقدية وحدها بعيداً عن الولايات المتحدة.
أما سياساته تجاه روسيا والتي بدأت بتخلي ترامب عن معاهدات عسكرية سابقة فقد أدت فقط إلى زيادة سباق التسلح بين البلدين ولم تضف جديداً للأمن الأميركي.
وأخيراً فإن سياسات ترامب تجاه إيران، كشفت فقط مدى عُقم سياساته وضحالة فهمه السياسي للقضية التي يتعامل معها.
سياساته تجاه إيران أدت إلى تدهور أمني غير مسبوق في المنطقة لا يريد ترامب التعامل معه ولكن استغلاله لتحقيق مكاسب مالية لأميركا.
سياساته أدت إلى تقريب الأوروبيين من إيران أكثر مما كانت عليه علاقاتهما في السابق.
سياساته كشفت كيف أهان ترامب بلاده وهو ينتظر على الخط موافقة الرئيس الإيراني للحديث معه بلا طائل.
وسياساته كشفت أن لا جديد لديه في الصراع مع إيران غير العقوبات الاقتصادية، وهي سياسة قديمة لم تؤد إلا إلى توحيد الإيرانيين خلف قياداتهم.
لا نعتقد أن أحداً في العالم العربي يجهل نوايا ترامب أو لا يفهم سياساته، وتبقى المهمة الأصعب، هي ماذا يعني كل ذلك للزعماء العرب:
هل عليهم إغماض عيونهم عن كل ذلك، أم أن عليهم بناء سياسات وتحالفات جديدة تخدم مصالحهم؟