إعلان الرئيس أبو مازن عن نيته إجراء انتخابات تشريعية مهم لجهة تجديد الحياة في المؤسسات الفلسطينية وحماية دورها الذي يكفله القانون الأساسي الفلسطيني لها.
لكن في المواجهة مع دولة لا تريد التفاوض ومواقفها معلنة من كل قضايا الصراع معها، وتسعى لضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية لها، لا نعتقد أن هذا الإعلان وحده قادر على التأثير على إسرائيل بأي حال من الأحوال، وربما يمكنه على الأكثر، إثارة المسألة المتعلقة بالانتخابات في القدس العربية والتي نعتقد أن إسرائيل سترفض الانتخابات فيها بعد أن حصلت على الاعتراف الأميركي بها كعاصمة لإسرائيل.
بكلمات أخرى، الانتخابات التشريعية قد تسلط الضوء في حالة الرفض الإسرائيلي لإجراء الانتخابات في القدس على مشكلة قانونية وهي حقوق المقدسيين السياسية، لكنها (الانتخابات) لا تستطيع أن تغير في واقعهم أو الوضع الإجمالي للصراع مع إسرائيل.
توجد أنواع عديدة للمفاوضات، منها ما تسمى المفاوضات بين الأصدقاء حيث تكون التنازلات أسهل ومجانية لأن كليهما لا يريدان الجدل ويرغبان بعدم إفساد صداقتهما بأخذ مواقف متعنتة تسيء لهذه الصداقة.
ومنها المفاوضات بين الأعداء حيث تبدأ عملية التفاوض على مكان وشكل الطاولة التي سيجلس عليها المتفاوضون وحيث التنازلات تقدم بالقطارة لأن كل طرف لديه مصالح يريد الحفاظ عليها وهنالك بالطبع ما بينهما. لكن أياً كان نوع المفاوضات فإن نتائجها محكومة في نهاية المطاف بمقدار التنازلات التي يقرر الطرف الأقوى تقديمها.
جامعة هارفارد تقوم بتدريس طريقة للمفاوضات تسمى (برينسيبيلد نيقوشيشين) تدعي فيها أن الفرق بين القوة المادية التي تعتمد على ما يملكه طرف من مصادر مثل القوة العسكرية والمال والعلاقات الدولية يمكن تعويضها في المفاوضات من قبل الطرف الآخر بما تسميه قوة التفاوض والتي تعتمد على التحضير الجيد للمفاوضات ومهارات التفاوض، لكنها أيضاً تقول إن هذا ممكن في حالة أن الطرف القوي يريد فعلا التوصل لحل.
في الحالة الإسرائيلية أصبح من المعلوم للعالم أجمع بأن إسرائيل لا تريد تسوية سياسية وأن كل ما تقوم به يدلل على أنها تريد ضم الأرضي الفلسطينية.
الحقيقة أن الأرض الفلسطينية المحتلة والصراع بالمجمل مع الفلسطينيين لم يكونا على أجندة الانتخابات في إسرائيل إلا من جهة التلويح بضم المستوطنات والأغوار أو القضاء على حركة حماس في غزة، لكن لم يبد أي طرف إسرائيلي اهتماما بطرح برنامج لحل الصراع مع الفلسطينيين بما في ذلك حزب أزرق – أبيض والذي يسميه البعض تيار الوسط وهو حقيقة تيار يمين الوسط.
في وضع كهذا، لا يكفي الإصرار على الحقوق أو إعلان انتخابات تشريعية - حتى لو جرت في القدس فإنها لا تغير من حقيقة أن إسرائيل تعتبرها جزءا منها ولا تريد التخلي عنه - ولكن المطلوب أكثر من ذلك: دفع القضية الفلسطينية من جديد لتكون على رأس اهتمامات إسرائيل والمجتمع الدولي.
للقيام بذلك يجب خلق أزمة لإسرائيل، يجب إشعارها وإعلام العالم بأن ليس كل شيء على ما يرام ولن يكون كذلك باستمرار الاحتلال.
الطريق لذلك يكمن بالتصعيد، والتصعيد الذي أتحدث عنه أقصد به خطوات تتخذها السلطة لخلق أزمة لإسرائيل ومنها: الانسحاب من اتفاقات أوسلو وإلغاء الاتفاقات المترتبة عليها مع الجانب الإسرائيلي، سحب الاعتراف بإسرائيل، وترك الحرية للشارع الفلسطيني للتعبير عن غضبه من الاحتلال بالطرق التي يريدها.
من المهم التذكير بأن السلطة الفلسطينية أخذت مسؤوليات عديدة من الاحتلال مثل التعليم والصحة والأمن وهي قامت بذلك لأن قناعتها كانت أنها تبني مؤسسات لدولة، ولا تبني مؤسسات للتسهيل على الاحتلال احتلاله للأرض الفلسطينية.
على الرغم من ذلك، يمكن الحفاظ على السلطة، وتحميل الاحتلال مسؤولياته من خلال حصر مسؤوليات السلطة في قضايا تنظيمية. بمعنى أدق، تحويل السلطة إلى بلدية كبرى تهتم فقط بالقضايا التي يمكن لأي بلدية في العالم أن تهتم بها.
لا يمكن الخلاص من الاحتلال بلا تصعيد، والتركيز على بناء المؤسسات عبر الانتخابات لا يكفي لتغير الواقع الفلسطيني الحالي.