لا أظن أننا نبالغ في القول أن الرئيس المصري وولي العهد السعودي هما ثمرتان من ثمار السيرورة ” الثورية ” التغييرية ، اوبالأحرى التمهيدية ، التي اطلقتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها ، في البلدان العربية تحت شعار ” الربيع العربي ” . بكلام أكثر صراحة ووضوحا يمكننا ان نأخذ من باب النقاش فرضية فحواها أن ما جرى في مصر في 2011 و2013 ، ثم في السعودية التي تبوأ فيها الملك سلمان العرش في 2015 وعيّن نجله محمد وليا للعهد في 2017 ، لا يعدوكونه أحداثا في سياق الربيع العربي الذي من المعروف أنه أدى حيث بلغت السيرورة ” الثورية ” مداها ، إلى حضور ظاهر للولايات المتحدة الأميركية أوارتباط أشد قوة وإحكاما بها وبإسرائيل (على شكل تطبيع علني أوغير معلن ) . ليس من حاجة لشرح هذه المسألة فمظاهرها بادية للعيان ، ولكن ما يهمني هوالإشارة إلى إن سياسة الرئيس المصري تبدومن خلال خطابه ( باللغة العامية ، جلوسا في قاعة ، واضعا أحيانا نظارات سوداء والمدعوون من خلفه ، نحن فقراء قوي قوي وأنا أبني قصورا وما لو)مغايرة للسياسات التقليدية التي أتبعها من سبقه وإلى أن ولي العهد السعودي (وهوالملك الفعلي ) يمارس السلطة بدوره أيضا ، بأسلوب مختلف عن أسلافه نظرا إلى الحروب التي تشارك فيها المملكة مباشرة على غير عادتها أضف إلى مخاطبة الرئيس الأميركي له علانية بكلام فج ! ( دفعتم هذه المبالغ من المال وعليكم أن تدفعوا أيضا )
أضع هذه التوطئة لأنتقل من بعد إلى التساؤل والبحث في احتمالية وجود نوع من الصلة بين طارئين وقعا في الأسابيع القليلة الأخيرة في كل من المملكة السعودية ومصر وهما دولتان رئيسيتان في مجموعة الدول العربية المشرقية . من المعلوم أن هزيمة مصر في حزيران 1967 وتراجعها عن دور الريادة كانا شرطان ضروريان لانتهاء الخصومة فيما بينهما .
فما حملني على تناول هذه المسألة هوأن السيرورة التي أوصلت الزعيمين ، المصري والسعودي الحالين إلى السلطة هي سيرورة انقلابية في أغلب ملامحها ، واستطرادا ، أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ما كانت لتسمح بمثل هذه الأمور في البلدين المذكورين لولم تكن متناسقة مع الخطة المتبعة أوجزءا منها .
ينبني عليه أنه لوصدق هذا الاعتقاد لحق لنا أن نعتبر أن الاضطرابات التي تشهدها مصر والسعودية منذ بداية شهر أيلول سبتمبر الجاري ما هي إلا مقدمات لمتبدلات محتملة الوقوع مستقبلا في البلدين وليس مستبعدا أن يكون تلازم هذه الاضطرابات انعكاسا لشراكة بينهما ، أولمصير مشترك ينتظرهما .
فلوعدنا إلى المشهد الحالي في مصر ( الفقر القوي + استخدام القروض من أجل تشييد القصور)، لأمكننا القول أننا حيال عملية استفزاز الغاية منها إثارة المصريين والتسبب بصدام بينهم وبين السلطة تتوخى هذه الأخيرة من خلاله تمتين الوثاق بين الأوضاع في مصر وفي شبة جزيرة العرب. أما المشهد في المملكة السعودية ، بعد الضربة التي تعرضت لها المنشآت النفطية في بقيق وخريص، فأنه يتكشف عن قوات أميركية ستتولى حراسة هذه المنشآت ( ربما عن حلف آخر ، هذه المرة لحماية المنشآت النفطية السعودية من الإرهاب !)
من البديهي أن هذه كله من شأنه أن يضعف إلى حد كبير دور كل من مصر والمملكة السعودية على الساحة العربية بوجه عام ، وفي البلاد السورية وما بين النهرين خصوصا . المفارقة العجيبة هنا ، هي أنه يخشى من أن يؤدي التحريض ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، بحجة الحرص على العروبة ، إلى رهن مصر وشبه جزيرة العرب للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل .مجمل القول أن أصل المشكلة هي في وجود حاكم مطلق الصلاحية ، مدى الحياة !
كاتب لبناني مقيم في فرنسا