للخليج العربي: ترامب مشكلة وليس حلاً! محمد ياغي

الجمعة 20 سبتمبر 2019 07:29 م / بتوقيت القدس +2GMT



في حزيران الماضي كتبت أن استراتيجية إيران لرفع الحصار عنها هي "عولمة أزمتها."
وقصدت بذلك أنها تسعى لجعل غالبية دول العالم متضررة من الحصار عليها وبالتالي دفعها للضغط لرفع الحصار عنها. وقلت أيضاً، إن الإيرانيين جادون في ذلك حتى لو كانت النتيجة هي الحرب المفتوحة.
ما جرى في العربية السعودية من استهداف لمنشآتها النفطية هو تأكيد لهذه الاستراتيجية، ويقيني أن هنالك خطوات تصعيدية أخرى قادمة من إيران وقد تطال منشآت نفطية أخرى في الخليج العربي.
ليس مهماً إن كانت الصواريخ أو "المسيّرات" قد انطلقت من إيران أو اليمن أو من العراق.
هذه مجرد تفاصيل، لأنها حتى لو انطلقت من اليمن على سبيل المثال فإن ذلك ما كان ليحصل لولا الدعم الإيراني للحوثيين تقنيا وماليا.
بمعنى أن أصابع إيران موجودة فيما حدث حتى لو تم تقديمه على أنه رد فعل على القصف والحصار الذي يتعرض له الحوثيون.
إذا كانت سياسات إيران التصعيدية ستستمر فإن السؤال الذي تجب الإجابة عنه هو: ماذا بإمكان العربية السعودية أن تفعل؟.
يقيني أن الاعتماد على رد عسكري من قبل إدارة الرئيس ترامب هو سياسة لا طائل منها لثلاثة أسباب:
أولاً: ليس في وارد هذه الإدارة أن تتورط في حرب مفتوحة مع إيران.
تدرك إدارة ترامب أن العمليات العسكرية الجراحية، بمعنى قصف أهداف محددة في إيران "لتأديبها" كنوع من الردع، ستتعامل معه طهران بالمثل وستقوم بالرد عليه بقصف أهداف أميركية في الخليج العربي. هذا بدوره سيدفع أميركا للرد والنتيجة، ستكون في النهاية حرب مفتوحة لا تريدها إدارة ترامب لأنها لا تريد أن تخسر جنديا واحدا من أجل دول الخليج العربي.
ثانياً: ترامب لا يريد من دول الخليج العربي غير أموالها دون مقابل أمني تتحمل فيه إدارته حماية أمن الخليج.
على الأكثر هو على استعداد لبيع السلاح لهذه الدول ولكن ليس القتال لحمايتها.
هو يعتقد أنه تاجر جيد وأن بإمكانه الحصول على أموال الخليج بمجرد أن يعرض عليهم صواريخ وأنظمة دفاعية جديدة ومعها عقوبات اقتصادية جديدة على إيران.
ثالثاً: على الجميع أن يتذكر أن أميركا - ترامب من أكبر الدول المستفيدة من استمرار الأزمة الإيرانية، ولا مصلحة فعليه لها بحلها.
الأسباب واضحة أهمها أن أميركا لم تعد تعتمد على النفط الخليجي وهي مكتفية بنفطها وتصدر الفائض منه.
استمرار الأزمة يجعل منها مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط الذي تصدره، ومن زيادة صادراتها منه، ومن بيع مخزونها النفطي الاستراتيجي الذي لا تستخدمه والذي فتحت خزائنه فور توقف أكثر من نصف الصادرات السعودية من النفط.
لا نريد التذكير بما قاله ترامب سابقا عن دول الخليج العربي، ولكنها مؤشرات حقيقية على طريقة تفكير الرجل وعلى أهمية الإدراك بأن هذا رجل لا يمكن الثقة فيه.
من المهم التذكير أيضاً بأنه حتى لو كانت أميركا - ترامب على استعداد لخوض الحرب مع إيران، فإن الحرب نفسها ليست مصلحة خليجية بسبب حجم الدمار الذي ستخلفه في المنطقة.
وأيضا لأن التجارب السابقة ماثلة أمامنا: أميركا يمكنها خوض الحرب والانتصار فيها كما فعلت في العراق وأفغانستان، لكنها لا تستطيع الاستمرار فيها للدفاع عنها، وبالنتيجة فإنها ستخلق فوضى وحالة دائمة من انعدام الاستقرار والأمن في المنطقة ثم تغادر تاركة الخراب والدمار لأهل هذه الدول وجيرانها للتعامل معها.
إذا كانت الثقة بأميركا – ترامب معدومة، وإذا كان لها مصلحة في استمرار الأزمة، وإذا لم تكن الحرب أيضا مصلحة خليجية فماذا يمكن للعربية السعودية ومعها الإمارات أن تفعلا؟
في اعتقادي الحل يكمن بفتح قنوات للحوار مع إيران على نفوذها الإقليمي وليس على قدراتها العسكرية. الأولى يمكن التفاوض بشأنها ويمكن الوصول إلى حلول بشأنها في اليمن والعراق والبحرين تحديداً.
أما الثانية فلا نعتقد أن إيران على استعداد للحديث عنها وبالتالي لا يوجد حل أمام هذه الدول غير تطوير قدراتها العسكرية لحماية نفسها.
لكن التفاهم مع إيران على الأقل على نفوذها الإقليمي سيخفض حدة التوتر في الخليج العربي، وسينهي معركة الاستنزاف التي تتعرض لها العربية السعودية والإمارات في اليمن، وسيضمن حماية لإمدادات النفط الخليجية.
الأموال الطائلة التي يمكن توفيرها من التفاهم مع إيران، يمكن استخدامها ليس فقط في تطوير اقتصاداتها، ولكن أيضاً في دعم عمليات إعادة الإعمار في اليمن والعراق وفي كسب الشعبين بالتالي إلى جانب العربية السعودية والإمارات.
البعض يقول إن التفاهم مع إيران مستحيل لأنها دولة أيديولوجية. هذا التحليل فيه قصور:
صحيح بأن الأيديولوجيا تحرك إيران، لكنها تحركها لحماية مصالحها ولا تحركها لأنها راغبة في ثورة إسلامية في الدول المجاورة.
الحقيقة أن إيران لا تريد نظاما إسلاميا في العراق مثلاً، لأن مثل هذا النظام قد يكون خطراً عليها إذا ما رغب بالاستقلال عنها.
إيران تريد الوضع الحالي الذي يمكنها من استخدام العراق واليمن ولبنان لخدمة مصالحها التي تتمثل في منع الاعتداء عليها من قبل إسرائيل وأميركا ومن الضغط لرفع الحصار عنها.
باختصار، إيران تريد قوى تعتمد عليها في التمويل والتسليح والتدريب حتى تكون في خدمتها ساعة الحاجة لها، ولا تريد دول مستقلة وقوية وقادرة حتى لو كان نظامها السياسي مشابها لما هو موجود في طهران، لأنها بالتالي لن تتمكن من الحصول على دعمها بالطرق التي تريدها إيران.