الأغوار.. العمق الإستراتيجي للدولة الفلسطينية..سامر سلامة

الخميس 19 سبتمبر 2019 01:54 م / بتوقيت القدس +2GMT



منذ احتلالها للضفة الغربية في العام 1967، تعمل إسرائيل ليلا ونهارا على فرض سيطرتها على منطقة الأغوار والبحر الميت.
هذه المنطقة التي تشكل 28% من مساحة الضفة الغربية تمثل العمق الإستراتيجي السياسي والاقتصادي للدولة الفلسطينية القادمة.
فضمها أو إلحاقها بدولة الاحتلال سيقضي على أي أمل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وينتزع منها أيضا أهم مواردها الاقتصادية التي تعزز بقاءها ونموها وتطورها الطبيعي مثل باقي الدول في العالم.
إن تصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو حول نيته ضم تلك المناطق لم يأت في إطار الدعاية الانتخابية وإنما جاء ضمن عملية ممنهجة وخطط مدروسة قامت بها جميع الحكومات المتعاقبة في إسرائيل.
ويأتي اهتمام دولة الاحتلال بهذه المنطقة ليس لأسباب أمنية كما هي ديباجة الاحتلال دائما وإنما لأسباب اقتصادية وسياسية.
فخلال الدعاية الانتخابية الأخيرة ركز نتنياهو على موضوع الأغوار لما تشكله هذه المنطقة من مصلحة إستراتيجية اقتصادية وسياسية لدولة الاحتلال.
فنوايا نتنياهو مبيته ولم تأت لاستمالة الناخب الإسرائيلي الذي يميل للتطرف والتنكر للحقوق الفلسطينية.
وجاء رد الرئيس محمود عباس القوي والصريح والمباشر بإلغاء جميع الاتفاقيات مع إسرائيل إذا أقدمت الأخيرة على تنفيذ ما يتم الإعلان عنه بضم الأغوار إدراكا منه أن نوايا نتنياهو جادة هذه المرة ولا تندرج ضمن الدعاية أو المزاودة الانتخابية الإسرائيلية.
فالمعركة القادمة هي معركة الأغوار وقد تكون المعركة الحاسمة والأخيرة قبل دفن ما تسمى المسيرة السلمية. فالسؤال المطروح: لماذا الأغوار والبحر الميت؟
من الناحية الاقتصادية، تعتبر منطقة الأغوار والبحر الميت المنطقة الأكبر للتطوير والنمو في الضفة الغربية، فهي تحتوي على مخزون الضفة الغربية الأكبر من الموارد الطبيعية وخاصة الثروة المعدنية التي تقدر حصة فلسطين منها بحسب تقرير البنك الدولي بمليار دولار سنوياً أي 7% من إجمالي الناتج المحلي.
أضف إلى ذلك تعتبر الأغوار سلة خضار وفواكه فلسطين وسياج الأمن الغذائي للفلسطينيين لما تحتويه المنطقة من مصادر مياه وأراضٍ خصبة قابلة للزراعة.
والمنطقة تصنف على أنها منطقة عذراء بالنسبة للفلسطينيين إذ إنها لم تستغل بالشكل المطلوب نتيجة لاستمرار الاحتلال في سلب مقدراتها.
فبحسب منظمة بتسيلم الإسرائيلية فإن دولة الاحتلال تسيطر الآن على ما يقارب الـ 77% من مساحة ومقدرات المنطقة ما يحرم الاقتصاد الفلسطيني من أهم موارده.
وإذا أضفنا أيضا الفرص الاستثمارية السياحية في منطقة البحر الميت فإن ذلك سيضاعف من حصة الاقتصاد الفلسطيني من موارد المنطقة وسيعزز النمو الاقتصادي الدائم والمستمر ما سيزيد من فرص العمل للفلسطينيين. 
ومن الناحية الديمغرافية، فإن المنطقة لا تزال فارغة نسبيا إذ يقطن بها ما يقارب الـ 120 ألف فلسطيني موزعين على 29 تجمعا سكانيا إضافة إلى عشرات التجمعات البدوية المنتشرة في المنطقة.
ومنذ العام 1967 تحاول دولة الاحتلال تشجيع الاستيطان في تلك المنطقة إلا أنها فشلت في ذلك إذ يقدر عدد المستوطنين الساكنين في مستوطنات الأغوار بما لا يتجاور الخمسة عشر ألف مستوطن بالرغم من جميع الإغراءات المادية التي يقدمها الاحتلال للمستوطنين للعيش في منطقة الأغوار.
لذلك نرى أن حكومة الاحتلال كثفت من سيطرتها على الأرض من خلال القواعد العسكرية أو المنشآت الزراعية والصناعية التي تعتمد بشكل كامل على اليد العاملة الفلسطينية.
أما من الناحية السياسية فإن المنطقة تمثل الحدود الدولية المفتوحة الوحيدة للضفة الغربية مع الأردن والعالم كما هي رفح في قطاع غزه. فإغلاق هذا المنفذ الدولي أو إبقاء السيطرة عليه من قبل دولة الاحتلال سيقوض ويضعف الدولة الفلسطينية ويجردها من استقلالها الفعلي ويجعل منها دولة فاقدة للسيادة الكاملة ويبقيها تحت رحمة الاحتلال ومزاجه العام.
كما أن منطقة الأغوار تمثل نقطة التواصل الجغرافي الطبيعية بين المناطق الفلسطينية المختلفة. فعزل تلك المناطق سيفقد الدولة الفلسطينية تواصلها الجغرافي ويبقي عليها كمعازل جغرافية غير متواصلة لا يمكن أن تشكل دولة طبيعية ذات حدود دولية معترف بها.
فأمام هذا الواقع لا بد من تسريع تنفيذ خطة الحكومة المتعلقة بالتنمية العنقودية في الأغوار والإعلان عنها عنقودا زراعيا وسياحيا وصناعيا وتشجيع الشباب على العيش والعمل في تلك المنطقة من خلال تقديم منح مالية أو أراضٍ مجانية للراغبين في العيش والاستثمار في المنطقة وخاصة أن معظم الأراضي في تلك المنطقة إما أراضٍ وقفية أو حكومية.
هذا ولا بد من دعم وتطوير المنطقة الصناعية في أريحا وزيادة الاستثمار في الصناعات الزراعية والتحويلية التي تعتمد على الموارد الطبيعية في المنطقة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي والدولي فمن الضروري اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لاسترجاع الحقوق المسلوبة والتواصل مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودول عدم الانحياز ومجموعة الـ 77 والصين وغيرها من المنظمات الدولية الحقوقية للضغط على إسرائيل لوقف ممارساتها في منطقة الأغوار.
كما أننا بحاجة إلى تفعيل الدبلوماسية الهادئة مع الاتحاد الأوروبي لزيادة تدخله لحماية حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية لقطع الطريق على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة من إنهاء حل الدولتين.
وإذا فشلت كل هذه المحاولات لا بد من تغيير قواعد العمل واللجوء للنضال من أجل الدولة الواحدة لشعبين وثلاث ديانات على غرار ما حدث في جنوب إفريقيا.