مـاذا تـخـطـط إسـرائـيـل؟! محمد ياغي

الجمعة 13 سبتمبر 2019 05:18 م / بتوقيت القدس +2GMT



منذ سنوات وأنا، كغيري من الكثيرين، ينبهون الى حقيقة أن المشروع الوحيد الموجود على أجندة قادة إسرائيل هو ضم مناطق "ج". لذلك فإن تصريحات نتنياهو الأخيرة عن نيته ضم غور الأردن والمستوطنات وشمال البحر الميت في حالة إعادة انتخابه، ليست مفاجئة لكل من لديه القدرة على ملاحظة التغيرات التي حصلت في المجتمع الإسرائيلي منذ توقيع مصر لاتفاقات كامب ديفيد.
لعل أهم هذه المتغيرات أن إسرائيل بعد كامب ديفيد أصبحت تدرك بأن أيديها غير مقيدة في مسألة الاستيطان في الضفة الغربية، ومع فشل اتفاقات أوسلو في وقف الاستيطان واتساعه بشكل سرطاني في القدس ومناطق الضفة حتى اصبح عدد المستوطنين فيهما يصل الى ما يقارب الـ 700 الف مستوطن، أصبح واضحاً للساسة في اسرائيل أن كل من يريد أن يحكم منهم عليه أن يحظى على رضا المستوطنين.
باتساع نفوذ المستوطنين في تشكيل حكومات اسرائيل المتعاقبة انتهى مشروع حل الدولتين وحل مكانه مشروع ضم مناطق "ج" الى إسرائيل بهدف إرضائهم.
لكن المشكلة التي لا يتحدث عنها أحد الى الآن تكمن في السؤال التالي:
إذا كان مشروع حل الدولتين قد اختفى وأصبح غير موجود على طاولة حكومات إسرائيل بيمينها ووسطها، وإذا كانت إسرائيل لا تريد حل الدولة الواحدة، فما هو مشروعها للحل مع الفلسطينيين؟
شاءت إسرائيل أم أبت، فإن لديها مشكلة حقيقية عليها أن تتعامل معها.
حصر ملايين الفلسطينيين في مناطق "أ" سيتسبب في النهاية الى تحويلها الى مناطق مكتظة يصعب السيطرة عليها أمنيا والى تحويلها الى مراكز للمقاومة على طريقة غزة، ويقيننا أن إسرائيل تدرك ذلك، ولهذا فإن مشروعها لن يتوقف على "تكديس" الفلسطينيين في مناطق "أ" ولكن على العمل على التخلص منهم إما بممارسة الضغوط على الأردن لضم مناطق "أ" وإما بترحيلهم بوسائل قسرية الى الأردن.
للبعض هذا يبدو مستبعداً جداً.
سيقولون: المجتمع الدولي لن يسمح بذلك.
وسيقولون: الفلسطينيون لن يقبلوا الرحيل عن وطنهم أياً كانت الأسباب.
وآخرون سيقولون: الأردن سيقاوم أي مؤامرة تستهدف أمنه واستقراره.
لا توجد شكوك بأن المجتمع الدولي سيرفض ذلك، وبأن الفلسطينيين والأردنيين سيقاومون ذلك، لكن علينا أن نتذكر التاريخ ونتعلم منه لان دولة إسرائيل قامت وتشكلت وتوسعت مستفيدة من مصادفات تاريخية قد لا تتكرر أبداً:
لو لم يحدث الهولوكست، لما حصلت الحركة الصهيونية على تعاطف دولي مكنها من بناء دولة لها في فلسطين.
لو لم يكن العرب تحت الاستعمار العام 1948 لما تمكنت اسرائيل أو لما تجرأت في حينه على محاربتهم ولما تمكنت من توسيع حدودها الى كل ارض فلسطينية وصلت أقدام جنودها اليها: اكثر من حدود التقسيم التي كانت تأمل بأن يقبله العرب لها.
لو لم توقع مصر اتفاقات كامب ديفيد لما غامرت اسرائيل ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة والقدس العربية.
إسرائيل لم تحلم أبداً ايضا أن يأتيها رئيس أميركي مثل ترامب ليعطيها أكثر مما تطلب. هو لم يقدم لها فقط القدس والجولان، ولكنه يطلق أيديها لتفعل ما تريد في العالم العربي.
اليوم إسرائيل ترى في إدارة ترامب فرصة قد لا تأتي مجدداً، لهذا هي حريصة على ضم المستوطنات وغور الاردن وشمال البحر الميت في وجوده.
الضم يتحول الى واقع لا يتغير إلا بوجود قوة تزيله وتبني مكانه واقعاً جديداً.
بالطبع لا الاردنيون ولا الفلسطينيون سيقبلون بأن تحل مشكلتهم على حساب الأردن، لكن من قال بأن إسرائيل ستنتظر موافقتهم.
إسرائيل تفرض أمراً واقعاً ويصبح الجميع مضطراً للتعامل معه، وهي لا تفرضه "بالإقناع" ولكن من خلال الحروب أو التلويح بها.
علينا فقط أن نأمل انه وفي حالة اندلاع الحرب فإن إسرائيل لن تكسبها.
كل من يعتقد بأن ترحيل الفلسطينيين من الضفة غير موجود على الأجندة الإسرائيلية فهو عديم البصيرة، عاجز عن استقراء المستقبل، ولم يتعلم أبداً من دروس التاريخ.
باختصار، لا يوجد تنجيم هنا ولكن المسألة ببساطة أن ضم مناطق "ج" الذي يجري تدريجياً اليوم سيخلق في النهاية مشكلة أمنية لإسرائيل عبر تركيز الفلسطينيين في مناطق "أ".
هذه المشكلة لا تستطيع إسرائيل حلها لا عبر التنسيق الأمني ولا بأي وسيلة أخرى لا تتضمن الخلاص من سكان هذه المناطق.
الخلاص منهم يعني ضمهم للأردن.
لذلك، من يرغب في إفشال المشروع الإسرائيلي، عليه أن يعمل على أن تهزم إسرائيل في أي مغامرة عسكرية جديدة، لأن انتصارها فيها، يعني ضم الضفة وترحيل سكانها منها.