رجاء بكريّة: أين أخطأت القائمة العربية المشتركة؟ ..رجاء بكريّة

السبت 07 سبتمبر 2019 12:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
رجاء بكريّة: أين أخطأت القائمة العربية المشتركة؟ ..رجاء بكريّة



“.. لكنّها في معظمها تسقط في امتحان الواقع سقوطا مدوّيا، فتأثير المرأة في المدى السّياسي لم يكن قريبا من مركز اتّخاذ القرارات في أيّ وقت. حتّى في الكنيست ظلّت تابعة وفق ما أتابعه وأحلّله من مواقف. في حين يصعب تحديد مهامها في السّلطات المحليّة، لأنّها غالبا مبنيّة للمجهول.” (رجاء_ب)
لم تكن رغبتي بإثارة الموضوع هذه المرّة عفويّة، بل مقصودة بتوقيتها. لونها ومذاقها. هل نخطىء حين نتجاوز توقّعاتنا، أم حين تتجاوزنا؟ وهل صدفة أن نعيش هذا الوهن الّذي يثقل علينا دون كلل، ونحتفي به دون نقاش؟ ما يحدث في شارع الدّاخل الفلسطيني مثير للتّساؤل حدّ الملل من السّؤال، والأمر ليس جديدا بل عادة دأبنا عليها في كلّ معركة انتخابيّة سواء على المستوى المناطقي المحلّي أو القطري العام.
يستيقظ الشّارع الفلسطيني فجأة، لا ليدعم فكرة التّعاضد ويدفع مسيرة التّمثيل البرلماني وتأكيد حضوره، بل كي يوقظ قريحة النّقد ويُعِدّ أسئلته من جديد. بدءا من المفاوضات لتشكيل القائمة مرورا بيوميّات أعضائها وخصوصا رئيسها، أيمن عودة، ثمّ الرِّهانات الممتدّة طولا وعرضا لإفشالها. في انتخابات السّلطات المحليّة سألت نفسي كما أسأل نفسي الآن لماذا رهاننا على سقوطنا وفشلنا يفرحنا حدّ الرّقص على خراب؟
عن مُرشّحي الّذي صعد في انتخابات السّلطات المحليّة لا أملك كثير ما أقوله، لكنّي حين قابلته لأوّل مرّة فوجئت بشخص آخر لا أعرفه. خيبتي كانت مدهشة حدّ الوجع. لا أنتظر ممّن وثقت بهم أن يغيّبوا استقلاليّتهم في اتّخاذ القرارات لإرضاء شركائهم، لأنّها في الحقيقة تسير وفق مسار آخر أرحب رؤيا ومسافة. ورأيي أنّ كلّ ما يصدر عن رئاسة البلديّات والمجالس يجب أن يكون الرّئيس المنتخب مصدره والممثّل لهُ، ولا يجوز لآخر أن ينوب عنه ولو كان شريكا في الإدارة، لئلا نشعر بكلّ هذه الخسارة. ثمّة قرارات حين اتّخاذها نثبت إذا كنّا أصحاب البيت أم ضيوفا عليه، وأنا لا يعجبني أن يكون خياري غير طموحي.
 فالرّئيس الّذي لا يملك حريّة قراره بعد انتخابهِ بمعزل عن المستشار والمساعد والمحامي لن يكون بأيّ حال رئيسا ولكن تابعا. وقد تنازلت عن مكاسب ومناصب كثيرة في حياتي خشية أن أكون تابعة، لذلك لا يمكن لرئيس ولا لمرؤوس أن يأتي اليوم ويعلّمني كيف أتحدّث عن انطباعاتي ورؤيتي الشّخصيّة للخراب الّذي يجري حوله. من المهمّ أن نسجّل أنّنا حين ننتخب مرشّحنا نعوّل على استقلاليّة في اتّخاذ القرارات وإيجابيّة في فحص المسائل، والكثير من الشّفافيّة في التّواصل. التّراجع عن المواقف يشكّك منتخِبِك بخيارِهُ هو، وليس فيكَ، ويضعه في مساءلة عميقة مع إنجازاتهِ وحتما لن يفكّر بك ثانية، بل ربّما سيسعى لأخذ مكانك ولو أدى قراره لفوضى عارمة في معايير السّيء والجيّد. ولعلّهُ الملفت في معايير الأهداف السّلطويّة عموما وبضمنها هيئات المجالس والبلديّات أنّها تثرثر كثيرا حول العدالة الإجتماعيّة وتَوازي الحقوق ودعم حضور المرأة كعنصر فاعل ومنشّط للحركة الفكريّة في مناحيها الثّقافيّة، لكنّها في معظمها تسقط في امتحان الواقع سقوطا مدوّيا، فتأثير المرأة في المدى السّياسي لم يكن قريبا من مركز اتّخاذ القرارات في أيّ وقت. حتّى في الكنيست ظلّت تابعة وفق ما أتابعه وأحلّله من مواقف. في حين يصعب تحديد مهامها في السّلطات المحليّة، لأنّها غالبا مبنيّة للمجهول، وما لم تدفع الباب بنفسها بعيدا عن قدمها وتصرّ على أن تشغل مركز الحدث جنبا إلى جنب مع الرّجل لن يتغيّر شيئا في واقع الأمر.
إذا كان جميع رؤساء العالم يتحدّثون عن ثقافة احترام المرأة وشفافيّة التّعامل مع منتخبيهم قبل أن يعتلوا كراسيهم فلماذا لا ُيعدّون خططا لتنفيذها؟ لماذا لم تداهمني هذه الثّقافة في تلك المراكز؟
بعينيّ، كلمة السرّ بين المرشّح ومنتخبيه مفتاحها اللّباقة في إدارة الحوارات، واحترام قيمة الإنسان الّذي يخاطبه الرّئيس ومحيطه. والأمر ينطبق تماما على ممثّلي الجمهور في البرلمان الإسرائيلي، أنتم مطالبون وقبل كلّ شيء بالحفاظ على ثقافة المحاورة والمساءلة أكثر من أيّ أمر مركزيّ آخر، وأعني أن تعيدوا الإعتبار لقيمتنا كجمهور يشكّل عين الهدف. نحن مرجعكم، نحن سبب في ارتفاعكم أو نزولكم، ونحن كجمهور نريدكم في واجهة الفكر الّذي يمثّلنا. ليس في كلماتي ما يهدّد أو يهين، ولكن ما يستدعي تماما الوقوف للحظة والتّساؤل، ما الّذي تستدعيه المرحلة القادمة لسلاسة تواصل النوّاب العرب مع الجمهور؟ لم أعثر على الخطأ الّذي حمله كثر على أكتافهم وتسابقوا إلى عرضه على شاشات “هلا ومرحبا”. لستم مطالبون بامتهان النّقد، وأنتم لم تتخرّجوا في حقيقة الأمر من مدرسة نقديّة واحدة اجتماعيّة أو أكاديميّة. فالنّقد العشوائي يؤذي بالدّرجة الأولى أصحابه ثم محيطه. هذا الأمر يجعلني بشيء من الفكاهة أستحضر ما يجري في تهريجاتنا المسرحيّة المؤسفة في السّلطة الفلسطينيّة خصوصا، الّتي يصرّ القيّمون عليها على إشراك نقّاد في الأدب لا علاقة لهم من بعيد أو قريب بالدراما وفنّ الحركة لأهداف شخصيّة بحتة؟ أسوق كلماتي بعد تجربة مُرّة خضتها في هذا المجال انتهت بإعلان تحييدي عن مجريات الحلقة الفكريّة لعدم استساغة المشرف عليها اعتراضي على سياسته، وتقديراته الشّخصيّة. وأضيف أنّ وزير الثّقافة الجديد، عاطف أبو سيف، مطالب بأن يشارك شخصيّا في اجتماعات الهيئة العليا كمرجع أوّلي لسياسة المهرجان الفكريّة عموما كي يطّلع على مجريات الحاصل. تأثيره وأثره في هذه المرحلة سينقذ المهرجان من سقطات كثيرة وقع فيها المهرجان الأوّل.
 وما أدعو إليه بإصرار، لا تُشهِروا نقدكم غير المتمهّن وتشتغلوا على قصّ إنجازات النّائب الفلاني لمجرّد فعل النّقد الّذي تستدعيه سخونة المرحلة وسياسة المشرفين عليها، ثمّ جوع الشّاشات لأصوات وصور تملأها، لأنّها مهما امتلأت بالجعجعة والصّور ستظلّ فارغة بعيون الجمهور، جمهوركم، الّذي منه خرجتم. لن يخيّل إليكم أنّه أعمى أو أبكم. كونوا على ثقة أنّه يدرك مجريات الحاصل لحدّ لم تضعوه في اعتباركم.
استيقظت قبل أيّام على استطلاع مرسوم بالبونط العريض، في أحد المواقع يتساءل، أين أخطأت المشتركة؟ لن أسجّل بالغ امتعاضي، ولكن بالغ أسفي على انجرار شريحة كاملة للمساءلة. لماذا تعدّون على أعضاء الكنيست خطواتهم، وكلّ هفوة عابرة لا تحتسب مأخذا عليهم؟ لماذا تغشّون الواقع بفقاعات صابون هزيلة؟ طلبي المشروع أن يخرج النّاس كلّ الناّس يشمل المتسائلين بلا آخر عن الخطأ والصّواب إلى المؤتمرات والحشود الشّعبيّة ليتابعوا ما يحدث فعلا وليس ما يعتقدون أو يخيّل إليهم أنّهُ يحدث. وما يهمّني تذييله هنا أنّ جلّ ما يحدث لنا شكّنا المتواصل بأنفسنا، بإنجازاتنا وبقدراتنا. نحن شعب التّشكيك وسحب المعلومة من قشروها وليس من لبّها.
سؤالاتنا المشروعة تستدعي الكثير من التأنّي، ماذا نستطيع أن نقدّم لعيون المرحلة، ونحن على معرفة بخطورة ما يُحاك لنا. ردود أعضاء الكنيست على مماحكات اليمين والمركز وبمن فيهم رئيس القائمة أيمن عودة تستدعي الجرأة وإعلان مماحكة ممثالة. أن نتعلّم من وعوداتهم الكاذبة بمعظمها هو مكسب أيديولوجي بالدّرجة الأولى. سأعلن مثلا أنّي سأتشارك معكم تشكيل القائمة الحاكمة وفق شروط بعينها؟ لماذا نسارع لرفش التّراب إلى الشّوارع ونحن نصغي لمضامين حوارات تتجاوز طوق المسلّمات الّتي نعرفها. أن نستدرج اعترافاتهم ووعوداتهم ضريبة ذكائنا في إدارة خطوط المعركة الإنسانيّة والسّياسيّة على حدّ سواء.   ماذا قدّمنا؟
ليس بعد، على رأس أجندتنا دفع الحراك الشّعبي لمشاركة جماهيريّة واسعة للإدلاء بأصواتهم لصالح تمثيلنا البرلمانيّ داخل الكنيست، هذا الأمر في صدارة المرحلة. والأصوات الجديدة الّتي تسابق على خطوط الطّول والعرض في النّفَس الأخير للمعركة الانتخابية تخطئ حين تفرّط بأصوات جمهورها وتبعثرهُ بكلّ اتّجاه. الجماهير ليست فاترة ولا رافضة للمشاركة في الانتخابات، لكنّه فزِعٌ من التشرذم في اللّحظات الأخيرة، ولم يمض وقت طويل على جولة الانتخابات الاخيرة كي يتجمّس مجدّدا. سيسكت الآن لكنّه سيؤثّر حتما، ثقتي برؤيته بعيدة وعميقة، وأنتم يا أصحاب النّبوءات ليتكم تريّثتم قليلا، النّاس لا تحبّ النّبوءات حين تسخن الشّوارع، بل أفعال تبرّدَ الإسفلت وتمنح فرصة لمسيرات شعبيّة تعلنُ صوتَها. أيلول جاء وأذبل شجرا كثيرا ويبّسَ شُحنات ورق، لكن اليباس دائما شرط لاخضرار حياة ستأتي، أقوى وأبهى وأنضر..
كاتبة واديبة فلسطينية
rajaabk@gmail.com