أوغلو.. وأردوغان... ونقطة اللاعودة..عبير بشير

السبت 07 سبتمبر 2019 12:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
أوغلو.. وأردوغان... ونقطة اللاعودة..عبير بشير



وفرت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 2016 التي اتهم بتنفيذها مجموعة من الضباط الموالين للداعية الإسلامي فتح الله غولن، فرصة ذهبية لأردوغان، لإطلاق عملية تطهير واسعة داخل أجهزة الجيش التركي، بعدما كانت قيادات هذا الجيش شوكة في حلقه. واعتبر أردوغان "عملية الانقلاب" "منحة إلهية"، أعطته فرصة لن تكرر، لترويض الجيش، وإخضاع جنرالاته لمؤسسة الرئاسة، وتصفية كل من علاقة بتنظيم غولن سواء في الجيش أو أجهزة الدولة.
غير أن الانهيار الجزئي للاقتصاد التركي، وخسارة حزب العدالة والتنمية لإسطنبول وأزمير وأنقرة في الانتخابات البلدية الأخيرة، ونأي أعضاء كبار في حزب العدالة والتنمية عن أردوغان- علي باباجان، وعبد الله غول- وإعلان نيتهم تشكيل أحزاب جديدة، تنافس حزب أردوغان، بسبب ما أسموه خروج الحزب الذي شاركوا في تأسيه عن أهدافه، وتفرد أردوغان بالقرار السياسي والاقتصادي في تركيا، ناهيك عن قيام أردوغان بعزل رؤساء البلديات المنتخبين لبلدات كردية، وتعيين أشخاص بدلاً منهم، كلها وقائع تقاطعت مع بعضها البعض لتمثل بدايات مبكرة لنهاية حقبة أردوغان وحزبه.
الأخطر في الموضوع، هو قرار اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية مؤخرا، بإحالة مهندس العلاقات الخارجية للحزب داوود أوغلو وثلاثة من قيادات الحزب، على لجنة التأديب، والتوصية بطرده من الحزب، وهو ما يعتبر سابقة خطيرة، وخصوصا أن أوغلو لم يكن قائدا عابرا، في رحلة الرئيس أردوغان إلى الزعامة، وكان يعتبر من أكثر الشخصيات قربا منه، ومنظرا لأفكاره، وأحد أهم راسمي السياسات التركية.
وتمثل هذه الخطوة نقطة اللاعودة بين رفيقي الكفاح رئيس الوزراء السابق داود أوغلو، والرئيس أردوغان، وخاتمة لعلاقة استثنائية، وصلت إلى حائط مسدود، وعمقها تبادل الاتهامات والشتائم.
فقد هدد داود أغلو بما سماه "بفتح دفاتر الإرهاب"، وقال : "إن الكثير من دفاتر الإرهاب إذا فتحت لن يستطيع أصحابها النظر في وجوه الناس"، وأضاف أن الفترة من الأول من حزيران حتى الأول من تشرين الثاني من عام 2015، تعد أخطر وأصعب الفترات السياسية في تاريخ تركيا- وهي فترة بين جولتين انتخابيتين للبرلمان التركي، بعد فشل حزب العدالة في الحصول على الأغلبية البرلمانية التي تؤهله لتشكيل الحكومة التركية، فقرر أردوغان حل البرلمان والتوجه إلى انتخابات ثانية.
وجاء حديث داود أوغلو، بعدما اتهمه أردوغان صراحة بـ"الخيانة"، والعمل مع قوى خارجية لإسقاطه.
وقال الباحث التركي إسلام أوزكان، إن حديث داود أوغلو عن الإرهاب فُسر داخل حزب العدالة والتنمية على أنه تهديد جدي، لذلك بدأ بالتحرك ضده.
وحين زار أردوغان، مدينة قونيا مسقط رأس داود أوغلو، ومهد أبي الإسلاميين في تركيا نجم الدين أربكان، تعهد لأنصاره بتطهير المنشقين داخل الحزب، قائلا: "لا ينبغي لنا الامتناع عن التخلص من الأشخاص الذين فصلوا قلوبهم ومساراتهم عنا ولكنهم على الورق ما زالوا أعضاء في حزبنا".
ولم يكن قرار اللجنة المركزية لحزب العدالة، مفاجئا، بل جاء تتويجا لصراع مكتوم بين أوغلو، وبين رجب أردوغان.
وقد بدأ الصراع يظهر للعلن منذ عام 2016، عندما قرر أردوغان تحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، يومها عارض أوغلو هذا التوجه، على أساس أن التحول إلى النظام الرئاسي يضر بالهياكل الأساسية للدولة التركية، ويضع مؤسساتها في حالة ضعف.
وحينها طلب الرئيس التركي من داود أوغلو تقديم استقالته بعد اجتماع بينهما، وقد كتبت إحدى الصحف حينها عنوانا يقول "تركيا دخلت في النظام الرئاسي فعليا" في إشارة إلى استجابة رئيس الوزراء لقرار أردوغان بإقالته وأن منصب رئاسة الوزراء أصبح بلا أهمية بعد ظهور بوادر النظام الرئاسي.
ولدى تنحي أوغلو عن رئاسة الوزراء عام 2016، تعهد في خطاب الاستقالة بالامتناع عن انتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان علناً، والبقاء على إخلاصه له، وأكد حينها على أنه لا يكن ضغينة لأحد ولا يرغب في حدوث انقسام داخل الحزب الحاكم.
لكن أوغلو، فيلسوف العثمانية الجديدة، وصاحب نظرية "تصفير المشاكل" مع الجيران، كسر حاجز الصمت، صبيحة خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات البلدية في تركيا، وأصدر بيانًا، نشره على صفحته الرسميّة على الفيسبوك” انتقد ما يعتبره تقصيراً في العدالة والتنمية، وتحالف الحزب مع الحركة القومية العنصرية في الانتخابات، ورأى فيها أنها أضرت بالحزب سواء من حيث مستويات الناخبين، أو الهوية الحزبية.
كما انتقد عمليات التهميش لرفقاء الكفاح المؤسسين للحزب في بداياته الصعبة، وساهمت في وصوله إلى قمة الحكم، وطالب بالتخلي عن سياسات الغطرسة، ودعا إلى إعادة تقييم شاملة لمسار الحزب، وتقييم كل القضايا والنظر للمستقبل، بطريقة واعية وهادئة.
وفيما يشبه مقولة "التاريخ يعيد نفسه "، يجري الحديث في تركيا الآن، عن توجه لدى، داود أوغلو، والرئيس السابق عبد الله غول، وعلي باباجان، لتأسيس أحزاب جديدة. وهذا على غرار ما حدث في 2001، عندما حلت المحكمة الدستورية العليا في تركيا، حزب الفضيلة الإسلامي الذي تزعمه نجم الدين أربكان، وأعلن رفقاء الأمس: أردوغان وداود أوغلو وعبد الله غول ومجموعة من قيادات حزب الفضيلة، الخروج من الحزب وتأسيس حزب جديد هو العدالة والتنمية. ويومها غضب أربكان واعتبرهم منشقين.