هل تحقق الردع بعملية حزب الله! محمد ياغي

الجمعة 06 سبتمبر 2019 10:44 م / بتوقيت القدس +2GMT



بعد الهجوم الإسرائيلي على سورية ومقتل اثنين من عناصر حزب الله والذي تبعه في اليوم الثاني مباشرة إرسال طائرات مسيرة مفخخة إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، أعلن حزب الله بأنه سيرد على هذه الاعتداءات. أولاً، لأنه تعهد بأنه سيرد على كل عملية تستهدف عناصره في سورية، وثانياً، لأنه يريد تثبيت قواعد الاشتباك التي تلت حرب العام 2006 مع إسرائيل، والتي تمنع كلا الطرفين من المبادرة بالاعتداء على بعضهما البعض.
العملية العسكرية التي نفذها «الحزب» في الأول من هذا الشهر اعتبرها البعض أقل من المطلوب. مثلاً، «الجزيرة» نشرت مقالاً في نفس اليوم بعنوان «نتنياهو ظهر مبتسماً: لا إصابات في قصف حزب الله على إسرائيل» في إشارة خفية بأن المطلوب كان أكثر مما جرى.
وحدهم «المجانين» يسعون إلى الحرب.
في معادلات الردع بين الدول، ما هو مهم أن تتمكن الدولة من منع خصومها من استباحة مواطنيها وأراضيها ومياهها وأجوائها. هذا هو الأساس في الردع، وهذا قد يحصل بإيقاع خسائر «محسوبة» في صفوف العدو أو دون خسائر.
الحقيقة أن هذا الردع تم بمجرد إعلان أمين عام حزب الله عن نية حزبه الرد على الاعتداءات التي حدثت: شاهدنا كيف ابتعدت الآليات العسكرية والجنود الإسرائيليون عن الحدود التي كانوا طيلة الوقت يتجولون فيها. وشاهدنا كيف وضعوا الدمى في الدبابات حتى يقولوا إن بإمكان حزب الله قصفها وادعاء قتل أو إصابة جنود حتى يتم إقفال هذا الملف.
والأهم هو ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» والتي قالت إن طائرات الهيلوكوبتر التي توجهت إلى مكان الضربة العسكرية، كان الهدف منها إبلاغ «الحزب» بأنه نجح في إصابة جنود لكن الحقيقة كما تقول الصحيفة أنه لم ينجح بذلك وأن الفكرة كانت تهدف إلى إشباع غرور حزب الله بأن إصابته كانت ناجحة حتى لا يعود للمهاجمة ثانية.
ماذا يعني أن تهتم الدولة التي لا تقهر بإشباع رغبات خصمها اللدود وإعطائه الإحساس بأنه تمكن مما يريده؟
ألا يعني ذلك أن هذه الدولة تخشى من رد انتقامي أكبر إذا أدرك خصمها بأن عمليته العسكرية لم تؤد إلى إحداث الإصابات التي كان يريدها.
قلة بالطبع قد تصدق الإعلام الإسرائيلي بأن إصابات لم تحدث لأن إسرائيل معروف عنها «حظر النشر» و»الكذب». لكن على افتراض أن كل ما قيل صحيح، لو لم تكن إسرائيل مردوعة لماذا كان عليها أن تقوم بهذه المسرحية.
كان يمكنها أن تقول: «لا إصابات حدثت» دون استدعاء الهيلوكوبتر للتمويه. وكان عليها كما نعرفه عنها أن تقوم بهدم مبنى أو اثنين في لبنان كما تفعل في غزة، لكن لأنها تعرف أن جنونها ينتهي عند حدود لبنان، فقد ابتلعت الإهانة.
الحقيقة الأخرى أن إسرائيل التي أنكرت وقوع ضحايا لها العام 2015 عندما قام حزب الله بالرد على اغتيال سمير قنطار وجهاد مغنية، تخبرنا قناة الـ «سي ان ان» يوم 2 أيلول على موقعها الالكتروني أن اثنين من جنودها قتلوا في تلك العملية علماً أن إسرائيل أنكرت ذلك في حينه وقالت إن لديها مصابين فقط. من يكذب إذاً؟
لو أراد «حزب الله» الحرب، لأطلق صواريخه بشكل عشوائي على شمال إسرائيل أو لقام بقصف هدف مدني أو ربما لقام بقصف طواقم الإنقاذ عندما هرعت لنجدة المصابين أو عندما أوحت بوجود مصابين.
لكن ذلك لم يحدث لأن الهدف ليس استدعاء حرب ستكون وبالاً على لبنان كما هي على إسرائيل، ولكن لمنع الأخيرة من الاعتداء مجدداً على لبنان وعلى عناصر الحزب في سورية.
في مسألة الردع، ليس المهم إيقاع ضحايا، ولكن إشعار الخصم بأن ذلك ممكن في أي وقت، وأن عليه بالتالي الامتناع عن أعمال تؤدي لوقوع ضحايا.
الصراع بين إسرائيل وحزب الله طويل، وما هو مؤكد أن إسرائيل لا يمكنها أن تقبل بوجود قوة ضاربة على حدودها ولو كان لديها ثقة بأن بإمكانها أن تربح الحرب لخاضتها منذ زمن حتى لو أدى ذلك لبضع مئات من الضحايا في صفوفها.
لكنها لا تشعر الآن بأن ذلك ممكن وهي بالتالي في طور الانتظار لعل الحزب يضعف لأسباب داخلية أو ربما يحصل تغير في إيران يؤدي إلى إضعاف الحزب من خلال تجفيف مصادر دعمه، أو ربما تتجمع لديها معلومات تساعدها على الانتصار.
الحرب بالتالي قادمة وهي مسألة وقت، ولا يمنعها القانون الدولي أو الدولة اللبنانية أو النظام العربي الرسمي ولكن ما يمنعها اليوم هو قوة حزب الله.
الحرب، بنوعية الأسلحة الموجودة اليوم بين المتحاربين، هي دمار شامل للإنسان والحيوان والبنى التحتية، لذلك يحرص كل من لديه القليل من العقل على تجنب وقوعها، لكن ذلك لا يعني الاستسلام لمن هو أقوى، ولكن امتلاك القوة لمنعه من المجازفة بالحرب ووقفها أو هزيمته فيها، إن وقعت لا قدر الله.