لماذا هربوا من قاعدة أفيفيم؟ سهيل كيوان

الجمعة 06 سبتمبر 2019 02:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا هربوا من قاعدة أفيفيم؟ سهيل كيوان



يبدو نتنياهو مثل مقامر عصبي المزاج، بات يشعر بأنه على وشك خسارة الرّهان، ولهذا فهو يتخبّط ويغامر لإنقاذ نفسه، وذلك أن فشله في تشكيل الحكومة القادمة وسن القوانين التي تحميه، سيمهّد إلى وقوفه في قاعة المحكمة، التي قد تؤدي به إلى مكان لم يحلم بدخوله في حياته، ولكنه بات احتمالا جدّيًا.

لهذا فهو لن يتورع عن فعل أي شيء لجذب الأصوات، مثل دخول الخليل دخول الفاتحين، وإعلانه عن نيته ضم مستوطنات الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، والتحريض على الصوت العربي.

ضمن هدف إنقاذ واستعادة شعبيته، كان إرسال الطائرتين المُسيّرتين إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، أي أنه لم يتوقف عند مهاجمة أهداف لحزب الله في سورية، بل تجاوزها إلى بيروت، خارقا تفاهمات سابقة مع حزب الله، وذلك كي يتباهى بهذا الخرق أمام ناخبيه.

كان رد حزب الله دقيقًا ومحسوبًا جيّدًا جدًا، بحيث أنه كاد يعلن عن المكان والزمان الذي سيردّ فيه، وهذا منح الجيش الإسرائيلي فرصة الاستعداد جيّدا لتلقي الضربة واحتوائها.     

إخلاء معسكر أفيفيم الحدودي، لم يكن هروبًا كما نحب أن نقنع أنفسنا، بل كان جزءًا من خطة بسيطة وذكية لتجنّب وقوع خسائر بشرية، وهذا منطقي جدًا بالنسبة للإسرائيليين، فما دمنا لا نريد مواجهة شاملة، ونعرف أن عدوّنا أيضا لا يريدها ولا يقصدها، إذن لماذا نمنحه فرصة إصابة جنودنا أو قتلهم، الأمر الذي قد يجرنا إلى مواجهة لا يريدها كلانا؟   

حزب الله سجّل نقطة بأنه وعد ونفّذ، بحذر شديد، وبالكمية التي تكفل عدم التدهور إلى ردٍ قوي فمواجهة، أراد حفظ ماء الوجه، وهذا ما حققه، أما نتنياهو فقد كسب نقاطا لعدم سقوط قتلى من طرفه، أما بالنسبة للتفاهمات التي قال السيد نصر الله أنها انتهت ولم تعد سارية المفعول، فهذا لا يعني بالنسبة لنتنياهو شيئًا ما دام أن كل ذلك مؤجل إلى ما بعد الانتخابات.

هل وقع جرحى؟ ربما! فالمذهول في جيش إسرائيل يعتبر جريحًا، وليس فقط من يسيل دمه، ولكن المؤكد أنه لم يسقط قتلى، لأنه لو سقط قتلى، لما استطاع أحد إخفاء الأمر، لأن أعداء نتنياهو كثيرون ويتربّصون به، ولن يسمحوا بإخفاء حقيقة كهذه على عتبة الانتخابات، وكانوا سرّبوا الخبر إلى الصحافة بأي طريقة كانت، في وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل.

توسيع المواجهة لن يحصل الآن ولا في السنين القريبة إلا إذا فرضتها إسرائيل بحجة ضرب مصنع أو مصانع للسلاح الدقيق، لأن مصلحة إسرائيل تكمن في استمرار وجود حزب الله وإيران وغيرهما من تنظيمات مسلحة مثل "داعش" وغيرها في سورية، ويستحسن جدا أن تتورط تركيا معهم، وذلك لأكثر ما يمكن من الوقت والضحايا، فكلما طال أمد الحرب في سورية، كان هذا أفضل، عمليًا هناك من يقوم بالمهمة مكان جيش إسرائيل في محاربة أعدائها من كل الأطراف دون أن تحرّك ساكنا، ودون أن تسقط قطرة دم واحدة من جنودها، أو تخسر شيئا من اقتصادها، وهي تتدخل في الحالات الضرورية الملحّة فقط، لضمان عدم وصول أسلحة حديثة ودقيقة إلى يد حزب الله، التي قد تستعمل ضدها مستقبلا، أو لإبعاد "عناصر معادية" عن حدود وقف إطلاق النار على الجبهة السورية، وهذه بديهية عليها إجماع قومي، ولهذا فإن نتنياهو لا يستطيع إشعال حرب طالما أن الأغيار الأعداء يقتلون بعضهم بعضًا، ولا يوجد أي قائد مهما بلغ غباؤه يشعل حربًا مع أعدائه المنشغلين بقتل بعضهم بعضًا، ولن يوافق أحد معه على إشعالها في هذا التوقيت.     

هذا يُذكّر بمقولة مناحيم بيغن خلال حرب العراق وإيران الأولى، بأن هناك أغيارًا يقتلون بعضهم بعضًا ولا شأن لنا، فليستمروا بعملهم.  

من ناحيته، فإن هدف حزب الله كان استعادة ماء وجهه فقط، ولهذا حرص حرصا شديدا على أن تكون الوجبة مخففة جدا، ولم يرد على الرد الإسرائيلي، خشية التوسع، وذلك لانشغال جزء كبير من قواته في سورية، والأهم أن الحاضنة الشعبية في لبنان ليست جاهزة للتعاطف معه كما كان حاله عام 2006، خصوصًا وأن حزب الله خسر الكثير من عناصره في سورية، إضافة إلى أن إيران الداعم الرئيسي له، مشغولة بالحصار المفروض عليها ونتائجه الاقتصادية الوخيمة.