الإجراءات العقابية على موظفي غزة ..اكلك منين يا بطة..طلال عوكل

الخميس 05 سبتمبر 2019 07:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإجراءات العقابية على موظفي غزة ..اكلك منين يا بطة..طلال عوكل





حين اتخذت السلطة إجراءات مسّت بأوضاع عشرات آلاف الموظفين العموميين في غزة، رفضت مصادرها أن تعتبر تلك الإجراءات عقاباً بغض النظر إن كان على الموظفين، أو للضغط على حركة «حماس».
كثرت الاجتهادات في تفسير ودوافع تلك الإجراءات، خصوصاً بعد أن اتضح بالتجربة أن حركة «حماس»، لم تتأثر بالقدر الذي يجعلها تسلم الراية، فها هي منذ سنوات صامدة على مواقفها وسياساتها رغم كل ما يمكن أن يذكر عند الحديث عن أزمات تعاني منها.
في هذه الأيام، تذهب التساؤلات إلى ما هو أبعد وأخطر، خاصة وأن الإجراءات تزداد تأثيراً واتساعاً على قطاعات واسعة من الموظفين العموميين الذين على رأس عملهم، والجالسين في منازلهم، وكل ذلك التزاماً بقرارات سابقة من السلطة.
التساؤلات تنطوي على رعب حقيقي حين تصل إلى السؤال عن الدوافع ما إذا كانت تعكس موقفاً يسعى للتخلص بالكامل من عبء غزة، سكانها وفصائلها، ومقاومتها وسلطتها، والموظفين العموميين. ويتبع هذا التساؤل المرعب تساؤل آخر، يذهب إلى السؤال عما إذا كانت السلطة تضحي بحركة «فتح» في القطاع، خاصة وأن القسم الأكبر من الموظفين هم في الأساس من حركة «فتح».
لست أملك جواباً، ولا أريد أن يكون لدي جواب حول هذين التساؤلين، فأيا كان الجواب، أو الاجتهاد، فإنه لا ينطوي على أية إيجابيات صغيرة كانت أم من المستوى الاستراتيجي. غير أن الأكيد هو أن هذه الإجراءات تمسّ بشكل واضح، بحركة «فتح»، تماسكها ودورها، وتماسك مؤسساتها أو ما بقي منها، وآخر شاهد على ذلك ما تتعرض له جامعة الأزهر.
الناس بصفة عامة يتحسرون على سنوات مضت قبل وجود السلطة حين كانوا موحَّدين، في كل الأراضي المحتلة، ومتضامنين متكافلين، متحدِّين الاحتلال بكل قوة، حتى شهداؤهم يدفنون في مقابر للجميع، واسراهم يعانون ويخوضون معاركهم، وفي معظم الأحيان يقودون الجماهير وهم خلف القضبان.
الأوضاع الآن مأساوية، والحقيقة أن الناس تموت فيهم الكرامة الإنسانية وهم أحياء ولكن لا يرزقون. الناس في غزة مدفونة بالحياء، ولا تجد إلاّ الدعاء في ظل الأبواب المغلقة على أي أمل. قبل أن يحل موعد صرف الرواتب لشهر آب، كانت التصريحات تتحدث عن إجراءات تضمن المساواة في التعامل مع الموظفين في الضفة وغزة، غير أن الوقائع العملية، تفيد بوجود تمييز واضح، أدى إلى ما يشبه ثورة الجياع، حتى من قبل قيادات وكوادر من حركة «فتح».
يتضح أن علاوة المواصلات تصرف للموظفين في الضفة، ولا تصرف لنظرائهم في غزة ممن هم على رأس أعمالهم، وأن نسبة المئة وعشرة في المئة من الرواتب تصرف تماماً في الضفة، ولا تزيد عن خمسة وسبعين في المئة من أصل الراتب لموظفي غزة، وأن المئات تقطع رواتبهم بتقارير كيدية، وأن متفرغي 2005، لا يزالون يعانون أشد المعاناة، وكذلك موظفو شركة البحر، هذا بالإضافة إلى ما يسمى بالتقاعد المالي.
على أن الآثار السلبية الناجمة عن خصم الرواتب بهذا القدر لا تتوقف على الموظفين وعائلاتهم الصغيرة والكبيرة، وعلى مستوى المعيشة والأسعار والوضع الاقتصادي.
مررت قبل أيام قليلة على مستشفى الشفاء، قسم الطوارئ إثر طارئ عرضي، فوجدت طبيباً في متوسط العمر، لا يبدو على هيئته وسلوكه أنه من حركة «حماس». كان في الاستقبال طبيبات متدربات من جامعات فلسطينية، لاحظت أن الطبيب الأساسي المناوب، ليس مستعداً لأن يجيبك عن أسئلتك، أو يعيرك أدنى اهتمام. يكتفي الطبيب الأساسي بأن يوجهك إلى الطبيبات المتدربات، وقف إلى جانبي طبيب معين حديثاً على الأرجح، فسألته عن الراتب الذي يحصل عليه فقال: ألف شيكل. التدني في الرواتب يشمل أطباء قدامى واستشاريين وهم من حركة «فتح»، أيضاً، إذ لا يزيد الراتب على ألفي شيكل.
وجدت العذر للطبيب، الذي تجاهلني، فلو كنت مكانه لما فعلت غير الذي فعله، طالما أنه يعمل بالسخرة، خاصة وأن معظم الأطباء لا يتمتعون بالشهرة، التي تؤمّن لهم دخلاً إضافياً من خلال عياداتهم الخاصة. المعلمون ليسوا أفضل حالاً، ما يجعلنا نترك للمسؤول تقدير الدوافع التي تجعل هؤلاء وأولئك، لكي يقدموا خدمة جيدة للمواطن أو الطالب.
وبصراحة حتى الآن لا يفهم الإنسان أي معنى أو ضرورة لما يسمى بالتقاعد المالي، سوى أن الموظف المعني عليه أن يقوم بعمله على أفضل ما يكون، مع راتب يجعله أقرب إلى الشؤون الاجتماعية. ألا يرى من يقف وراء هذه الإجراءات أي تأثير على حركة «فتح»، دورها ومؤسساتها في قطاع غزة، وإلى أين وصلت أوضاعها وإلى أين تتجه؟
يمكن للناس كل الناس أن تتفهم أبعاد الأزمة المالية ذات الأبعاد السياسية التي تتعرض لها السلطة، لسبب الضغوط والمخططات الإسرائيلية الأميركية وفي ظل الأوضاع العربية السائدة، ولكن في حال تطبيق نفس النظام والقانون على كل الموظفين في الضفة وغزة.
وبصراحة نتمنّى أن نسمع من مسؤول تفسيراً جدياً وصريحاً لما يجري، حتى لو كان في ذلك بعض الأذى، أما الضياع في البحث عن الدوافع والأهداف فإن ذلك يترك مليوني فلسطيني فريسة للضياع.