إلغاء «الاستاتيكو» على نار حامية..صادق الشافعي

السبت 24 أغسطس 2019 07:35 م / بتوقيت القدس +2GMT



لم يكن ما حدث في المسجد الأقصى عند صلاة عيد الأضحى أمراً عفوياً او ابن لحظته. 
لم يكن حصوله نتيجة لتصادف اليوم الأول لعيد الأضحى لهذا العالم مع الذكرى المزعومة لخراب الهيكل.
ولم يكن أساس ما حدث وجوهره دينيا، فنسبة من يهتمون بالهيكل وذكرى هدمه من بين اليهود تبقى في حدود الأقلية، العادية وليست الواسعة. 
ولم يكن ما حدث مفاجئاً، فالعدوان على المسجد الأقصى بدأ من الأيام الأولى لاحتلال 1967. 
ولم يكن تصريح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أردان عن "حق اليهود الصلاة بالأقصى بشكل فردي او جماعي، في مكان مفتوح او مكان مغلق" (أي داخل مصليات المسجد الأقصى) الا بهدف الاختباء وراء الادعاء بالمحتوى الديني لما حدث.
ويأتي في نفس السياق والهدف قول قائد شرطة لواء القدس "لا يوجد وضع راهن عندما يتعلق الامر بجبل الهيكل".
اقتحام المسجد الأقصى بقدر ما شكل خرقا لـ "الاستاتيكو" (الوضع القائم) المتفق عليه ويتم التقيد به منذ سنوات طويلة، فانه شكل بداية جدية على نار حامية لفرضه، ضمن جدول الأعمال المتسارع لدولة الاحتلال، والهدف هو نسفه، او إحداث تغييرات جوهرية عليه لصالح دولة الاحتلال ويهودها. وبما يلغي حق التعبد الفردي والمطلق للمسلمين فيه. وقد حصل ذلك مقترنا باستعمال القوة والعنف المفرطين.
 يزيد في تأكيد هذا الفهم للحدث، تصريحات رئيس الوزراء نتنياهو ان "من حق اليهود إحياء ذكرى خراب الهيكل في جبل الهيكل" وأنه هو من قرر إدخال اليهود للأقصى في اول أيام عيد الأضحى.
ان حدث اقتحام المسجد الأقصى في جوهره، وفي الأهداف المبتغاة من ورائه، هو قضية سياسية احتلالية بامتياز.
أنه يأتي، بجوهره ومبتغاه، في اتساق وانسجام تامين، مع المسار المتسارع جدا الذي كرسته دولة الاحتلال لنفسها وحسمت امرها فيه، وفي عناوينه الفرعية.
العنوان العام للمسار المذكور، هو الاستعجال في حسم معظم – ان لم نقل كل – العناوين والموضوعات الأساسية المركزية التي تصب في صالح تكريس واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، وشرعنتها وفرضها كحقائق أمر واقع نهائية ومحسومة وغير قابلة للتفاوض.
وليأتي من ثمّ، سعي دولة الاحتلال، لفرض هذا المسار على المجتمع الدولي وهيئاته ومؤسساته كأمر واقع في عنوانه العام وعناوينه الفرعية، وفي تجاهل يصل حد التنكر الواقعي والعملي لكل القرارات الدولية ذات الصلة.
هذا المسار الذي كرسته دولة الاحتلال اكتسب زخمه، بالتوافق والانسجام التامين وبالاستفادة القصوى من وصول الرئيس ترامب الى سدة الرئاسة الاميركية. ومن التجاوب التام والدعم اللامحدود الذي قدمه لدولة الاحتلال، ولمسارها المذكور بالخصوص.
عناوين هذا المسار أصبحت معروفة: من اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارتها اليها، الى انكار حق العودة، الى التوسع الجنوني بالاستيطان وإعلان النية بضم المجمعات الاستيطانية واراض إضافية من الضفة الغربية، الى التمسك بالسيطرة الأمنية على الأغوار وصولاً الى رفض فكرة ومبدأ الدولة الفلسطينية، الى..الى ..
حدث العدوان على المسجد الأقصى والهدف من ورائه ليس بعيداً او معزولاً ما أشيع عن مناورة صهيونية تدعو الى مشاركة المملكة العربية السعودية بالإشراف على الأماكن المقدسة (إسلامية ومسيحية)، التي تنفرد بها الأردن منذ البداية باعتبارها حقا تاريخيا كفلته كل المواثيق والقرارات الدولية. 
وقد فوتت السعودية هذه المناورة وأفشلتها بعدم التجاوب معها بأدنى قدر.
والحدث ليس بعيداً أيضا عن المعركة المتكررة والمتواصلة التي تفتعلها حول "باب الرحمة" والإصرار على إغلاقه أمام المصلين وفرض الإغلاق بين فترة وأخرى، ولا عن معارك البوابات الشهيرة، وليس بعيداً أيضا، عن كل الاقتحامات المتكررة التي يقوم بها المستوطنون وغلاة اليهود للمسجد بمناسبة وبدون مناسبة، وعن كل المعارك من كل نوع وشكل التي تفتعلها بشكل مستمر ومتواصل حول التعبد فيه وحول إدارته.
الصد الأول والأساسي لمحاولة الغاء الاستاتيكو ولكل المعارك شبه اليومية حول المسجد الأقصى ما زال يأتي من صدور أهل القدس ومعهم صدور كل أهل الوطن الفلسطيني وقواهم السياسية والمجتمعية بكل تنوعها.
وما زال هذا الصد يحقق النصر، تلو النصر.  
وما زالت الشعوب والدول العربية والإسلامية تقوم بدور مساعد ومعين في هذه المعارك، وهو دور يفترض ويمكن فعلا ان يكون أقوى. 
ولم ييأس العدو المحتل بعد، لكن صمود وتصدي وعزيمة أهل الوطن لا تعرف الوهن ولا ترضى عن النصر بديلا.