التهديد الإيرانيّ أولاً، والتهديد من قطاع غزّة يحتّل المرتبة الرابعة من ناحية إسرائيل، هذه هي النتيجة التي توصّل إليها المُحلل الإسرائيليّ، آفي يسخاروف، في “تحليله” لجولة الـ”عنف” الأخيرة بين الاحتلال والمُقاومة الفلسطينيّة، والذي استند على مصادر أمنيّةٍ وسياسيّة مطلعةٍ في تل أبيب.
ولفت المُحلّل إلى أنّه قد يكون من السابق لأوانه تلخيص ما حدث في غزة ومحيطها خلال الأيّام الماضية، ولكن هناك شعور بأنّ موجة العنف الأخيرة، وهي المواجهة الأكثر خطورة بين إسرائيل وحماس منذ حرب عام 2014، كانت غير ضرورية وغير مجدية، وتركت الوضع في قطاع غزّة دون تغيير.
ولكن من الناحية العملية، تابع إيسخاروف، فإنّ قصف جيش الاحتلال كان بمثابة فرصة لإسرائيل لتدمير الأنفاق العابرة للحدود التابعة لحماس والمعروفة منذ فترة طويلة، ومحاولة لتغيير الوضع الراهن مع حكام غزة فيما يتعلّق بتزايد هجمات البالونات والطائرات الورقيّة الحارقة.
وكشف النقاب عن أنّه كان في تل أبيب وفي الجيش الإسرائيلي مَنْ اعتقد أنّ قصف منشآت غير مأهولة لحماس ستدفع المنظمة إلى الدخول في حالة ذعر وإصدار تعليماتها لأعضائها بالتوقف عن إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة عبر الحدود، والتي أتت على آلاف الأفدنة من الأحراش والأراضي الزراعية في الأشهر الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، أملت إسرائيل بأنْ تُرضي هذه الضربات سكان جنوب إسرائيل والساسة من اليمين الذين طالبوا بردٍّ أشّدٍ على تزايد هجمات الحرق العمد، ومع ذلك، من غير المحتمل أنْ تشهد ظاهرة الطائرات الورقية الحارقة أيّ تغييرٍ حقيقيٍّ، وبالتالي ستزداد المطالبات بالتحرك، كما قال.
وأشار أيضًا إلى أنّ حماس لم تُبدِ الكثير من التحمّس بشأن اتفاق وقف إطلاق نار الذي تمّ التوصل إليه أمس الأحد بوساطةٍ مصريةٍ، مُوضحًا في الوقت عينه أنّه عندما تمّ إبلاغها عن دخول الاتفاق حيز التنفيذ، أطلقت الحركة عشرات الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيليّة على الجانب الآخر من الحدود لتسجيل استيائها من دون رفض الاتفاق بشكلٍ قاطعٍ، على حدّ قوله.
وزعم أنّه بعد ساعاتٍ قليلةٍ من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، سربّت مصادر في حماس أنباء عن قيام مصر بممارسة الضغط على الحركة لوقف إطلاق الصواريخ والامتثال لوقف إطلاق النار، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ إسرائيل وحماس رغبا في أنْ تنجح مصر في وساطتها للتوصّل إلى هدنةٍ لوقف أعمال العنف، ومُضيفًا أنّ إسرائيل وحماس ومصر يعلمون أنّ الجولة القادمة من القتال تلوح في الأفق، وبأنّ الواقع في غزّة لن يتغيّر بصورةٍ كبيرةٍ على الأرجح في أعقاب أحداث العنف في نهاية الأسبوع.
وكشف المُحلّل إيسخاروف، في مقاله الذي نشره على موقع (تايمز أوف أزرائيل)، كشف نقلاً عن مصادره، النقاب عن أنّ ساسة تل أبيب، الذين يُسارعون إلى الإعلان بأنّ على الحكومة عدم القبول بـ”إرهاب الطائرات الورقية” لا يقولون الحقيقة للجمهور، مُوضحا أنّه أولاً الطائرات الورقية ليست بالتهديد الأمنيّ الأكثر إلحاحًا الذي يُواجِه إسرائيل، ولكنّه أقرب إلى التهديد الثالث أوْ الرابع في قائمة التهديدات، مؤكّدًا على أنّه تمّ تخفيض تصنيف غزة، والآن هي تُعتبر تهديدًا أقّل خطورةً على دولة الاحتلال من ذلك الذي يُشكلّه الجيش الإيرانيّ على الحدود الشماليّة مع اقتراب الحرب السوريّة من نهايتها.
وتابع قائلاً إنّ إسرائيل ترى بالانجرار إلى حربٍ معقدةٍ في غزة بسبب الطائرات الورقية الحارقة خطوة غير ضرورية لجيش الاحتلال، في الوقت الذي يتم فيه شنّ حملةً أكثر أهمية في سوريّة بسبب إيران، ومُضيفًا: طالما أنّ إيران تُحاول ترسيخ وجودها بالقرب من الحدود في الجولان، فمن المستبعد أنْ يشهد الواقع الذي يعيشه السكان الإسرائيليين بالقرب من حدود غزة، حيث تتسبب الطائرات الورقية باندلاع عدة حرائق كلّ يومٍ، تغييرًا جذريًا في المستقبل القريب.
ثانيًا، أضاف المُحلّل إيسخاروف، إنّ إسرائيل،على الرغم من امتناع سياسيين من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن قول ذلك علنًا، ترغب في ضمان بقاء حماس في غزة، ليس حبًّا في الحركة، ولكن لأنّ البدائل للمنظمة الحاكمة للقطاع ستكون إمّا فوضى تامة، أوْ قيام إسرائيل بإعادة احتلال غزة والسيطرة على أكثر 2 مليون نسمة.
واختتم قائلاً إنّ هذا هو الاعتبار وراء سياسة إسرائيل الحذرة فيما يتعلق بغزة، ومُشدّدًا على أنّ جولةً من العنف والطائرات الورقيّة الحارقة والمظاهرات على الحدود تُعتبر أمورًا “مقبولةً”، وهي بالتأكيد لا تُبرر حربًا شاملةً، قد تُجبِر كيان الاحتلال على التعامل مع قراراتٍ أكثر صعوبةً من تلك التي تُواجهها حاليًا، كما قال.