استهل مجلس الوزراء جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية التي عقدها اليوم الثلاثاء في مدينة رام الله برئاسة الدكتور رامي الحمد الله رئيس الوزراء بتلاوة الفاتحة على أرواح شهداء شعبنا الأبرار الذين سقطوا على ثرى قطاع غزة الحبيب في مذبحة نفذتها قوات الاحتلال مع سبق الإصرار ضد المشاركين العزل في المسيرات السلمية، وأدت إلى إصابة أكثر من 2700 جريح بالرصاص الحي ونيران المدفعية.
وأكد المجلس دعمه الكامل للقرارات الصادرة عن الاجتماع الطارئ للقيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، والمتمثلة بالتوقيع على انضمام دولة فلسطين لعدد من الوكالات الدولية المتخصصة، والتوقيع بشكل فوري على إحالة ملف الاستيطان إلى المحكمة الجنائية الدولية، ودعوة مجلس الأمن الدولي إلى الانعقاد بشكل طارئ وتوزيع مشروع قرار حول الجرائم التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا وطلب توفير الحماية الدولية لشعبنا، إضافة إلى دعوة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى عقد جلسة طارئة ومطالبته بإرسال لجنة تقصي حقائق وتحقيق دولية في الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال بحق شعبنا الأعزل، وكذلك عقد اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين، وإصدار قرارات عربية ملزمة.
وندد المجلس بالمذبحة الوحشية، وأدان قرار الرئيس الأمريكي بنقل وافتتاح السفارة الأمريكية في مدينة القدس المحتلة في خطوة أمريكية، لا تهدف فقط إلى التنكر وانتهاك ومخالفة قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فحسب، وإنما إلى استفزاز مشاعر الشعب الفلسطيني بتزامنها مع الذكرى السبعين للنكبة، واستفزاز مشاعر الأمتين العربية والإسلامية. وأكد المجلس أن على الإدارة الأمريكية الحالية أن تدرك أن إقدامها على هذا القرار الفاضح والمنحاز لطرف على حساب الطرف الآخر، إنما تساهم في إدامة الصراع إلى ما لا نهاية، ومدّه بكل أسباب العداوة والعنف، وتحويله إلى صراع ديني، ونقله ككرة نار ملتهبة من جيل إلى أجيال متلاحقة، وهي التي كانت يوماً الراعي الأول لوضع حد لهذا الصراع، وأن على الرئيس الأمريكي أن يدرك، أن معركة السلام تحتاج إلى شجاعة أكبر من معركة الحرب، فالشجاعة هي القدرة على صنع السلام، لا على صنع الحرب.
كما أكد المجلس أن على الشعب الإسرائيلي، وحكومته المتطرفة الإدراك بأن إسرائيل بكل جبروتها وغطرستها، هي الدولة الوحيدة في هذا العالم التي لا يعترف العالم بما اتخذته عاصمة لها، وأنها الدولة الوحيدة التي يقيم سفراء الدول المعتمدين لديها في غير ما أرادته عاصمة لها، وأن القرار الأمريكي غير القانوني لن يغير من هذه الحقيقة، فالاحتفال بنشوة الانتصار، ما هي إلّا نشوة عابرة، فالقدس التي مثلت عبر التاريخ، وعلى الدوام مفتاحاً للحرب ومفتاحاً للسلام في المنطقة، ما برحت حتى اللحظة التاريخية الراهنة تمتلك هذا الدور، وستبقى كذلك ما بقي الصراع. فالقدس والسلام هما قضية واحدة، ولا سلام مع عقلية الاستنجاد بقرارات أمريكية، للاستئثار على المدينة المقدسة لدى الأديان السماوية الثلاثة، ولا تفرد دينياً أو سياسياً على هذه المدينة، ولا قفز عن أهميتها الروحية المتعاظمة لمليار وثمانمائة مليون مسيحي وأكثر من مليار ونصف مسلم.
وشدد المجلس على أن القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل وافتتاح السفارة الأمريكية فيها، ما هو إلّا تتويج لمخطط أمريكي إسرائيلي أشمل، مورست كل الوسائل غير القانونية لإنجازه، ويهدف إلى تهويد المدينة المقدسة كاملة، وهو المخطط الذي بدأت ملامحه بعد أسابيع قليلة من احتلال القسم الشرقي من المدينة عام 1967، بقرار إعلان ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل، دون الالتفات إلى قرارات الشرعية الدولية التي طالبتها بالانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة، نتيجة انحياز الإدارة الأمريكية إلى جانب إسرائيل والحيلولة، دون محاسبتها ومساءلتها عن جرائمها وانتهاكاتها للأعراف والمواثيق ولقرارات الشرعية الدولية.
وفي السياق نفسه، أدان المجلس بشدة مواقف كل من رومانيا وهنغاريا والتشيك والنمسا، لمشاركتها في حفل الاستقبال الذي أقامته الخارجية الإسرائيلية بمناسبة افتتاح السفارة الأمريكية، وخروجها عن إجماع الاتحاد الأوروبي الرافض لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كما أدان المجلس مواقف هذه الدول، والذي حال، وبالتنسيق مع إسرائيل، دون صدور بيان عن الاتحاد الأوروبي يؤكد مواقف الاتحاد السابقة المعارضة لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس، والرافضة لقرار نقل السفارة إليها. واعتبر المجلس أن مواقف هذه الدول تتناقض تماماً مع سياسات الاتحاد ومواقفه وبياناته السابقة، ويشكل خرقاً واضحاً للقانون الدولي، والشرعية الدولية وقراراتها، واتفاقيات جنيف ومبادئ حقوق الإنسان، كما أنه تساوق مع الاحتلال وسياساته وتشجيع له على التمادي في انتهاكاته للقانون الدولي.
كما أدان المجلس مواقف الدول الأخرى التي شاركت في حفل الاستقبال الرسمي بمناسبة افتتاح السفارة الأمريكية، وثمّن مواقف الدول التي أعلنت رفضها ولم تشارك في حفل الاستقبال. كما ثمن المجلس موقف الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" والتي أعربت من خلاله أنه لن يسمح لأي دولة أوروبية بالخروج عن الإجماع الأوروبي، فيما يتعلق بموضوع القدس، مؤكدة أهمية التزام جميع الدول بقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ذات الصلة بوضع مدينة القدس، وعدم الانجرار خلف المحاولات الإسرائيلية لتوريط هذه الدول بمواقف غير قانونية تؤثر سلباً على العلاقات التاريخية لهذه الدول مع فلسطين وعلى وضعها ومكانتها على الساحة الدولية. كما ثمن عالياً قرار حكومة كل من جنوب إفريقيا وتركيا وايرلندا بسحب سفرائها من إسرائيل احتجاجا على المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق أبناء شعبنا الأعزل في قطاع غزة.
وحذّر المجلس، على أننا نقف اليوم وجهاً لوجه أمام هجمة ستزداد ضراوة وشراسة بعد القرار الأمريكي الذي أطاح بعملية السلام، وأغلق أبوابها إلى أمد طويل، والتي بدأت ملامحها بالمذبحة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في قطاع غزة تزامنا مع الاحتفال بافتتاح السفارة الأمريكية، وبإقرار الحكومة الإسرائيلية خطة تسوية وتسجيل الأراضي في القدس الشرقية، والتي ستقودها إدارة التسجيل وتسوية الأراضي التابعة لما يسمى وزارة العدل، الأمر الذي سيتم من خلاله شرعنة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تحت ذريعة أملاك الغائبين، كما أدان المجلس قرار الحكومة الاسرائيلية بتوسيع حدود ما يسمى بلدية القدس بضم الكتل الاستيطانية معاليه أدوميم وبسجات زئيف وغوش عتصيون، وبتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية تزامناً مع حلول شهر رمضان المبارك، والاقتحامات الجماعية للمسجد الأقصى المبارك من قبل المستوطنين واليمين الإسرائيلي المتطرف بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وبتشجيع من حكومة متطرفة رافضة للسلام، ومصرة على تصعيد إجراءاتها وانتهاكاتها المستمرة لتهويد المدينة المقدسة. وأكد مجلس الوزراء أنه إذا كان مقدراً لأهل فلسطين أن يظلوا دائماً الطليعة ورأس الحربة في معركة الدفاع عن مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، إلّا أن هذه المهمة تبقى أيضاً عربيّة وإسلاميّة، تستوجب دعماً عربياً وإسلامياً جدياً وعملاً سريعاً وحاسماً حتى نتمكن من مواجهة الأخطار والمخططات المتواصلة وحماية المدينة ومقدساتها وتعزيز صمود أهلها. وطالب المجلس الدول العربية بتفعيل قرار الجامعة العربية الصادر عن مؤتمر القمة العربية الذي عقد في عمان عام 1980، بقطع الدول العربية علاقاتها مع الدول التي تنقل سفاراتها المعتمدة لدى دولة الاحتلال إلى القدس.
وفي هذا السياق، أكد المجلس على ضرورة توحيد المرجعيات الفلسطينية العاملة في القدس وتضافر جهودها، جراء ما تواجهه المدينة من مخاطر حقيقية، وما يتربص بها من تهديدات وأخطار، بقوة عسكرية ومالية وسياسية ضخمة أكبر جداً من طاقتنا الذاتية المحدودة، الأمر الذي يستوجب منا جميعاً ضرورة رفع سوية المواجهة من خلال توحيد المرجعيات، وانتهاج سياسة وطنية منسقة وشاملة تشارك في وضعها سائر القطاعات والفعاليات والقوى والطاقات الأهلية منها، والرسمية، لتعظيم حضور القدس في الذاكرة اليومية الفلسطينية، ولإثارة مزيد من الاهتمام العربي والإسلامي على نحو يتجاوز عرض المشكلات وتوصيفها، إلى البحث عن السبل الملائمة والآليات الفعالة لمعالجة المعضلات الكبرى التي تواجه مدينتنا المقدسة، وأهلها الصامدين، رغم إدراكنا بأن المهام والمشاكل والصعاب التي تواجهها القدس شاقة وكبيرة، وأن المسؤوليات التي يتصدى لها شعبنا في القدس، هي مسؤوليات تناط بها الدول والحكومات، إلّا أنه يظل من واجبنا، ومن حق القدس علينا، أن نعمل، ونواصل العمل بلا كلل ولا ملل، لتعزيز حضورنا في عاصمتنا الأبدية، اعتماداً على الذات أولاً، وبالاستناد إلى إرادتنا المشتركة في الدفاع عن النفس، واستنهاض الطاقات الكامنة، وتوفير متطلبات الصمود فوق هذا الثرى المقدس.
ودعا المجلس إلى العمل الجاد لإنهاء الانقسام بكل وسيلة ممكنة، وإعادة توحيد الصفوف استناداً إلى قاعدة متماسكة وراسخة وقوية قادرة على مواجهة العواصف والتحديات القادمة، وفاءً لمواكب الشهداء والأسرى الأبطال، ومواصلة البناء على ما تحقق وحمايته، والاعتماد على الروح الفلسطينية التي لم تنكسر تحت أشد الضربات التاريخية، وعلى الإنسان الفلسطيني العنصر الأساسي الأكثر أهمية والاحتياط الاستراتيجي الذي لا بديل عنه، والرافعة التاريخية الكبرى للقضية الوطنية جيلاً بعد جيل.
ووجه مجلس الوزراء تحية إكبار واعتزاز إلى أهلنا في الداخل، وإلى كافة أبناء شعبنا في الوطن وفي مخيمات اللجوء وفي الشتات بمناسبة الذكرى السبعين للنكبة، وأكد المجلس على أننا في هذا اليوم الذي نحيي فيه هذه الذكرى الأليمة التي حلت بشعبنا الفلسطيني، فإننا لا نقف لنبكي على حقوق اغتصبت، ولا لنستحضر كل ما ترسب في نفوسنا من ذكريات مريرة، وكل ما اختزنته قلوبنا من مشاعر بالظلم والإجحاف، وإنما لنجدد العهد على استعادتها، بكل ما تنطوي عليه الروح الفلسطينية من إرادة وعزم وتصميم، مستمدين قوتنا من قدرة شعبنا التي لا يشق لها غبار على الصمود والصبر، ومن طاقة شعبنا التي لا تنضب على البذل والتضحية، ومن حيويته التي تعيد بعثنا مرة بعد أخرى من تحت الرماد دائماً، مدعوماً بحقوق مشروعة معترف بها دولياً، والتي لن نتنازل عنها ولن نفرط بأي جزء منها، مهما كانت الصعاب والضغوط. وشدد المجلس على أن صمود شعبنا الأسطوري أمام هذه المحنة الكبرى، وإعادة انبعاثه، هي معجزة تبعث على الفخر والاعتزاز، وأن عملية استرداد الهوية الوطنية، وانتزاع الاعتراف بنا كشعب، ومراكمة سلسلة طويلة من الإنجازات والمكتسبات والحقائق الكيانية، قصة نجاح هامة، رغم كل ما واجه المسار الطويل من مصاعب وعثرات وإخفاقات، كانت تزيدنا إصراراً وتصميماً، وترفع من سوية المجابهة مع تعاقب الأجيال.
وأكد المجلس في هذه الذكرى على مسؤولية الأمم المتحدة التاريخية ودورها تجاه قضية فلسطين، ووجوب انحيازها إلى جانب قيم الحق والعدالة الإنسانية، ودعا المجلس المجتمع الدولي إلى العمل من أجل تحقيق المُثُل العليا المُعّبر عنها في ميثاق الأمم المتحدة، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتجسيد دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم بناء على القرار (194)، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وملايين اللاجئين، وتمكينه من العيش بحرية وكرامة، وطالب المجلس بضرورة توفير الحماية للشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال وإرهابه.
وصادق المجلس على مشروع قانون اتحاد مقاولي الإنشاءات، وإحالته إلى السيد الرئيس، لإصداره حسب الأصول، والذي يهدف إلى تنظيم مهنة المقاولات، والعمل على رفع مستواها، وتنظيم تعاون الجهات المختصة لتطوير وسائل التخطيط للمشاريع، وطرح العطاءات وتنظيم العقود وشروط تنفيذ العقود المتعلقة بها، بما يؤدي إلى تنمية قطاع المقاولات وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني.
وقرر المجلس إحالة كل من مشروع قانون الخدمات البريدية، ومشروع نظام المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ومشروع النظام المعدل لرؤساء وأعضاء مجالس الهيئات المحلية، إلى أعضاء مجلس الوزراء لدراستها وإبداء الملاحظات بشأنها، تمهيداً لاتخاذ المقتضى القانوني المناسب بشأنها في جلسة مقبلة.