في غزة تزاحم للموت والحياة بقدر تزاحم الساسة على تحقيق انتصارات وهمية هنا وهناك، يعبدون من خلالها طريق الموت البطئ والسريع امام كل من شاءت له اقداره ان يتألم "مرضا وقهرا وعنفا وسياسة".
"المسرطنون" في غزة وحصارهم المتعدد الاطراف هم ضحايا السياسة والجغرافيا القاهرة بامتياز ..يناشدون الله دائما ووسائله وخلفاءه على الارض للتدخل ولكنهم الان تشخص ابصارهم بعيدا الى خالق غزة وموجدها بان يرحمهم بعد "لا حياة ولا دنيا" عاشوها في حزام القهر والفقر والحروب المسمى غزة.
مستلقية على ظهرها، تعد قطرات محلول الكيماوي التي يتسلل الى جسدها المنهك عبر أنبوب بلاستيكي مشبوك، فهي تعاني من سرطان قاتل ، افترس روحها دون رأفة او ادنى شفقة،". انتصار صالح" 52 عاما مصابة بمرض السرطان في معظم انحاء جسدها، متواجدة منذ 17 يوما في المستشفي، ازدادت حالتها الصحية سوءا نتيجة لاهمال متواصل لحالتها، والرفض المتكرر من السلطات الاسرائيلية بالسماح لها بتلقي العلاج في مستشفى "المطلع"وهو مازاد الطين بله، واعطى الفرصة لمرض السرطان ان يتغول في جسدها الضعيف ، فهي بحاجة لمسح ذري واشعاعي للقضاء ولو على جزء بسيط من المرض .
تقول انتصار لـ " سمـا" اعاني من مرض السكر والضغط والقلب، انا بحاجة كبيرة للسفر، بالأمس دخلت في غيبوبة استمرت لثلاث ساعات بعدما تلقيت جرعة من الكيماوي، فانا مريضة بالقلب لا استطيع تحمل الكيماوي لشدة المه وهو يسرى في جسدى المريض "احنا بنموت يوم ورا يوم بنرجع لورا مش بنقدم حسبي الله ونعم الوكيل".
"سمـا" التقت مدير مستشفي الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ، الدكتور محمد أبو سلمية، والذي أكد على أن مرضي السرطان يعانون الامرين في هذه الايام لعدة أسباب أهمها النقص الحاد في الادوية، موضحاً ان هناك عشرون صنف من ادوية السرطان غير متوفرة في قطاع غزة ، وهذه الادوية تدخل في جميع العلاجات البروتوكولية لجميع المرضي، اما السبب الثاني يرجع الى أن مرضي السرطان يتعرضون لابتزاز لا انساني من الجانب الاسرائيلي ، لنجد الكثير من المرضى ممنوعين من السفر للعلاج داخل المستشفيات الاسرائيلية لتلقي العلاج الكيماوي وعمل العلاج الاشعاعي الذري، وذلك لاسباب امنية واهية لا ندري ماهي.
واوضح ابو سلمية، ان اعداد مرضي السرطان تزداد بشكل كبير ، فهناك انواع جديدة لمرضى السرطان قمنا بإكتشافها في الاونة الاخيرة لم نعهدها في العشر سنوات الماضية، كسرطان الغدة النخامية الذي يصيب الاطفال والنساء، وأصبحنا نكتشف شهرياً من 80 الى 100 حالة سرطان.
وفيما يتعلق بموضوع التحويلات الطبية لمرضي السرطان في القطاع، قال ابو سلمية" في الاونة الاخيرة وزارة الصحة في رام الله اوقفت التحويلات الطبية لهؤلاء المرضي، وهم يعانون الامرين نتيجة عدم توافر الدواء اللازم لهم في القطاع ، نتيجة الاغلاقات والمنع ، فمرضانا يموتون ببطىء ، لان الكل يعلم ان تأخير العلاج الكيماوي له تاثيرات وخيمة على المرض".
وتابع" ابو سلمية" : هناك بروتوكولات عالمية تنص على أن يأخذ المريض جرعة السرطان من إسبوعين الى ثلاثة أسابيع، وبالتالي فإن تأخير تلقي جرعة الكيماوي لمريض السرطان يمكن أن تسهم بإنتشار المرض بشكل كبير، وليس فقط على الجزء المصاب بل تسهم بانتشاره في أماكن غير مصابة ،هناك حالات توفيت بسسب أزمة التحويلات الطبية ، فقدنا طفلين، احدهم كانت التغطية المالية غير متوفرة من رام الله، والطفل الاخر كان مرفوض امنياً من الجانب الاسرائيلي، وكذلك شاب عشريني فقدناه بسبب التغطية المالية الغير كافية لتحويله للعلاج داخل مستشفيات الخط الاخضر.
وحذر مدير مستشفي الرنتسي ، من استمرار الوضع، والنقص الحاد في الادوية والمنع الاسرائيلي ، كذلك ايقاف التغطية المالية من رام الله للتحويلات الطبية " نحن امام كارثة انسانية حقيقية حذرنا منها مرارا وتكرارا ، وللاسف نحن لا نستطيع تقديم أي شيء للمرضي المتألمين، لابد من وقفة جادة ، فنحن مقبلين على وضع كارثي و خطير لمرضي السرطان في قطاع غزة، مع العلم اننا في وزارة الصحة استنفذنا كل طاقاتنا، وخاطبنا كل المؤسسات الحقوقية والانسانية والدولية لحماية المرضي من الموت المحقق بحقهم وتوفير العلاجات اللازمة لهم."
واضاف " عدد الوفيات سيكون في تزايد اكثر، لان هؤلاء المرضي بحاجة للعلاج واهمية نجاح علاجهم هو استمرار المرضي في تلقى العلاج الكيماوي، لان العلاج الاشعاعي والمسح الذري غير متوافرين في غزة والمرضي بحاجة ماسة لتلك العلاجات ، فنحن كاطباء لا نستطيع ان نعطي قرار باستكمال المريض للعلاج ام لا ".
وطالب ابو سلمية ، السلطة الفلسطينية والمسؤولين في غزة بان يحيدوا القطاع الصحي، عن التجاذبات السياسية، لان المرضي خارج أي حسابات " من ابسط حقوق النمريض ان يتلقى علاج"..
ودعا مصر إلى فتح معبر رفح بشكل كامل أمام مصالح المواطنين والمرضى والاحتياجات الإنسانية والصحية، وذلك استكمالاً للدور المصري الأصيل في دعم صمود الشعب الفلسطيني.
" اسراء" المتواجدة بالقرب من والدتها المصابة بالسرطان ، قالت ان ايقاف التحويلات الطبية لمرضى غزة، هي لعبة سياسية غير انسانية ، لأن لا أحد يشعر بالألم الا من ذاقه وسار في عروقه، فإذا كان من كان يريد أن يلعب بشيء معين فعليه الا يلعب بأرواح الناس.
ويقول محمد مصاب بالسرطان من دير البلح " لا اريد علاجا ولا اريد ان يتجمل علي احد بموتي فانا اخترت نهايتي ولا اريد مساعدة مخلوق على وجه هذه الارض" .
ويقول "لـ " سما" لا املك الا ان اردد ما قاله الرسول محمد صلي الله عليه وسلم " ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أو إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ).
من جانبه قال الدكتور خالد ثابت رئيس قسم الأورام في مجمع الشفاء الطبي،" أن تصاب بالمرض ليست هذه المعاناة بعينها بل هي حكمة الله وقدرته إنما المأساة عندما تبحث عن العلاج فلا تجده فيضطر المرضى للسفر ليصبحوا حينها تحت رحمة بوابات المعابر التي غالبا ما تغلق أبوابها فيخوض مرضى السرطان في قطاع غزة رحلة من الألم والمعاناة مع مرض لا يرحم في ظل حصار لا يرحم، لان مرض السرطان يعتبر المسبب الثاني للوفيات في فلسطين بعد أمراض القلب والأوعية الدموية".
وحول طرق علاج المرض، أوضح د. ثابت أن علاج الأورام له ثلاثة إجراءات علاجية: أولاً العلاج الجراحي وهي عمليات الاستئصال وأغلبها يتم في غزة، والثاني العلاج الكيميائي متوفر ولكن بصورة غير مستمرة ، بينما العلاج الثالث: الإشعاعي ويليه العلاج الهرموني وهو غير متوفر على الإطلاق حيث يضطر الأطباء لتحويل المريض لتلقي العلاج في الخارج على نفقة وزارة الصحة، مشيرا إلى أن اكتشاف السرطان في المراحل المبكرة يساعد على علاجه والشفاء منه.
وتروي السيدة هدي جندية" 70 عاما، رحلة زوجها السبعيني المصاب بمرض السرطان ، والذي انتشر بجزء في جسده النحيل ليبدأ رحلة علاج قاسية بأقراص علاج كيماوي، تقول " لـ"سمـا" قبل شهرين من الان كان زوجي يعاني من الم حاد في صدره، يزداد يوما بعد يوم ، لم يملك القدرة على تحمله، قام احد ابناءه باصطحابه الى المستشفي للاطمئنان على حالته ، وقمنا باجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، للتأكد من طبيعة الحالة المرضية، وبعد مرور أيام ذهبت إلى المستشفى، وعندها كانت الصدمة باكتشافهم وجود ورم خبيث في الكبد، وحالته الصحية تدهورت و لا يستطيع تناول أي شيء من الاطعمة، نحن ننتظر الان استخراج تحويلة له للعلاج في مستشفي المطلع وننتظر الموافقة الاسرائيلية على التحويلة لانه حالته الصحية ساءت أكثر عن ذي قبل.
إحصائيات جديدة اصدرتها وزارة الصحة في قطاع غزة، اظهرت، بأن معدل إصابة الذكور للسرطان هو 46 الذكور لكل 100,000 من الذكور، بينما معدل الإصابة لدى النساء هو 53 امرأة لكل 100,000 من النساء.
أما عن أنواع السرطان فتشير الإحصائيات إلى أن سرطان الثدي هو المرض الأكثر انتشاراً، حيث يشكل 16.5% من إجمالي حالات السرطان، يليه سرطان القولون و المستقيم بنسبة 9.6% من إجمالي مرضى السرطان، ويليه سرطان الرئة الذي يشكل 8.5% من إجمالي حالات السرطان.
وفيما يتعلق بأنواع السرطان الأكثر انتشاراً لدى الذكور، لنجد ان إحصاءات وزارة الصحة اظهرت بان سرطان الرئة هو الأكثر انتشاراً بين الذكور بنسبة 18.5% من إجمالي مرضى سرطان الذكور، ويليه سرطان القولون الذي يشكل 14% من حالات سرطان الذكور.
اما الاطفال فقد بلغت نسبة اصابتهم بالسرطان أقل من 12 عام 7.9% من إجمالي مرضى السرطان في قطاع غزة، وكان متوسط الحالات الجديدة 59 حالة سنوياً. حيث كان أكثر الأمراض انتشاراً أمراض الدم (اللوكيميا) بنسبة 31%، يليه (الليمفوما) بنسبة 16.7% من إجمالي حالات سرطان الأطفال.