قال الكاتب والصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك، إن قناة "الجزيرة" القطرية أصبحت رمزا للسيادة الوطنية القطرية لا سيما بعد الأزمة التي وقعت بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى.
ونقل فيسك في مقال نشر اليوم بصحيفة "إندبندنت" البريطانية، وصف قاله أحد العاملين القدامى في قناة "الجزيرة" لدول الخليج حيث وصفهم أنهم "أطفال، هم مجرد أطفال…هم طفوليون وقبليون". وعلق فسك على ذلك قائلًا "يمكنني أن أفهم غضبه".
وقال مراسل منطقة الشرق الأوسط في الصحيفة البريطانية "حتى الشيخ تميم آل ثاني، أمير قطر الحالي، لم يكن لديه الكثير من الحب للقناة التلفزيونية. فكانت لعبة والده حمد في الواقع، وعندما قام حمد بزيارة لقناة "الجزيرة" في الدوحة، كان تميم، الذي سرعان ما أطاح بأبيه، باقياً عند الباب الخارجي. أما الآن، وبطبيعة الحال، وبفضل المملكة العربية السعودية، أصبحت "الجزيرة" رمزاً للسيادة الوطنية لدولة قطر".
وأضاف فيسك في مقاله أن "دعاة حرية الصحافة دافعوا عن غضبهم تجاه السعوديين "غير الديمقراطيين"، مطالبين بعدم المساس بالاستديوهات المقدسة للقناة القطرية التي كانت في الواقع بائسة جدا في تقاريرها عن شؤون الخليج العربي على مر السنين، وخاصة قطر نفسها. في العام الماضي، وأوائل هذا العام، استغنت "الجزيرة" عن العديد من موظفيها. وفي خلال العام الماضي، أبلغ الصحفيون الذين يعملون لحسابهم الخاص أنهم قد تم إيقاف رواتبهم. وفي الأسابيع الأربعة الماضية، دعاهم القطريون مرة أخرى، فقط لأنهم اكتشفوا أنهم أصبحوا يتقاضون رواتبهم من السعودية".
ويقول الكاتب "بالتالي فإن منارات حرية الصحافة في الخليج لا تضيء بألوان زاهية كما نود. كانت قناة "الجزيرة"، و"الجزيرة مباشر"، التي دعمت علناً جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، قاسية جداً في انتقادها للرئيس عبد الفتاح السيسي، وتخلت عن كل النزاهة والحياد. وتحول العديد من العاملين لدى "الجزيرة مباشر"، ليصبحوا أعضاء في جماعة الإخوان نفسها".
ويضيف "لكن ليست هذه هي النقطة. أزمة قطر المزيفة، مثل الاتهامات التي توجهها السعودية للدوحة، هي ترويض الدولة الخليجية الوحيدة التي لديها القدرة على تخطي المملكة العربية السعودية وإملاء نتائج الحرب السورية. وقد ينتهي هذا الأمر بتدمير مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم 6 دول عربية، وتم إعادته للحياة برعاية الولايات المتحدة وسط أزمتين سابقتين وحقيقيتين هما: الغزو السوفييتي لأفغانستان والثورة الإيرانية. سيكون الأمر في غاية السخرية إذا تسبب خطاب الرئيس المجنون في الرياض في حدوث هذا".
ويقول فيسك في مقاله أيضاً "كان وعد ترامب المفاجئ بالكثير من الأسلحة "الجميلة" لقطر، والذي تلاه نشره لتغريدة على "تويتر" يدين فيها الدوحة لدعمها المالي "للإرهاب"، مجرد جزء من العرض الكوميدي للأميريكيين الذين اعتادوا على جنون قائدهم. ولكن بالنسبة للقائد المحارب الجديد للمملكة العربية السعودية، وزير الدفاع وولي العهد محمد بن سلمان، فقد منح القوة لقيادة مجلس التعاون الخليجي لتقديم العطاءات. ترامب يكره وسائل الإعلام الحرة. المملكة العربية السعودية تكره الإعلام الحر. ونسينا، ويبدو أن هيئة الإذاعة البريطانية نسيت أيضاً، أن عم محمد بن سلمان، الملك فهد، كان الذي دفع بأول قناة دولية مستقلة في الشرق الأوسط. وقد تم دمج المحطة العربية لـ"بي بي سي" وشركة عملاقة سعودية تدعى مجموعة "مورد". ولكن بمجرد أن بدأت هيئة الإذاعة البريطانية في بث أفلام وثائقية تنتقد السعوديين أنفسهم، وهي جزء من خدماتها الإخبارية المحايدة، سارعت السعودية بإغلاقها".
ويتابع الكاتب "قامت أوربت، وهي شركة تابعة لـ"المورد"، باستبعاد هيئة الإذاعة البريطانية من القمر الصناعي في أبريل 1996. وقد هاجر العديد من موظفي هيئة الإذاعة البريطانية على الفور إلى قناة "الجزيرة" الجديدة التي بدأت البث من قطر بعد 7 أشهر. وبالتالي فإن "الجزيرة" الحالية هي طفلة يتيمة من نسخة "بي بي سي" السابقة التي استبعدها السعوديون منذ أكثر من عقدين من الزمن". مضيفاً "طبعا، بثت "الجزيرة" لقطات بيانية وصوراً عن الانتفاضات الفلسطينية، والعرب الذين مزقهم القصف الأمريكي والبريطاني والجنود البريطانيون الموتى. لكنها كانت تسمح بإذاعة خطب أسامة بن لادن، ودعم "الإخوان المسلمين"، التي تضم الملايين من الأعضاء غير الإرهابيين وخاصة في الأردن ومصر، ولكنها تروج أيضا للمنبر السياسي الإسلامي لـ"جبهة النصرة" والقاعدة".
ويؤكد فيسك "هنا نصل إلى نقطة حرجة في قصة "الأزمة" في الخليج. فعندما خضعت "النصرة" لإحدى تغييراتها المنتظمة وتم تغيير اسمها إلى "جبهة تحرير الشام"، أعطت "الجزيرة" زعيمها مقابلة من جزئين يمكن فيها للإسلاميين أن يوضحوا محبتهم للمسيحيين وزملائهم المسلمين الشيعة والتأكيد على أنهم المعارضة الجادة الوحيدة لنظام بشار الأسد في سوريا. وكانت هذه البرامج التي استمرت ساعة واحدة على قناة "الجزيرة" حساسة للغاية لأن الإسلاميين السعوديين، لا نقصد الحكومة السعودية، كانوا دائما يفضلون "داعش" على جبهة النصرة".
ويضيف "علاوة على ذلك، تزامن ظهور تنظيم "النصرة" الجديد على قناة "الجزيرة" مع الانهيار التام تقريبا للجيش السوري الحر، الذي كان يدعمه باراك أوباما وديفيد كاميرون. وبعبارة أخرى، لعبت قطر دوراً قيادياً في الحرب السورية، ودعمت مجموعة كان السعوديون يعارضونها، وفي الوقت نفسه حافظوا على علاقة هادئة مع النظام السوري، مما ساعد على تحرير الرهائن المحتجزين من قبل النصرة في كل من سوريا ولبنان. وفي الآونة الأخيرة، فتحت قطر علاقات جديدة بالوكالة مع "حزب الله" الموالي للأسد في لبنان بعد أن وافقت على إرسال اثنين من كبار المسؤولين في حركة "حماس" الفلسطينية، التي تمولها وتدعمها قطر، حتى الآن للتحدث إلى "حزب الله". كما وافقت على تسليم متطرف يختبئ في مخيم عين الحلوة في صيدا إلى جهاز المخابرات اللبناني. وعلاوة على ذلك، أعلنت قطر عن خطتها لرفع الطاقة السائلة للغاز الطبيعي بنسبة 30%، وزيادة الإنتاج من حقل الشمال الذي تتقاسمه مع إيران. وقد يواجه منتجو الغاز الأمريكيون صعوبة في المنافسة".
ويقول فيسك "إيران، كما هو معروف، مستعدة لزيادة الإنتاج من جانبها من حقل الشمال. لا عجب أن يغضب السعوديون. وربما، قريبا، الأمريكيون. والأكثر من ذلك إذا سمحت سوريا بعد الحرب لقطر بتشغيل خط أنابيب عبر أراضيها إلى البحر المتوسط وإلى أوروبا". مضيفاً "قطر، وبعبارة أخرى، تحتاج الآن لإيران أكثر مما تحتاج المملكة العربية السعودية. وهكذا، فإن السعوديين والإماراتيين والبحرينيين والمصريين، بالنسبة لهم، قطر هي إمارة صغيرة خطيرة جدا".
ويتساءل الكاتب "كيف يمكن لمحمد بن سلمان الحفاظ على الصراع في اليمن، إذا كانت قطر تتعاون مع الإيرانيين؟ ومع "النصرة" والرئيس الأسد. وإذا تلقت قطر المساعدة من المفاوضين الكويتيين، الذين ليسوا أعداء للإيرانيين، والعمانيين الذين يرسلون الطعام إلى قطر والذين شاركوا في مناورات بحرية مع الإيرانيين قبل ثلاثة أشهر فقط".
ويختتم فيسك مقاله بالقول "بالنسبة لبقية العالم، فإن "أزمة" الخليج تعيب العرب فقط. بالتأكيد الإسرائيليون يصفقون الآن، على الرغم من أنهم يدعمون السعوديين، والفلسطينيين منسيين كالعادة والحرب مستمرة في سوريا والعراق كالمعتاد، ونحن جميعا مذهولون من المشاحنات الطفيلية والقبلية لبعض من أغنى البشر على وجه الأرض".
المصدر :" سبوتنيك