اكد تقرير استراتيجي اصدره مركز الزيتونة للدراسات من أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تواجه تحديات محلية وإقليمية ضخمة، وتحتاج لإعادة تموضع جديد يأخذ بعين الاعتبار التحولات الجارية في المنطقة.
وحذّر المركز في تقرير له الاثنين بعنوان: "مستقبل تموضع حركة حماس الإقليمي في ضوء وثيقتها السياسية وانتخاباتها الداخلية"، من أن الصراع في النظام الدولي واضطراب نظامه ينبئ عن عدم قدرة القوى الدولية على حسم الصراع الإقليمي، مما يسهم في إطالة أمد الفوضى الإقليمية، بما ينعكس سلباً على القضية الفلسطينية بتهميشها، أو استثمارها في صفقات التسوية الإقليمية.
ورأى مركز الزيتونة في تقرير استراتيجي أصدره اليوم الاثنين، أن تعاظم الدور الإسرائيلي يتبدى في رسم سياسات المنطقة من خلال الطرف الأمريكي، واقتراب دول المنطقة من دولة الاحتلال، وانخفاض السقف العربي تجاه الصراع العربي الصهيوني، وأشار إلى أن زيارة دونالد ترامب للمنطقة أبرز شاهد على ذلك.
وأشار التقرير إلى أن اقتراب الصين وروسيا من الدولة العبرية في ازدياد. ولاحظ تكثيف التنسيق والتعاون الاقتصادي والأمني معها من جهتهما.
ولفت الانتباه إلى أن ذلك يحصل فيما لا تزال المنطقة تخوض غمار فوضى إقليمية عارمة، على الرغم من محاولات التكتل الإقليمي في أثناء الصراع الجاري، وقال: "يجسد تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي الجديد الطبعة الأخيرة من هذه التكتلات الإقليمية؛ الذي ربما يعقبه تأجيج حروب بالوكالة، أو ربما ينعكس المسار بتسويات إقليمية جراء محاولة ضبط التوازن الذي أجراه هذا التحالف".
وأكد التقرير أن "المنطقة بلا قيادة إقليمية فردية أو جماعية"، وأشار إلى أن "الجهود الدولية تمانع من ذلك لتبقى تحت الهيمنة الغربية بغية حماية إسرائيل، إلا أنها تتجه للتشكل حالياً في إطار حيِّز جيو-استراتيجي شرق أوسطي، مُفرَّغ من الهويتين العربية والإسلامية".
ونوّه التقرير إلى أن "الإسلام السياسي الذي تحمل حركة حماس لونه الأيديولوجي ما فتئ يتعرض لحملة شرسة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية، مما يضغط على الأفق الإقليمي لحماس".
وأضاف: "يرافق ذلك كله على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي، انقسام حاد في الحركة الوطنية على الصعيد الأول، إضافة إلى انغلاق أفق التسوية والضغط على خيار المقاومة لجهة طرفي الحركة الوطنية، بينما يتعاظم اليمين الصهيوني المتطرف على الصعيد الآخر في دولة الاحتلال، ويتمادى في برامج الاستيطان والتهويد، وتغيير الواقع على الأرض الفلسطينية بالضفة الغربية".
وسجل التقرير أن قدرة "حماس" على نسج بعض العلاقات الدولية غير الرسمية، إلا أنها لم تنجح في اكتساب الشرعية الدولية بسبب رفضها للاستحقاقات المفضية لذلك، لكونها تمس الثوابت الوطنية الفلسطينية.
وأكد التقرير أن ذلك لم يمنع "حماس" من الحفاظ على بقائها وتماسكها، وتمكنها من إجراء انتخاباتها الداخلية، وإصدار وثيقتها السياسية الجامعة لرؤيتها السياسية، إلا أنها لم تستطع المحافظة على كامل مكتسباتها، وعجزت عن ترجمة انتصاراتها العسكرية إلى حصاد سياسي، بسبب ممانعة الفضاءين الدولي والإقليمي.
وأضاف: "ما زالت حماس محافظة على قاعدة المقاومة في فلسطين بغزة، وتدفع بانبعاثها في الضفة الغربية، وتتمتع بشعبية كبيرة في الوسط الفلسطيني، وما انفكت تتمتع بظهير شعبي في الفضاءين العربي والإسلامي".
وأشار إلى أن "كل محاولات حصار الحركة وإضعافها فشلت، وهي ما زالت تحتل مكانتها كمكون وطني كبير في المعادلة الفلسطينية، وكقائد رئيسي للمقاومة الفلسطينية. لكنها غير قادرة حتى اللحظة على تكتيل معظم الشعب على خيارها، بسبب انقسام الحركة الوطنية الفلسطينية، وضعف الأفق الإقليمي".
وثمّن التقرير قدرة "حماس" على إجراء انتخاباتها الداخلية على الرغم من الجغرافيا المتباعدة والممتدة في فضاء المنطقة، ورأى أن هذا النجاح يعبر عن حيوية الحركة ومرونة نظامها الداخلي، الذي يتيح تبادل المواقع وتجديد الصف القيادي؛ ويجمع مزيجاً من التخصصات الفنية والتمثيل الجغرافي لإرساء الاستقرار والتوازن الداخلي.
وحول التحديات التي تواجه الحركة بعد انتخاب قيادتها الجديدة وإعلان الوثيقة السياسية، فقد أكد التقرير أنه يتصدرها، تحدي الانتقال القيادي، من قيادة تاريخية مَثَّلها خالد مشعل، وكان لها بصمتها الخاصة على أداء الحركة طوال عقدين، إضافة إلى أن القيادة الجديدة التي تتمثل في إسماعيل هنية تتموضع جغرافيا في قلب الحصار، وما يستتبع ذلك من تحديات معقدة، تتصل بالداخل والخارج، وإدارة الملف السياسي في أجواء إقليمية مضطربة واستهداف إقليمي ودولي للحركة.
ودعا التقرير حركة "حماس" إلى أن تعمل على تمتين صفها الداخلي، لأن المرحلة المقبلة غير عادية من حيث كثافة الاستهداف الرامية لإضعافها وعزلها.
وقال أن "حماس" تحتاج لتكثيف تواصلها مع المفاصل المؤثرة في وسط الظهيرين العربي والإسلامي، وتعزيز التواصل مع النخب المحركة وذات التأثير الشعبي والرسمي" في ظل التغيرات والمعطيات الحالية.
المصدر : قدس برس