عن إدارة الخصومة السياسية بيننا ..حسين حجازي

السبت 22 أبريل 2017 04:59 م / بتوقيت القدس +2GMT



لا أعرف شخصياً الأخ محمود الزق، ولم يسبق لي أن التقيت به، ولست معجباً أو شديد الإعجاب بالعديد من المتحدثين هنا وهناك، ممن يدلون في المنابر الإعلامية بأحاديث شبه يومية، بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية؛ لأنني انأ أيضاً ممن يكتبون هنا آراءهم أسبوعياً يمكن أن يكون هناك مَن لا يُعجبون بهذه الآراء هنا. لكن بعد ذلك وهذا هو المهم ليس مقبولاً بأي حال أن نمسك بهؤلاء المتحدثين الذين يقولون أشياء ربما لا تعجبنا أو تستفزنا، ثم ننزل بهم ضرباً كنوع من التأديب لهم حتى نعرفهم حدودهم، ومن نحن، ومن هم، ولا يعودوا للمزاح معنا! 
ويحدث هذا الشيء مرة أخرى وقد لمت نفسي قبل سنتين ربما أو ثلاث، حينما زرت بالمصادفة الزميل العزيز والأستاذ الكبير يحيى رباح في منزله، وكان الرجل يتعافى من عملية جراحية أجريت له حينما حدثني عن واقعة مماثلة بالاعتداء عليه، أثناء خروجه من إحدى المحلات. واكتفيت حينها بأن ألمح إلى السيد إسماعيل هنية الذي كان لا يزال رئيساً لحكومة "حماس" الغزية في مقال هنا، عن كم مرة يا سيد إسماعيل هنية تفضلت ودعوت الكُتّاب وأصحاب الرأي أمثال يحيى رباح في غزة واستمعت لهم، وحاولت الحوار معهم كما كان يفعل ياسر عرفات وبعده الرئيس أبو مازن؟ وذكرت هنا أن ذلك حدث مرة واحدة ولكن قبل أن تفوز "حماس" في الانتخابات وقبل أن يصبح الأخ أبو العبد رئيساً للحكومة ودولة الرئيس، وحدث ذلك في مطعم الأندلس على شاطئ البحر، وكان يحيى رباح هناك ويهز رأسه كإيماءة في لغة الجسد عن ارتياحه وارتياحنا جميعاً من الكلام المعتدل، والذي أدلى به هنية ورحبنا هنا بما قاله الرجل. 
إن السلطات للأسف، وجميع هذه السلطات أينما كانت وفي أي زمن تتجه، وخصوصاً إذا ما كانت تشعر في أوقات أو ظروف محددة بتهديدات أمنية أو سياسية، يمكن أن تعرض وجودها أو بقاءها للخطر. فإنها غالباً ما تلجأ وبصورة غريزية، غريزة السلطة نفسها تحت تبرير أو دافع الدفاع عن أمنها، إلى أداتها أو الأصح طابعها وجوهرها الأصيل ولكن الخفي أحياناً، أي طابعها العنيف والخشن والذي يتجاوز أحياناً حتى القوانين والدساتير والأعراف، التي يفترض أنها تؤمن أو تلتزم بها.  
إن الجانب السري وغير المصرح به الذي تقوم به هذه السلطات أو الدول، كان ولا يزال دوماً من أبرز خطايا الدولة منذ نشوئها إلى اليوم. وإن دور الصحافة لم يكن فقط المحاولة الدائمة والتي لا تكل ولا تمل على أمل الوصول إلى اختراق هذه الجدران السرية، للكشف عن تعديات وتجاوزات السلطة والدولة. ولكن من خلال هذا الكشف محاولة تهذيبها أو تلطيف عنفها بوصفها في التعريف العام أداة عنف. والعمل على كبح جماح تعدياتها وتجاوزاتها، فالسلطات والدول هي مشكلة في نهاية المطاف ولكنها كَشَرّ المرأة والنساء والزواج الذي لا بد منه. 
هل السلطات جميعاً حادة الطبع وقاسية وربما متجاوزة في أوقات الأزمات؟ تتصرف في هذه الحالة بحسب قانون ميكافيلي الشهير "الغاية تبرر الوسيلة"، وأنه من الأفضل أيها الأمير أن تكون مهاباً على أن يحبوك الناس. وهو ما ينطبق على القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس أبو مازن مكرهاً بل ومضطراً ومرغماً في الخصومات على رواتب الموظفين، وتلويحه بإجراءات أخرى غير مسبوقة. ورأينا، السبت الماضي، أنها قرارات غير شعبية، وطلبنا من "حماس" أن تتفهم دوافعها والضغوط التي أملت على الرجل اتخاذها. 
واليوم ما دام الشيء بالشيء يذكر ومن أجل تنقية الذاكرة، وهي بالمناسبة أحد شروط نجاح المصالحة كما رأينا في مرة سابقة. هل نذكر الضغوط والظروف التي أملت على عرفات منتصف التسعينيات حينما كان السلام لا يزال يمشي حقيقة، والمفاوضات لم تكن عبثية، وعين عرفات على تمدد السلطة إلى الضفة؟ الاعتقالات التي قامت بها السلطة هنا في غزة، تحت ما سمي في حينه "بالباب الدوار"، حتى لبعض قادة "حماس" ومنهم محمود الزهار وأحمد بحر، عندما لم تقتنع "حماس" بوقف عملياتها في هذه الظروف حينما كان عرفات يأخذ في المفاوضات قطعة وراء قطعة، من بين براثن الاحتلال.  
ولكن هل كان عرفات يعلم بما أسر به لي محمود الزهار حينما زرته في ذلك اليوم بعد خروجه من السجن، بالتجاوزات المهينة أحياناً التي تعرض لها هو ورفاقه خلال اعتقالهم المؤقت ولم أستطع أنا في خضم هذه الأحداث والانفعالات والخواطر المتأججة أن أشير لها؟ 
ولكن هل يعلم السيد إسماعيل هنية وإخوانه محمود الزهار وقادة "حماس" الآخرون بما تعرض له محمود الزق ويحيى رباح سابقاً؟ أم أن هذه تجاوزات كما في عهد عرفات لم يكن عرفات يرضى عنها ويعلم بها، ولا يرضى عنها قادة "حماس"؟ 
لكنني أعتقد أن الجميع ومنهم قادة "حماس" يستمعون إلى النبرة لا أقول العدائية ولكن غير اللائقة، والتي تفتقد إلى الكياسة السياسية في الخطاب الإعلامي التي لا تفسد للود قضية، على لسان بعض المتحدثين باسم "حماس" وإعلام "حماس" بوجه عام؟ حينما يتعلق الأمر بشخص الرئيس محمود عباس. وحين يبدو هؤلاء المتحدثون وكأنهم يريدون تجريد الخلافات عن الأمور الشخصية، في مخاطبة الرئيس فإنهم هكذا يقولون السيد أبو مازن دون ذكر مقام الرجل وصفته أي الرئيس أبو مازن. 
وأشعر شخصياً بالملل والضيق وعدم الرضى بالمثل حينما أستمع إلى بعض المتحدثين الفتحاويين على المقلب الآخر، وإن ابتعدوا عن الشخصانية في الحديث عن الخلافات السياسية، إلا أنهم خلف هذا الذكاء أو الدهاء لا يستطيعون أن يخفوا في نبراتهم قدراً واضحاً من العدائية الدفينة لـ"حماس"، كما لو أنها هي العدو. وهذا يجب أن يتوقف واستبدال هذا النوع من الجمل التي تترك رسالة غير ودية بجمل إيجابية وودية. وليكن الاستخلاص أو الرسالة الأخيرة التي نريد أن نبعث بها إلى محترفي الكلام المنبري على الجانبين... رجاء لتكن الخصومة السياسية شريفة، وإدارة هذه الخصومة والخلافات بيننا على هذه القاعدة باستقامة وشرف.