طالب مشاركون في ورشة عمل نظمها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى التصدي وإلغاء قرار الخصومات على رواتب موظفي قطاع غزة، وحذروا من المخاطر والتبعات الكارثية لهذا القرار الذي سيؤثر بالسلب على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لسكان القطاع.
وأكد المتحدثون أن الانقسام والتجاذبات السياسية من الأسباب الحقيقية لهذا القرار، ولما وصلت له أوضاع الموظفين.
وطالب المتحدثون الحكومة بالعمل على مواجهة الأزمة المالية، إن وجدت، بشكل وطني ومعلن وبشفافية، وعلى أسس قانونية واضحة وبعدالة، وبآليات تضمن مشاركة الجميع في صناعة القرار باعتباره همّاً وطنياً، ويكون آخر خطواتها المس بقوت ورواتب الموظفين، ولا يجوز التمييز على أساس جهوي.
وشدّد المتحدثون على أن القطاع وأهله يحتاجون إلى من يقف لجانبهم، ومن يؤازرهم، ومن يساندهم ويدعمهم في إيجاد حل لظروفهم الصعبة، في ظل الحصار والفقر والبطالة.
وأكد هؤلاء، خلال الورشة التي نظمت في فندق الكومودور بمدينة غزة، أمس، أنه لا فرق بين مواطني غزة والضفة الغربية، فهم سيان في نهاية المطاف، ومن حقهم العيش الكريم، وصرف رواتبهم، فالراتب خط أحمر.
وقال هؤلاء: إن القرار سيعزز استمرار الانقسام الفلسطيني والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد وهذا يزيد من التجاذبات السياسية.
وحضر الورشة التي جاءت بعنوان "تداعيات خصومات الرواتب على حقوق موظفي القطاع العام في قطاع غزة" ممثلون عن الفصائل ومؤسسات حقوق الإنسان والنقابات، وأكاديميون وكتاب.
وانتقد راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان القرار بشدة، خصوصاً وأنه يأتي في وقت يعاني فيه مواطنو القطاع من صعوبات وأزمات اقتصادية ومادية قاسية وكبيرة، ومن حصار إسرائيلي مشدد.
واتهم الحكومة بعدم التعامل بشكل صحيح ومهني مع أزمتها المالية، كما انتقدها لعدم إبلاغها بما ستقوم به من خطوات في أعقاب إبلاغها من قبل بعض الجهات المانحة بنيتها عدم تحويل أموال للرواتب.
وقال الصوراني: إن قرار الاتحاد الأوروبي بوقف دعم بند الرواتب ليس جديداً، حيث سبق وأن أبلغ السلطة الوطنية بذلك قبل عدة أشهر مضت، وفي المقابل لم تلجأ السلطة إلى اتخاذ أي خطوات لمواجهة تبعات القرار الأوروبي، ما يشير إلى غياب أي مستوى من المسؤولية المهنية والأخلاقية تجاه إيجاد حلول واقعية لحماية الموظفين وضمان استمرار رواتبهم.
واعتبر أن القرار يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الأساسي المعدل للسلطة الوطنية عام 2003 ولقانوني الخدمة المدنية وقانون الخدمة في قوى الأمن الوطني.
ويرى الصوراني أن حل مشكلة الضائقة المالية، إن وجدت، ينبغي ألا يتحملها الموظفون في قطاع غزة فقط، بل يجب أن تطال كافة الموظفين على قاعدة المساواة وعدم التمييز. ولا يتوقع الصوراني أن تتراجع الحكومة عن قرارها.
وفي كلمة له، قال الدكتور سلامة أبو زعيتر، رئيس نقابة العاملين في الخدمات الصحية، عضو الأمانة العامة لاتحاد نقابات عمال فلسطين: إن قرار الخصم سيزيد تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، خاصة بالنسبة للعائلات التي تعتمد مباشرة على رواتب أبنائها الموظفين، فالجميع يعلم أن الدورة المالية التي تحدث بعد تقاضي الرواتب تنعش الحياة الاقتصادية بغزة، في ظل ارتفاع نسبة البطالة ومستويات الفقر، كما سيزيد مستوى الفقر بين الموظفين لأن معظمهم مرتبطين بقروض للبنوك وهم ملزمون بتسديد ما يقارب 50% من قيمة رواتبهم، ومعظمهم لديه التزامات لجمعيات تعاونية مالية مع زملائهم أو جيرانهم.
وأوضح أبو زعيتر أن عدداً كبيراً من الموظفين يعيشون في منازل بالإيجار، ولديهم أبناء بالجامعات ويعيلون أسرهم، ومنهم من يساعد أقارب، سواء كانوا أخوة أو أبناء من العاطلين عن العمل.
وتابع: إنه سيكون لمشكلة الرواتب الأثر الواضح على القيمة الشرائية للمواطن وستعصف بكل نواحي الحياة التجارية والصناعية، وستؤدي إلى انهيار اقتصادي لغزة.
كما أشار أبو زعيتر إلى وجود تداعيات اجتماعية خطيرة، بحيث يشعر الموظفون بتخلي السلطة عنهم وإهمال حقوقهم، وخاصة أنهم محرومون منذ العام 2008 من كل الحقوق والعلاوات التي ينص عليها القانون، إضافة إلى شعورهم بحالة من الإحباط والتخوف من المستقبل في ظل استمرار الحصار وانغلاق الأفق والمستقبل لهم ولأبنائهم، وتكرار الاعتداءات والعدوان والحروب على غزة، كما حذر من انعكاس القرار على علاقاتهم الأسرية والاجتماعية وما يترتب عليه من مشاكل لأسباب ترتبط بعدم مقدرتهم على توفير احتياجات الأسرة.
ويعتقد أبو زعيتر أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الكارثية على صعيد الأسرة الفلسطينية ومصروفاتها، وتنذر بمخاطر إنسانية ومعيشية صعبة ومشاكل مجتمعية جديدة. بدوره، استعرض عارف أبو جراد رئيس نقابة الموظفين العموميين المشاكل التي واجهت الموظفين منذ عشر سنوات أعقبت تغيبهم عن وظائفهم بسبب الانقسام وأبرزها سلسلة الخصومات الطويلة. وأضاف: إنه ومنذ تشكيل حكومة الوفاق قبل ثلاث سنوات تقريباً ازداد وضع الموظفين سوءاً وبدأت رواتبهم تتأكل بفعل قرارات وإجراءات الحكومة. ولفت أبو جراد إلى أن النقابة سجلت منذ إعلان الخصم على الراتب نهاية الأسبوع الماضي أكثر من 45 إصابة بالجلطة لموظفين.
وقال أبو جراد: إن الموظفين يتعرضون لأوضاع قاسية مما أسماها حكومة الأمر الواقع بغزة وحكومة الوفاق، مبيناً أن الأولى ترفض حتى الآن السماح لهم بإقامة خيمة في ساحة الجندي المجهول للاحتجاج على القرار وتقوم بالتضييق عليهم.
وحذر من أن الاعتصام سيتواصل في الشوارع حتى تتراجع الحكومة عن القرار. فيما عدّ محسن أبو رمضان الباحث والناشط أن القرار هو انسحاب للسلطة الوطنية من واجباتها تجاه قطاع غزة ويهدف إلى تهميش وإقصاء القطاع. ولفت إلى وجود تبعات سياسية للقرار الذي سيعمل على زيادة حالة الاحتقان والتمايز بين الضفة وغزة وسيزيد من حالة الإرباك، كما سيدرج القرار قطاعاً واسعاً من العاملين تحت خط الفقر وسيدفع الكثير إلى البحث عن مصادر رزق غير قانونية قد تدفعهم إلى الهاوية. واعتبر أبو رمضان في كلمة له أن القرار ليس له علاقة بأزمة السلطة المالية، داعياً إلى اجتماع عاجل للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير والدعوة لإجراء انتخابات شاملة. ودعا أبو رمضان إلى استكمال الجهد الشعبي والجماهيري حتى يشكل تياراً متصاعداً لإنهاء الانقسام.
من جانبه، قال الأسير المحرر تيسير البرديني، عضو المجلس الثوري لحركة "فتح": إنه لولا الانقسام لما تجرأ أحد على قطع الرواتب أو اعتقال أحد، داعياً إلى مواصلة الخطوات الاحتجاجية والنقابية والتواصل مع الأسرى من أجل إلغاء القرار.
وطالب البرديني في كلمة له بضرورة عدم تأثير القرار والفعاليات على قضية إضراب الأسرى في سجون الاحتلال، والذي سيبدأ في السابع عشر من ابريل الحالي.