الضربة الأميركية في سورية ... قبل وبعد ...حسين حجازي

السبت 08 أبريل 2017 08:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 

ما قبل الضربة الأميركية:
مرة أخرى، ها نحن نجد أنفسنا والعالم في خضم أزمة عالمية كبرى من قبيل شفير الهاوية، التي يمكن أن تنذر أو يشتم منها رائحة شر أكبر مستتر، وذلك بالقرب من هنا أو بالجوار الإقليمي لنا أي في سورية. ولقد تحطم هذا البلد على مدى السنوات الست، ولكن قدراً باقياً من هذه السورية ظل مع ذلك يذكر بوجودها، يرفرف كما أجنحة الطير في السماء الذي يذبح بالسكين ولكن روحه تأبى أن تغادر الجسد أو تصعد إلى دار الفناء أو الآخرة كإعلان عن موت سورية.
هل قصف النظام السوري الذي لا يزال يمسك بتلاليب ما كان سورية أبناء شعبه المعارضين والمقاتلين ضده في خان الشيخ، والمحتشدين ضده في إدلب بالسلاح الكيميائي حتى أفزعت العالم وقضت مضجعه صور الأطفال الموتى التي تستفز لأجلها الحجارة الصماء وليس مشاعر البشر ومنهم دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو؟. وإن بدا هذا الأخير فرحاً وفي مزاج عال من السرور والانتشاء في ظهوره لمناسبة إسرائيلية خاصة ولكن في ذات التوقيت.
ولماذا يفعلها الأحمق، أقصد النظام السوري، في هذا التوقيت الذي بدأ فيه العالم بما فيه ترامب يقر ببقائه؟ ويبدو كما لو أنه يعترف بخطيئته في محاولته المنكودة والمأساوية طوال السنوات الماضية الست قتل الدولة السورية؟ هل كان هذا النظام غبياً أو مجنوناً أو معتوهاً سياسياً وعقلياً ليطلق الرصاص بل النار والقذائف على نفسه؟ وإلا كيف نفسر ما حدث؟ أي من الذي فعلها؟ ولأجل ماذا فعلها الآن؟ وهذه بعض الأجوبة القاطعة من وجهة نظر أصحابها على هذا السؤال:
إن أفيغدور ليبرمان وزير الحرب الإسرائيلي لديه معلومات مؤكدة أن القرار اتخذه بشار الأسد بنفسه، ولوحظ أن الإسرائيليين كانوا أكثر الأطراف إطلاقاً لسيل من التصريحات بتوجيه الاتهامات القاطعة للنظام. وهي ملاحظة يجب أخذها بعين الاعتبار باعتبارها أحد مفاتيح فهم البعد الإسرائيلي في هذه الأزمة، الأكثر وضوحاً في حدتها مقارنة بأزمة الأسلحة الكيميائية عام 2013 في عهد إدارة أوباما، بحيث تبدو هذه الأزمة وكأنها نزلت على نتنياهو وجماعته كهدية من السماء تشبه المعجزة، وذلك للأسباب التالية:
1- إنهم يريدون من هذا الامتحان أو الاختبار لدونالد ترامب المجاني، الذي ليس هم طرف فيه لمعرفة مدى جدية أو مهابة أو صدقية الرجل في أول اختبار جدي لصفات الرجل الشخصية، خصوصاً بعد أن صعد إلى الشجرة، وبالتالي: ما هي حدود رده؟
2- وإذا كان الرد الأميركي سوف ينطوي على توجيه ضربة حاسمة أو مميتة للنظام، فإن هذا التحول سيكون هو الجائزة لإسرائيل، باعتبار أن مصير الجولان يرتبط من الناحية المبدئية أو حتى الشكلية بالنظام وبقاء النظام على قيد الحياة. وبالتالي تفكيك التوازن الروسي الإيراني السوري العراقي وصولاً إلى لبنان حزب الله وميشيل عون.
3- وإذا كان ترامب سيذهب إلى هذا الحد لاستعادة ما يسميه هيبة أميركا التي يواصل انتقاد أوباما لتفريطه بها، فهل يؤدي إلى المس بهيبة ودور روسيا التي تحتكر النفوذ في سورية؟ وهل رأينا كيف أن وضعية الأزمة على هذا النحو هي التي حملت بوتين لإجراء الاتصال أولاً مع نتنياهو؟ والذي كان مفاجئاً واستدعى طرح التساؤلات، إذ ما الذي أراده بوتين من نتنياهو؟ الذي له في الواقع رغبة لسقوط الرجلين معاً في مثل هذه المناسبة، إذا أدركنا أزمته مع ترامب حول الصفقة أو السلام مع الفلسطينيين والاستيطان، وأزمته مع روسيا والصواريخ السورية حول مصير الجولان، في الرد على الغارة الإسرائيلية الأخيرة والتي وصلت شظاياها إلى غور الأردن والقدس.
4- يبقى أخيراً أنه إذا جاء رد ترامب ضعيفاً ومحدوداً وباهتاً لا يتناسب مع تهديده "سوف ترون"، فإن نتنياهو وجماعته لن يقبضوه بعد ذلك أو يأخذوه على محمل الجد. وسوف يديرون له ظهورهم فيما يخص التسوية مع الفلسطينيين، أما إذا جاء رده متهوراً أيضاً فإن ذلك سوف يلقى المزيد من التشجيع والمديح لزيادة إغراقه في الوحل السوري، الذي تحاشاه أو حاول الابتعاد عن مصيدته أوباما، ويكون هذا التوحيل إبعاداً عن جعل المسألة الفلسطينية إحدى أولوياته كما هو حاصل الآن.
فجر الجمعة الجواب الذي فاجأ العالم:
لم ينتظرني ترامب وأمثالي من المحللين إكمال هذه السرديات، التي تنطوي ضمنياً على تقديرات تقليدية لتداعيات أو تطور أزمة قيد الولادة. ومفاجئاً مباغتاً أدهش العالم فجر الجمعة. لم ينتظر. كان يرد، وكان هذا الرد أيضاً باختيار الهدف غير المتوقع ونوع العملية عقلانية ومحسوبة بدقة متناهية وغير متهورة، وسبقها اتصال مع روسيا لإبعاد خبرائها أو جنودها وكذا جنود النظام نفسه. وليس في دمشق لتفكيك النظام أو إسقاطه، ليس لضرب مقرات القيادة والسيطرة، ولكن القاعدة والمطار الجوي الذي خرجت منه الطائرة السورية في حمص، كما قال، لقصف خان الشيخ بالسلاح الكيماوي، لمعاقبة النظام واسترداد هيبة أميركا ووضع بوتين في الزاوية، دون الذهاب إلى خطر حرب نووية وعالمية معها. والظهور أمام العالم ولا سيما الأميركيين باعتباره المنتصر والزعيم.
بضربة ذكية واحدة محدودة ونظيفة إلى حد ما، ودون صدام مع روسيا ودون دماء. ربما كان يرد ليس على الخارج ولكن على الداخل الأميركي، على الدولة العميقة التي تحاصره في الإعلام وأجهزة المخابرات، وتلاحقه بالاتهامات بأنه صنيعة روسيا، وها هو يضرب روسيا في عقرها السوري بصورة غير مباشرة.
أما بنيامين نتنياهو فقد خسر الرهان، وازدادت حصانة وهيبة ترامب ونجح بتقدير ممتاز في الامتحان، وبعد الآن سوف يظل نتنياهو يخافه ويخشاه. إذ استطاع الرجل أن يضرب ضربته وينجو من دفع الثمن عن هذه الضربة في الوحل السوري أو العراقي، حيث يوجد جنود أميركيون مكشوفون أمام النظام والجماعات المسلحة التابعة لإيران، أمام الثأر أو الانتقام. وهل لهذا السبب حرص على إبلاغ روسيا مسبقاً لتبلغ النظام السوري لتحاشي سفك الدماء، لئلا يكون مقابلها دماء أميركية؟ وتجربة تفجير مقرات جنود المارينز في بيروت العام 1983 لا تزال حاضرة في الذاكرة. ولكن هل بهذه الضربة طويت المسألة أم إن للقصة بقية؟

ما بعد الضربة:
ليس ثمة شك بأن ما حدث يعتبر ضربة موجهة إلى التحالف الروسي الإيراني والنظام السوري، وهي مؤشر قوي على التدخل الأميركي المباشر في الأزمة السورية بخلاف موقف باراك أوباما، وأن هذا التحول ينطوي على خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يقود هذا التحول إلى التوصل إلى تفاهمات واتفاق أميركي روسي حول حل شامل للأزمة السورية، من منطلق هذا التوازن الجديد. أو الصراع المفتوح بين القوتين العظميين إذا كان التعايش بين أسدين في نفس الغابة الواحدة غير ممكن. وحتى الآن فإن رد فعل النظام والتحالف الروسي الإيراني هو امتصاص الضربة الأميركية، لكن دون أن يؤدي هذا التحول الأخير في الأزمة إلى الذهاب لتسوية سياسية ونهائية. فإن إدارة ترامب سوف تجد نفسها لاحقاً إذا فتحت شهيتها لمزيد من التدخل العسكري في الورطة أو المصيدة، التي خشي من الوقوع بها أوباما. ولكن ما يخشى الآن هون أن هذا التدخل الأميركي الذي لقي ترحيباً واسعاً في أوساط حلفاء أميركا التقليديين، أن يستعيد ذروة جديدة من الاستقطاب الذي شهدناه في باكورة الأزمة السورية، وهنا قد يكون الصدام على أرض سورية هو المرجح.