ثلاثة تطورات سلبية حامت كالسحب الداكنة فوق القصر الرئاسي بالقاهرة، خلال لقاء الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي يوم الأحد، والفلسطيني محمد عباس، جعلت اللقاء يبدو غير مريح للطرفين.
فقبل اللقاء تعكَّرت الأجواء بفعل الدعم المصري الواضح لغريم عباس (محمد دحلان)، وترتيب عدة مؤتمرات له، وصفها "عدنان الضميري"، الناطق باسم شرطة عباس بأنها "تستهدف الشرعية الفلسطينية".
بعدها منعت القاهرة دخول رجل عباس الأمني "جبريل الرجوب" لمصر وترحيله إلى الأردن، ثم وفاة ضابط شرطة فلسطيني (وسيم مصطفى دغمش)، من رام الله، في السجون المصرية اليوم، بعد اعتقاله واحتجازه لأسباب غير معروفة، بحسب السفارة الفلسطينية في القاهرة.
وهو ما أثار تساؤلات: ما الذي دفع السيسي وعباس، وهما غريمان لديهما خلافات، للجلوس معاً الآن؟ وما الأمر المُلح الذي استدعى اللقاء؟ وهل للأمر علاقة بلقاء السيسي وترامب والقمة العربية، وبزيارة الاثنين إلى واشنطن قريباً؟ وما الإطار الذي يتصوره كل طرف للتسوية الفلسطينية المقبلة؟
ترتيب المواقف الثنائية قبل المفاوضات
المحلل السياسي الفلسطيني شرحبيل الغريب، كشف لـ"هافينغتون بوست عربي" نقلاً عن مصادره في رام الله، مؤشرات عما يرى أنه مؤشرات لفشل اللقاء. "ما وردني من معلومات قبل قليل هو أن لقاء عباس بالسيسي لم يتعد الساعتين، وأن وزير القوى العاملة هو من قام بتوديع الرئيس عباس، وهو مؤشر على أن نتائج اللقاء ليست كما يجب في بعض الملفات المطروحة في اللقاء، وأن الأمور تسير عكس ما خطط له"، بحسب قوله.
"الغريب" سمي لقاء السيسي وعباس بـ"لقاء الضرورة"، قائلاً "إن ما دفعهما (السيسي وعباس) بالدرجة الأولى للالتقاء هو السياسة الأميركية الجديدة، وتحركات ترامب، وعقد القمة العربية في الأردن، فكان لا بد من اللقاء لمحاولة ترتيب المواقف حول الحلول السياسية وملف المفاوضات، التي ستتناولها القمة العربية تجاه القضية الفلسطينية".
"مصر مضطرة في هذه المرحلة للتعامل مع السلطة برئاسة محمود عباس رغم القطيعة الواضحة بينهما، لرفض الرئيس عباس مصالحة محمد دحلان، المقرب من النظام المصري، وترتيب موقف موحد من شأنه أن يضمن تشكيل حالة ضغط على الإدارة الأميركية لإيجاد حل سياسي تفاوضي للقضية الفلسطينية في ظل انسداد الأفق السياسي مع نتنياهو".
ويضيف المحلل السياسي الفلسطيني، أن "عباس في موقف ضعيف جداً، وليس من مصلحة السلطة رفض التواصل مع القيادة المصرية، ولأنه بعد 25 سنة مفاوضات النتيجة صفر كبير، والقدس تهود والاستيطان يتمدد، وأكثر من 7 آلاف أسير في سجون الاحتلال، فهو بحاجة ماسة لمثل هذا اللقاء لتجديد الاتصالات الدولية حول حل سياسي إقليمي يضمن تحريك عملية السلام المجمدة".
ختم عباس المطلوب على هذه الملفات
ويتابع المحلل الفلسطيني: "المطلوب من الرئيس عباس في هذه المرحلة من جانب مصر وأطراف دولية وضع أختامه -كرئيس لفلسطين- على الخطط العربية والأميركية المطروحة لاستئناف مفاوضات التسوية، وربما تصفية القضية وإنهاؤها بأي حل".
ويشير إلى أن "الاتصالات الأردنية والزيارة الرسمية للقاهرة كلها تصب في خانة تحصيل موافقة عباس، الذي لا يؤمن إلا بالمفاوضات ليتحمل تداعيات مثل هذه الخطوة مع الأمة العربية، التي يعتبرها حاضنته، ومن ثم مع شعبه ثانياً".
حقيقة الخلاف المصري مع السلطة الفلسطينية تطرق لها عضو اللجنة المركزية لحركة فتحعزام الأحمد بشكل غير مباشر، حين وصف لقاء الرئيس محمود عباس مع الرئيس المصري بأنه كان "صريحاً وواضحاً في جميع القضايا التي طرحت".
واكتفى سفير فلسطين بالقاهرة "جمال الشوبكي" بالقول، إن اللقاء "بحث تطورات القضية الفلسطينية بكافة جوانبها"، وإن "حرص الرئيس عباس على إجراء مشاورات مع الرئيس السيسي فيما يخص الوضع الفلسطيني، جاء قبل انعقاد القمة العربية ولقاءات القادة العرب المقبلة بالرئيس الأميركي".
وأوضح أن "عباس وضع الرئيس السيسي في ضوء الاتصالات والمحادثات الأخيرة، التي جرت مع الإدارة الأميركية، خاصة فيما يتعلق بحل الدولتين للالتزام بعملية سلام حقيقية، وإخراج العملية السياسية من الجمود الحالي".
3 قضايا في لقاء السيسي- عباس
مسؤول دبلوماسي مصري قال إن ثلاث قضايا تناولها لقاء السيسي وعباس، كلها تدور حول الاستعدادات لفتح ملف التسوية الفلسطينية مجدداً في عهد الرئيس الأميركي الجديد.
وقال المسؤول المصري، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ"هافينغتون بوست عربي"، إن هذه القضايا هي إطلاع السيسي على تفاصيل الاتصال الهاتفي بين عباس وبين الرئيس الأميركي ترامب، وفي اللقاء مع مبعوث الرئيس الأميركي "جيسون غرينبلات"، ثم الزيارة المرتقبة للرئيسين السيسي وعباس إلى واشنطن قريباً للقاء ترامب، وثالثاً القمة العربية المقبلة، وخصوصاً ما يتعلق بها بمبادرة السلام العربية وقضية القدس.
تحركات أميركية غير معروفة
السفير "حسين هريدي"، مساعد وزير الخارجية السابق، قال إن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمصر "هامة بعد فترة من توتر العلاقات المصرية الفلسطينية، وقبيل زيارة السيسي وعباس لواشنطن، كل منهما على حدة".
"هريدي" أوضح، في تصريحات خاصة لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن أهمية اللقاء تأتي لـ"التنسيق" في وقت نشهد فيه "تحركات أميركية غير معروف هدفها بالنسبة لعملية السلام بين العرب والإسرائيليين"، و"هل ترمي الإدارة الأميركية إلى حل الدولتين أو أهداف أخرى غير ذلك".
المحلل السياسي الفلسطيني "شرحبيل الغريب" يرى "أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي قال فيها مؤخراً إن حل الدولتين ليس السبيل الوحيد لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني "مؤشر على وجود مخطط أو صفقة أميركية لإنهاء القضية الفلسطينية، وإيجاد رؤية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق الرؤية الأميركية والمصلحة الإسرائيلية".
لهذا "كان من الأهمية بمكان عقد هذه القمة، خاصة قبيل القمة العربية التي ستعقد نهاية هذا الشهر، حتى تكون هناك رسالة واضحة من القاهرة، أنها لا تزال ملتزمة بالقضية الفلسطينية والمرجعيات الدولية في إيجاد حل للقضية الفلسطينية على قاعدة حل الدولتين، عقب تدهور العلاقات بين مصر والسلطة الفلسطينية"، بحسب السفير حسين هريدي.
وحول رؤية السيسي وعباس للتسوية الفلسطينية، في ظل ما نشرته صحيفة "هآرتس" عن قبول الرئيس المصري "يهودية الدولة خلال لقاء العقبة الشهير، أكد مساعد وزير الخارجية السابق، أن مصر لن تقبل بـ"دولة يهودية" مثلما أثارت هآرتس لأنها (القاهرة) لا تنوب عن الفلسطينيين في ذلك، ولن تضغط عليهم.
وشدد على أن اتفاق الرباعية الدولية و"242" وقرارات مجلس الأمن ليست بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكنها مع العرب كلهم، وكلها تنص على إلزام إسرائيل بحل الدولتين، والانسحاب من الضفة الغربية.
ما قبل الجلوس إلى مائدة المفاوضات
وكانت العلاقات الفلسطينية-المصرية شهدت فتوراً سياسياً أيضاً في الآونة الأخيرة، بسبب خلافات في تقييم الموقف حول تقديم مصر، العضو العربي في مجلس الأمن، مشروع قرار ضد الاستيطان إلى المجلس، ما دفع دولاً غير عربية لتقديمه وتمريره في مجلس الأمن نهاية العام الماضي.
كما شهدت خلافاً سياسياً عقب أنباء عن رغبة مصر ودول عربية تعديل مبادرة السلام العربية، التي صدرت عام 2002، بناء على طلب إسرائيل للتفاعل معها ضمن خطة التسوية الشاملة المطروحة، ولكن مصر فشلت في فتح باب تعديل مبادرة السلام العربية، بحسب مصدر في الجامعة العربية.
نقلا عن "هافينغتون بوست عربي"