خربشات فكرية للقراءة ... د. جمال الفاضي

الإثنين 13 مارس 2017 12:38 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

د. جمال خالد الفاضي

إن إعمال العقل من أجل استيعاب الصورة الكاملة لحركة التاريخ ومسارات الأحداث فيه واتجاهاتها، وخريطة توزيع القوى ودرجة المصالح القائمة، تشكل المدخل الطبيعي لكل من يرغب في فهم وربما تفهم طبيعة  العمل في منطقة الشرق الاوسط وهي منطقة حبلى بالتطورات والاحداث تتطلب جهداً معرفيا وذهنياً لقراءتها، ولكل من يهتم أو يريد أن آليات ومكانيزمات عملية صناعة  القرار، ونوعية التحولات الاستراتيجية  التي يشهدها عالم  اليوم وهو يسير اتجاه تغيير حتمي، وما هي السيناريوهات المستقبلية التي ستحدد شكل العلاقات بين الدول، حالات الصعود والهبوط والتوازنات، لذلك فإن توفير فهم متوازن للإمكانات الذاتية وللقوى المختلفة وأحجامها وللفرص والتحديات التي تفرزها عجلة الأحداث وحركة التاريخ، لم يأتي أو يعد من باب ترف فكري أو مجرد اجتهاد ارتجالي غير مُمأسس، وإنما يجب ان يكون ذلك نابع من ضرورات حتمية للتعاطي مع ظواهر مركبة ومتعددة يشهدها واقع اليوم بجغرافيته المتحركة وبمسار حركته التاريخية، وبالصراع القائم فيه على إعادة رسم ملامحه بما يخدم أطراف على حساب أخرى.

فالتعرف إلى الخلفيات العقائدية للإدارة الأمريكية وللبعد الأيديولوجي للسياسية الخارجية الأمريكية المزمع اتباعها في الشرق الأوسط خلال فترة الرئيس "ترامب"، بما في ذلك دوائر النفوذ داخل الساحة الامريكية وخريطة القوى الدولية في ظل عودة روسيا كلاعب مؤثر، وخرائط الإمكانات والتوازنات، وماهية عناصر التأثير في مسار الأحداث في المنطقة، أصبحت اليوم من الضرورات بل من القضايا الملحة التي يجب على الفلسطيني معرفتها، فما يحدث للقضية الفلسطينية يتداخل فيه ما هو محلي داخلي وإقليمي عربي ودولي خارجي.

لا ننكر أهمية أن يكون باب التواصل مع الولايات المتحدة مفتوحاً بغض النظر من هو الساكن في البيت الأبيض، فالكل يعلم من هي الولايات المتحدة وما هو حجم دورها العالمي، وما هي نوعية علاقاتها بأطراف الصراع خصوصاً إسرائيل، بل هنا نؤكد أن سعينا وحرصنا للتواصل مع الإدارة الأمريكية، ليس من منطلق  قوة كبرى تتواصل معنا وتستمع لنا ولوجهة نظرنا اتجاه الصراع القائم في المنطقة، والحوار والنقاش معها حول الحلول الأنسب للتخلص من صراع طويل كانت القوى الغربية أحد مسبباته، ولكن تكمن الاهمية في نجاحنا وعملنا الدائم على محاولة تفكيك بعض القناعات الامريكية تجاه تبني مواقف منحازة لإسرائيل كدولة احتلال ترفض كل القرارات الدولية والتدخلات الخارجية التي تسعى لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن يبقى السؤال: هل الولايات المتحدة هي فقط القادرة على حلحلة الأمور في العلاقة مع إسرائيل، ونحن نعلم الموقف الامريكي الثابت؟ وهل فكرة الانتظار الفلسطيني لموقف أمريكي مبررة؟ .

لعلنا نتذكر في زمن الراحل "ياسر عرفات" كيف كانت فلسطين مركز للزيارات الدولية وللوفود الدبلوماسية من كل صوب وحدب، لاستطلاع موقف فلسطيني ظل ثابتاً، ونتذكر زيارة الرئيس "كلينتون" لمدينة غزة، ونتذكر وزيرة الخارجية "مادلين اولبرايت" والكثيرين من أركان الإدارة الأمريكية، واليوم ونحن فقط لا ننتظر سوى اتصالاً هاتفياً  لا يحمل في طياته الكثير مما قد يفرحنا بأن انفراجه في الطريق، بالرغم من قناعاتنا أن الإدارة الامريكية لم تتبنى أي رؤية  للسلام ولم يتضح موقفها بعد.

منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني وهي الوطن المعنوي والسلطة الاعتبارية للكيانية الفلسطينية، وستبقى كذلك، وإلا فإن البديل هو الفوضى والتشرذم التي نحن بغنى عنها. فالمنظمة بكل ما لها وما عليها هي انجاز وطني دفع الفلسطينيون دمائهم ثمناً للوصول إليه عبر عشرات السنين، لذلك فإن المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية بحاجة إلى تكاثف جهد وطني مدرك وواعي لما يحدث في المنطقة من صراع يسعى فيه إسرائيل  إلى تهدد الوجود الفلسطيني على أرضه، وأن لا فائدة مرجوة من أي نشاط لا يتم تحت المظلة الجامعة للفلسطينيين وإن كانت هذه المظلة بحاجة للترميم والإصلاح.

المصالحة التي طالما تحدثنا وقولنا وشرحنا وناقشنا أنها أساس أي فعل فلسطيني يمكن له أن يكون ذا تأثير لموقف فلسطيني قادر على اختراق حالة الجمود التي تعيشها القضية الفلسطينية وتفكيك الموقف الإسرائيلي الذي يستثمر حالة الانقسام للتهرب من أي فرصة تعيدنا لمربع البحث عن حلول لوضع قائم لم يعد يحتمل، ودعونا نفكر بأن وجود حالة من الاختلاف في بعض الرؤى بين الفلسطينيين يجب ألا تمنع ما يمكن أن يكون عليه "توافق الضرورة" في سبيل الخروج بموقف فلسطيني موحد يعيد ضخ الدماء في حالة فلسطينية تتعرض للموت الأكلينيكي بمعرفة كل من يدعى أنه حريص على وطن وشعب انهكه الاختلاف.

العلاقة مع مصر هي بالتأكيد علاقة تاريخية، وتبقى من ثوابت الموقف الفلسطيني الدائم، ويجب أن نتوخى الدقة في الرد على موقف صدرت عنها، نعم نحزن ونعتب عليها فهي الأخت الكبرى التي طالما ارتكز ظهرنا عليها، دعونا نستمع لها ولشرح وجهة نظرها بكل اريحية وتفهم وسعة صدر وأدراك لكل المتغيرات التي أصبحت قائم في حسر العلاقة الفلسطينية المصرية. لا نريد للعلام أن يكون قناة الاتصال بيننا، ولا نريد للتصريحات  أو للهمز واللمز مكان في علاقة تاريخية كان ولازال للجغرافيا احد أهم محدداتها.

التقوقع خلف متاريس المواقف، وتغييب الاجتهاد، والادعاء اننا ثابتين على أرض رخوة، وغياب القراءة الجيدة لمسار حركة الأحداث، والتمسك بالحقيقة ذات الوجه الواحد للعلاقات الوطنية لن يجلب لنا سوى ما نحن فيه، لم نعد نحتمل الاستمرار فيها، فالفهم والإدراك لحركة التاريخ يجب أن تكون جزء من عقلية فلسطينية قادرة على الاحتفاظ لها بمكانة في معادلات هي قيد الصياغة .