أبرم في شباط الجاري ثلاثة مؤتمرات، «مؤتمر اسطنبول» باسم «المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج»، ومؤتمر طهران باسم» المؤتمر السادس لدعم الانتفاضة «، ومؤتمر القاهرة باسم «مؤتمر الشباب الأول». ثلاثة مؤتمرات أراد مدبروها وداعموها التدخل السافر في الشأن الفلسطيني واستخدام القضية الفلسطينية في الاستقطاب والنفوذ وتحسين الشروط والمساومات، ولا يهم المؤتمرون إذا كان تدخلهم سيؤدي الى تقاسم وتقسيم الشعب الفلسطيني وتكريس انقسام حركته السياسية لمصلحة أصحاب المؤتمرات الثلاث وأجنداتهم. هؤلاء الذين يريدون أخذ حصة كبيرة أو صغيرة من القضية الفلسطينية بأي ثمن وحتى لو أدى ذلك الى إضعاف الممثل الشرعي «منظمة التحرير» سياسيا أمام معسكر - نتنياهو بينيت ليبرمان - الذي يتولى مهمة ضم الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس وفرض حل الفصل العنصري الاستعماري. لا يوجد من بين الاهداف غير المعلنة وهي الاهداف الحقيقية للمؤتمرات الثلاثة، دعم خلاص الشعب الفلسطيني من الاحتلال وتمكينه من تقرير مصيره في زمن التوحش الاسرائيلي والعالمي وعزل ومعاقبة دولة الاحتلال. ما هو مشترك بين المؤتمرات الثلاثة هو شطب التمثيل الفلسطيني (المنظمة ) وإن كان بصيغة وضع شروط تؤدي إلى استبدال برنامج بآخر وقيادة بأخرى من خارج الارادة والوطنية الفلسطينية المستقلة.
مؤتمر اسطنبول الذي نظمته حركة حماس بدعم من تنظيم الاخوان المسلمين ودولة اردوغان، طرح مواقف جذرية جدا، «كحق العودة الى كامل أرض فلسطين التاريخية من البحر الى النهر»، والحق الكامل غير المنقوص للشعب في تحرير وطنه وإقامة دولته على كامل ترابه وعاصمتها القدس، وحدة الشعب على قاعدة الالتزام ببرنامج المقاومة والميثاق القومي والميثاق الوطني ، وإخراج منظمة التحرير من اتفاق أوسلو، وعلى صعيد تنظيمي : يقرر المؤتمر أنه إطار شعبي جامع لتفعيل دور فلسطينيي الخارج»، وله هيئة عامة وأمانة عامة ومقر في بيروت، ويدعو البيان في مقدمته إلى تحويل المؤتمر الى مؤسسة شرعية. ليس من الصعب التناقض في مخرجات المؤتمر. فراعي وداعم المؤتمر والبلد المضيف تركيا تربطه بدولة الاحتلال اتفاق تعاون اقليمي ينسجم مع الرؤية الاسرائيلية للصراع، بخاصة فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس وتحويل سلطة حماس في غزة الى دويلة بديلا للدولة الفلسطينية، وليس أقله وضع قيود على كوادر حماس التي لها صلة بالمقاومة. لا يستقيم القول في العلن» فلسطين من البحر الى النهر»، وفي الخفاء دويلة في أصغر بقعة جغرافية من فلسطين». كما لا يستقيم اعتماد المقاومة المسلحة لتحرير كامل فلسطين التاريخية في بيان المؤتمر، واعتماد هدنة على الأرض يجري التفاوض لتحويلها الى هدنة طويلة الامد، وكأن التحرير الكامل سيتحقق بسلاح الهدنة! كما لا يستقيم موقف إخراج منظمة التحرير من اتفاق أوسلو في بيان المؤتمر، مع مشاركة حماس في سلطة أوسلو عبر»المجلس التشريعي وحكومة الوفاق والوزارات والاجهزة الامنية والموظفين والموازنات بما في ذلك رواتب أعضاء المجلس التشريعي المنتمين لحركة حماس». ولا يستقيم تحويل المؤتمر الى مؤسسة شرعية والدعوة الى انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة لانتخاب مجلس وطني جديد، لا تستقيم الديمقراطية المنشودة مع اختيار أعضاء مؤتمر اسطنبول من لون سياسي واحد تقريبا واعتبار ذلك يمثل الشتات الفلسطيني. بعد كل هذا يمكن القول ان هذا المؤتمر هو الحلقة الثانية من الانقسام الذي قامت به حركة حماس عام 2007 . وكما اخفقت حماس في الحلقة الاولى لن يكون مصير الحلقة الثانية افضل، مع فارق ان حركة حماس وتنظيم الاخوان يضعفون المنظمة لمصلحة المشروع الاسرائيلي الاقليمي لتصفية القضية الفلسطينية.
أما مؤتمر طهران، فقد جاء في سياق استعداد ايران لمواجهة تهديد ترامب ونتنياهو بمشاركة دول عربية، واحتمال انفراط اتفاق 5+1 والعودة الى الحصار والعقوبات وعودة الخيار العسكري. ما يهم ايران هو امتلاك اوراق ضغط والزج بها في الصراع لتحسين شروطها التفاوضية وفي الميدان ان اقتضى الامر، وفي هكذا وضع فإن الاستحواذ على شراكة فلسطينية يعتبر مهما لجذب التأييد والتعاطف. وإذا كانت ايران واضحة الاهداف والمرامي الخاصة بها، فأين المصلحة الفلسطينية في دخول حرب تحسين المواقع والنفوذ. من المنطقي ان لا يكون الشعب الفلسطيني مع دولة الاحتلال الماضية في تدمير حقوقه الوطنية والمدنية وتهديد وجوده وكيانه الوطني، بل سيكون في كل اصطفاف مضاد لدولة الاحتلال، ومع كل تحالف يؤدي الى انهاء أو إضعاف الاحتلال. هذا الموقف الموضوعي يختلف عن استخدام ايران القضية الفلسطينية «كورقة» وضرب المصالح الفلسطينية عرض الحائط. نحن بحاجة الى إعادة تعريف المقاومة المسلحة كأداة لتحقيق الاهداف الوطنية كي لا توظف لاهداف أخرى. وإذا كان امتلاك أسلحة للدفاع عن الشعب، وتحويل الاحتلال الى قضية خاسرة بالترافق مع تقليل خسارة الشعب بمستوى محتمل، إذا كان هذا النوع من المقاومة طبيعي ومشروع، فإن دخول مقاومة تفتقد للحد الادنى من السلاح ولبنية تحتية ومقومات صمود «ملاجىء» وكهرباء وماء وغذاء وبترول ودواء، دخول حرب مواجهة مع جيش مدجج ومحترف يعتبر مقامرة بحياة ومصالح المواطنين، ولا يؤدي الى التحرر من الاحتلال. لقد خسر الشعب كثيرا من أسلوب المواجهة غير المتكافئة مع آلة الحرب الاسرائيلية، ولا يعوز إعادة التجربة المريرة، وبخاصة إذا كان دخول المقاومة الفلسطينية الحرب لدواعي أهداف تحسين شروط ايران الإقليمية.
ويبقى مؤتمر الشباب الذي عقده محمد دحلان في القاهرة، لا يوجد غير تعليق واحد على هذا المؤتمر المُصَنَّع : ليذهب دحلان والداعمون له الى تأسيس تنظيم جديد باسم جديد، وليغدقوا عليه الاموال والخبرات الامنية واللوجستية، وحينها ليكشف عن عضلاته في حشد المناصرين. أما ان يحاول اللعب على تنظيم فتح ، فهذا تخريب، ومحاولة مفضوحة لخدمة أجندة إقليمية ليس لها أي حظ من النجاح
إذا كانت المؤتمرات الثلاثة تجسد التدخل السافر في الشأن الفلسطيني، فإن هذه التدخلات جاءت على خلفية ضعف المنظمة وضعف مؤسساتها التي لم تجدد بالكفاءات والخبراء، ولم تتجاوز نظام الكوتة المتهالك، ولم تحدد الأولويات بناء على حاجة المواطنين والتجمعات، ولم تطلق المبادرات التي تشرك الناس في حل المشكلات وفي الاضطلاع بالمهام. التدخل جاء استنادا لحالة ضعف وترهل المنظمة، ولواقع يقول لا مكان للضعفاء في عالم التوحش، من المفترض التوقف عند الأسباب الداخلية التي تتلخص في ضعف المنظمة الذي ما عاد يحتمل الانتظار.والرد لن يكون إلا باستعادة ثقة الناس وبإشراكهم في الدفاع عن الوطنية الفلسطينية وفي حل مشكلاتهم، والحل يبدأ بالتغيير. فاذا لم نتغير استنادا للمصلحة العليا، فسيأتي من يغيرنا بناء على مصالحهم الخاصة فقط .
Mohanned_t@yahoo.com


