من حق كل فلسطيني أن يغار على منظمة التحرير، وأن يرفع صوته للذود عن حياضها وحماية عرينها، ولكن السؤال أين هي منظمة التحرير اليوم؟ ألم يتم تجاهلها وتغييب مؤسساتها؟! ألم تطالب حركة حماس ومعها حركة الجهاد الإسلامي منذ يناير 2006 بالانضمام إليها، والعمل على إصلاحها وإعادة بنائها، كخطوة لترتيب البيت الفلسطيني، وتعزيز قدرات مشروعنا الوطني؟ ألم يتم الاتفاق على الكثير من المواعيد لبدأ انطلاقة توحيد الجهود تحت عباءة منظمة التحرير ثم سرعان ما يتم التنكر لها؟! ألم يلحظ المتابع لشؤننا السياسية أنه لم تعد هناك - عملياً - مؤسسة فاعلة ترعى تجمعات اللجوء والشتات الفلسطيني؟ فمن هو المسئول عن تغييب هذا الدور، وطمس معالم هذا الصرح الشامخ، الذي كان عنواناً لمسيرة شعبنا النضالية منذ الستينيات؟!!
أسئلة كثيرة تطرح نفسها في هذا السياق، وإن كانت هذه التساؤلات وعلامات الاستفهام يجب توجيهها إلى القيادة السياسية الرسمية، فإن لديها إجابات، وربما نجد عندها الخبر اليقين.
لغة الاعتراض: هرطقات وضجة مفتعلة
يستغرب الواحد منا هذه المناكفة الإعلامية التي حاولت فيها أطراف تابعة للسلطة الفلسطينية التحريض والتشهير بالمؤتمر، والذي حاول من خلاله الألاف من فلسطيني الشتات استعادة زمام المبادرة بالتأكيد على هويتهم وانتمائهم الوطني، والتي – للأسف - تعمل جهات فلسطينية رسمية على طمسها وتغييب حضورها.!!
إن ثقل الشتات الفلسطيني، وخاصة في الغرب، هو ورقة ضغط قوية تمَّ تجاهلها لدى مؤسساتنا الرسمية، ولم يعد هناك داخل منظمة التحرير من يسعى لاستثمارها وتحريكها، ومحاولة الاستفادة من قوتها وتأثيرها، وعندما قام من بين قيادات الشتات من يهدف للتحرك وجمع الشمل وتنظيم الصفوف، خرجت علينا ألسنة المشككين والرداحين للإساءة للأهداف النبيلة التي من أجلها انعقد هذا المؤتمر في استانبول، ليلتقي هذا العدد الكبير من خيرة أبناء شعبنا من فلسطيني الشتات لتحديد الرؤية ومعالم الطريق، وتصويب البوصلة، ورسم ملامح المرحلة القادمة، والتي بدت تعلو فيها أصوات التحذير، وتتضح فيها المخاوف من ضياع القضية، لتعاظم حجم التآمر والكيد الصهيوأمريكي، ولقصر نظر قيادتنا السياسية، وفشلها في توحيد الصف الفلسطيني، وعجزها – للأسف - عن تقديم مواقف جادة تعكس حرصها الصادق على تحقيق المصالحة، وتعجل بإنهاء الانقسام بحكمة واقتدار.
لقد كان مشهد الحضور الذي بلغ حوالي ستة ألاف فلسطيني شاركوا في المؤتمر، وجاءوا يشدون الرحال من كل فجٍّ عميق إلى هذا اللقاء، لتأكيد دعمهم لما يهدف له المؤتمر من إيجاد إطارٍ جامع لتنظيم تحركاتهم، وتأطير قوة الفعل لديهم، بالشكل الذي يحفظ حقهم وحق أبنائهم في مشروع التحرير والعودة .
لقد ذكرني هذا المؤتمر المنعقد في استانبول بسعة الحضور وقوة التنظيم والإعداد بمؤتمرات أخرى شبيهة كنا نقيمها في أمريكا في الثمانينيات والتسعينيات تحت مظلة "الاتحاد الإسلامي لفلسطين"، و"لجنة فلسطين الإسلامية"، من أجل اجتماع أبناء جاليتنا الفلسطينية هناك، والموزعين على ساحات الولايات الأمريكية الخمسين، فكانت بالنسبة لنا ولعائلاتنا مناسبة لنتذكر الوطن بكل همومه ومعاناة أهلنا فيه، وما هو المطلوب منا لتعزيز صفوفنا والتخفيف من آلام شعبنا في معسكرات اللجوء في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك في المخيمات المنتشرة في سوريا والأردن ولبنان.
إن الكل في الشارع الفلسطيني يعلم بأن السلطة الوطنية قد تعمدت تهميش منظمة التحرير، ولم يعد للمنظمة ومؤسساتها – للأسف - من دور، حيث آلت الأمور كلها بيد شخص واحد هو سيادة الرئيس، الذي أصبح هو الحاكم الناهي، وغدت مواقفه وسياساته تلخصها – للأسف - عبارة "ما أريكم إلا ما أرى".!!
المؤتمر: بين التأييد والمعارضة
إن مؤتمر فلسطينيي الخارج هو حركة مباركة وصحوة واعية للاستفادة من طاقات شعبنا في الشتات، بهدف التدارك واستنقاذ ما يمكن استنقاذه من مشروعنا الوطني، وإعادة ترتيب بيتنا الفلسطيني، وتوظيف قدرات فعله في الغرب على وجه الخصوص لصالح قضيتنا، التي أوشكت على الشطب والغرق في بحر خلافات أمتنا وصراعاتها التي أذهبت مكانتها، وكسرت شوكتها، وشجَّعت أعداءها للتداعي - بجرأة واستهتار - على قصعتها .
إن ما قرأناه في بيان المؤتمر يعكس وعياً وطنياً ونضجاً سياسياً متقدماً، وتكفي هنا الإشارة إلى بعض ما أورده البيان للرد على أولئك الذين حاولوا التشكيك في نوايا القائمين على أمر المؤتمر.. لقد جاءت التأكيدات على الشكل التالي:
- يؤكد المؤتمر دور الشعب الفلسطيني في الخارج في دعم صمود ومقاومة شعبنا وانتفاضته في الداخل ضد الاحتلال الصهيوني، وفي كسر الحصار الجائر عن شعبنا في غزة.
- يؤكد المؤتمر أنّ الشعب الفلسطيني جزء أصيل من الأمة العربية والإسلامية، ويعتبر حقوقه الثابتة ومصالحه المشروعة امتدادًا للمصالح القومية العربية والاسلامية، ويدعو إلى تعزيز الدور العربي والإسلامي والعالمي في الوصول إلى الحقوق الثابتة التي حُرم منها الشعب الفلسطيني منذ سبعين عاماً.
- يؤكد المؤتمر أن شعبنا الفلسطيني خارج فلسطين ليس طرفاً في التجاذبات الإقليمية في دول الطوق، ويطالب المؤتمر بتحييد المخيمات الفلسطينية في المنطقة حيث وجدت عن دوائر الصراع فيها، وسيوُلي المؤتمر عناية خاصةٌ بأفواج اللاجئين من شعبنا حول العالم.
وإذا كان البعض - لحاجة في النفس - حاول الإشارة بطرف خفي بأن حركة حماس هي من يقف خلف ترتيبات المؤتمر، فليس في هذا ما يقلل من عظمة أهدافه ونبل غاياته، وكل ما يرفع من شأن حركة حماس، كحركة تحرر وطني، لم تهمل ساحة فلسطينيي الشتات، بل تعمل على تفعيلها، ودفعها إلى ساحة الفعل والإنجاز الوطني.
إننا نقول لإخواننا في السلطة الوطنية: كفى اعتراضاً وتشكيكاً بكل جهد وطني أو إسلامي يسعى لملء فراغات السلطة، والغياب الملحوظ لأي دور أو حراك لمنظمة التحرير في الداخل والخارج .
للأسف؛ لم تفعلوا شيئاً لانتفاضة الأقصى وتعزيز صمود أهلنا في القدس، لكنكم وبدون وجه حق اعترضتم على مؤتمر طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية!!
للأسف؛ لم تقدِّموا ما ينهض بشبابنا الفلسطيني، وتركتموه يتخطفه التيه وتذروه الرياح، وعندما تقدم النائب محمد دحلان بمدِّ أشرعته لتجميع بعض صفوف الشباب الفتحاوي، فتحتم عليه الماكينة الإعلامية لتشويهه والتحريض عليه!!
واليوم، للأسف؛ اطلقتم بالتشهير ألسنة حداد على مؤتمر فلسطينيي الخارج، وأنتم لم تفعلوا لهم ما يحفظ هويتهم، وتركتموهم لغائلة الاغتراب، وعطلتم ما كانوا يعتبرونه دائماً مرجعيتهم الوطنية، ألا وهي منظمة التحرير.. في المقابل، لم يشاهدوا انشغالاتكم إلا بلقاءات لا تنقطع مع أعداء قضيتنا، ومتابعات فاضحة لمسائيات الغناء في "أرب أيدل".!!
فهل يلام هؤلاء إذا عملوا على تنظيم صفوفهم واستعادة زخم قضيتهم؟! وهل المطلوب هو الاستخفاف بعقولهم، عملاً بالمثل الشامي: " صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تاكل، وكول لما تشبع!!!".
يا سيادة الرئيس: ابحث لك عن بطانة أفضل تنصح لك، فإن أغلب من حولك هم بلا بوصلة أو رشاد، ولا يرى شارعنا الفلسطيني في فعل أكثرهم إلا الدنيِّة والفساد.


