نشرت صحيفة «هآرتس»، الأربعاء الماضي، مقالاً لزعيم المعارضة الإسرائيلية، إسحق هيرتصوغ، يَشرح فيه رؤيته لعملية السلام مع الفلسطينيين.
مشروع هيرتصوغ تضمن عشر نقاط: تأكيد مبدأ حل الدولتين كهدف لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. عشر سنوات خالية تماماً من الإرهاب والتحريض مدعومة بقرار من مجلس الأمن بذلك وبآلية لمراقبته. خلال هذه السنوات تقوم إسرائيل باستكمال الجدار حول القدس والكتل الاستيطانية القائمة. وقف بناء مستوطنات جديدة خارج الكتل الاستيطانية إلا لغايات أمنية. إعطاء صلاحيات مدنية للسلطة الفلسطينية في بعض مناطق (ج)، خصوصاً القريبة من المدن الفلسطينية. السلطتان في رام الله وغزة يمكنهما الاتحاد وإعلان دولة بحدود مؤقتة. إسرائيل تحتفظ بسيطرتها الأمنية على كامل الضفة خلال السنوات العشر، بافتراض الهدوء التام خلال هذه السنوات تبدأ مفاوضات الحل النهائي دون شروط مسبقة لإنهاء الصراع. العرب خلال هذه السنوات سيشجعون علناً وبقوة هذه المبادرة ومن أجل ذلك سيقومون مع إسرائيل ببناء مؤسسات مشتركة هدفها التنسيق في قضايا الأمن والاقتصاد والمياه والحركة. مكافأة لهم (للعرب) على ذلك، إسرائيل ستجعل من القدس مركزاً لهذه المؤسسات المشتركة.
يجب الاعتراف بأن هنالك فرقاً بين زعيم المعارضة الإسرائيلية وبين نتنياهو، زعيم التكتل الحاكم في إسرائيل.
الأول يريد حل الدولتين لأنه الوحيد الذي يُنقذ إسرائيل من «فيروس» الديموغرافيا الفلسطينية. لهذا لا يمانع بإعطاء الفلسطينيين بعض الصلاحيات المدنية تمكنهم من توسيع مدنهم، ولا يمانع أيضاً في وقف الاستيطان خارج الكتل الاستيطانية القائمة.
الثاني يرى أن ما هو قائم حالياً هو الحل للصراع مع الفلسطينيين ولا داعي لحلول أخرى. وبالتالي يمكن الاستمرار في بناء المستوطنات في «يهودا والسامرة»، والتركيز على دعم اقتصاد السلطة حتى لا تنهار.
هذه الفروقات بين الاثنين تختفي إذا ما أخذنا حجم المشترك بينهما.
كلاهما، هيرتصوغ ونتنياهو، يريد للمفاوضات أن تبدأ من الصفر وأن يتم تجاهل مفاوضات كامب ديفيد السابقة ومبادرة كلينتون والمفاوضات مع أيهود أولمرت.
كلاهما يرفضان أن تكون حدود الرابع من حزيران العام 1967 أساساً للمفاوضات.
كلاهما لا يريد للقدس أن تكون ضمن المفاوضات لأنها عاصمة إسرائيل الأبدية.
كلاهما يريد سيطرة أمنية مطلقة على الضفة الغربية وعلى حدودها مع الأردن وعلى أي معابر للفلسطينيين مع الخارج وتحت أي ظرف.
كلاهما يرفض الحديث عن قضية اللاجئين الفلسطينيين لأن إسرائيل لا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد. كلاهما يعتبر المستوطنات القائمة داخل جدار الفصل جزءاً من إسرائيل وهي مسألة في تقديرهم مفروغ منها وليست خاضعة لأي مفاوضات.
كلاهما يعتقد أن الهدف من المفاوضات يجب أن يكون تقرير مصير مناطق (ج) في الضفة، ولأنها خاضعة للتفاوض، لا يمكن للفلسطينيين أن يتوقعوا الحصول عليها جميعها ولكن على أجزاء منها مقابل السلام الدائم مع إسرائيل.
مبادرة هيرتصوغ لا تستجيب لأي من تطلعات الشعب الفلسطيني وهي لا تختلف عما يريده نتنياهو، وهذا يدفعنا للتساؤل عن الهدف من طرحها.
في اعتقادي يوجد سببان لمبادرة هيرتصوغ لا علاقة للفلسطينيين بهما.
الأول أن زعيم المعارضة الإسرائيلية يرى فرصة لتحالف عربي ـ إسرائيلي علني هدفة الأول والأخير مواجهة إيران وحزب الله و»حماس» في المنطقة عسكرياً.
إسرائيل لا تستطيع القيام لوحدها بهذه المهمة وتريد شراكة مع «العرب» من أجل ذلك. هذه الشراكة لا يمكن أن تكون سرية لأنها لا تتضمن فقط تنسيقاً أمنياً يمكن القيام به بزيارات سرية أو عبر الهاتف، بل تحتاج أعمالاً عسكرية مشتركة في منطقة شاسعة مساحتها سورية ولبنان والعراق واليمن وغزة.
العرب لا يمكنهم الدخول في شراكة علنية مع إسرائيل إذا استمرت الأخيرة في رفضها لمبدأ حل الدولتين. على الأقل هم يريدون القول إن المفاوضات مع الفلسطينيين قائمة وأن نتيجتها، حتى لو كان ذلك بعد عشر سنوات أو أكثر، هو حل الدولتين.
مبادرة هيرتصوغ هي بالتالي أشبه «بِعَظْمَة» يتم إلقاؤها للعرب لتسهيل دخولهم في تحالف علني مع إسرائيل. لكنها عَظمَة بلا لحم لأن هيرتصوغ يعلم أن مضمون الحل مع الفلسطينيين لم يعد مهماً من الجانب العربي، وأن ما يهم هو القول: إن هنالك عملية سلام قائمة ومفاوضات ستؤدي في نهاية المطاف إلى حل سياسي.
نقول ذلك لأن صحيفة «هآرتس» كشفت عن أن العرب المجتمعين «سِراً» بالعقبة في شباط العام 2016 لم يعترضوا على يهودية إسرائيل الواردة في مقترح كيري. وأن أحدهم رفض طلب كيري الضغط على إسرائيل من أجل القبول بمبادرته قائلاً: إن سياسة الإقناع والتفاهم أجدى من الضغوط. والمجتمعون جميعاً باستثناء كيري، صاحب الدعوة للاجتماع، أبدو اهتماماً أكبر بخطط أوباما في مواجهة إيران و»تقاعسها» في سورية أكثر من اهتمامهم بالقضية الفلسطينية التي تم جمعهم من أجلها.
السبب الثاني هو أن هيرتصوغ يريد أن يُسَهّل على نتنياهو مشروع تشكيل حكومة وحدة وطنية إسرائيلية. لذلك لا يوجد في خطته المقترحة أي بند يدفع نتنياهو للاعتراض عليها. تجميد الاستيطان خارج الكتل الاستيطانية اقترحه نتنياهو في قمة العقبة لكنه تراجع عنه لاحقاً. المعنى أن نتنياهو لا يمانع في تجميده إذا كان الاستيطان سيستمر في القدس والكتل الاستيطانية وأن السيطرة الأمنية ستستمر على الضفة وأن مناطق (ج) وحدها هي موضوع التفاوض، وبعد عشر سنوات.
الرئيس الأميركي مهّد لخطة هيرتصوغ في مؤتمره الصحافي مع نتنياهو، وأعلن في ولاية فلوريدا أنه سيقيم مناطق آمنة في سورية والعراق واليمن بأموال الخليج العربي، والعرب من جانبهم رحبوا بمشروع ترامب وأعلنوا العزم على المشاركة بقوات «النخبة».
المفاوضات التي تجري بعيداً عن الإعلام تتعلق بدور إسرائيل في كل ذلك، وحتى يكون لها دور علني، يجب المرور على فلسطين، حتى لو كان ذلك تلويحاً من الجو وبأصبع اليد الأوسط.


