ويسألونك عن التطرف !!! سحر ياغي

الجمعة 10 فبراير 2017 09:54 م / بتوقيت القدس +2GMT



ان يكون عمركِ قد قارب على الاربعين وقد أنهيت دراستك وتعملين، وتزوجت وام لطفلين أو أكثر، ثم يأتي  شاب صغير ليقول لكِ" لو سمحتِ (مؤدب جداً!!!) لا تجلسي بشكل منفرد مع أحد الشباب" يقول هذا رغم أنك تجلسين مع زميلك بشكل عادي وفي مكان عام أمام جميع خلق الله.

أي ثقافة وسلوك ووعي مخزٍ هذا! اي خافية تلك التي لا تنظر إلى المرأة التي تعطي وتشارك وتعمل وتعلم وتربي وتقاوم وتضحي وتحلم وتأمل وتتألم  إلا من منظور مضمر هابط!.

ما المشكلة يا ترى عند هؤلاء في أن تجلس امرأة أو فتاة مع زميلها في العمل أو الدراسة أو بحكم الجيرة أو بحكم صداقة إنسانية تشكلت في سياقات الحياة  الطويلة في مكان عام؟ هل مطلوب منهما أن يوجها دعوة إلى حشد العابرين ليجلسوا معهما كشهود وليثبتا كمتهمين براءتهما؟ اين هو ما يسمى "خدش حياء" المجتمع في هذا السلوك العادي؟ وما الذي يجعل من هذا السلوك ظاهرة تتنافى مع سياسة المكان!؟... وبالمناسبة ما هي بالضبط "سياسة المكان!" ما المقصود بها ومن يحددها؟

من قال أن المرأة أو الفتاة حتى لو جلست في مكان عام  لوحدها  .. أو وهي تسير في الشارع أو السوق أو تستخدم المواصلات العامة فإن ذلك سيحميها من نظرات وخيالات وتحرشات رجل أو شاب لا يفكر إلا في رغباته!؟.  

متى سيفهم هؤلاء أن لا  قوة تحمي المرأة إلا وعيها لذاتها وما يحيط بها من قيم احترام واعتراف بحريتها وخصوصيتها ودورها، وأن أي رقابة هي رقابة تنبع من الذات لا من العيون التي تلاحقها باستمرار

 ألا يدرك هؤلاء أن مجرد التوجه والحديث في هذا الأمر لا يعني سوى شيئا واحدا: أن ما يسكن عقل ووعي هذا النمط من الرجال لا يتجاوز دائرة  ما يفكرون به هم، وبأنهم مشغولون بهذا الأمر إلى الدرجة التي بات معها يحكم سلوكهم.  

أي حاضر ومستقبل سيكون لأبنائنا وبناتنا وشبابنا ونحن نقتل بهم الثقة بأنفسهم ونعلمهم الخوف الدائم من الآخر..الأقرب إليهم!

متى سيدافع الرجل عن نفسه في مواجهة الزاوية المقيتة التي  يصرون على حشره فيها  باعتباره مجرد "انسان" منفلت في سلوكه وغريزته ولا يملك أي قدرة على التمييز والضبط والاحترام، وأن كل ما يشغل باله لا البلد ولا الناس ولا تحديات الواقع وتحديات الحياة وأهوالها، ليس هناك ما يشغله سوى تلك النقطة فيدور حولها ولا شئ آخر يفعله!

متى يعلن الرجل بالكلمة والسلوك أنه أجمل وأعمق وأكثر احتراما لنفسه من مجرد مخلوق تعصف به رغبته وغريزته، وأن كل ما يحتل وعيه وعلى مدار الساعة واليوم والعمر هو وجه المرأة أو طرف شعرها أو صوتها... فتجعل منه مسعورا لا عقل له.!؟

هذا الوعي باسم "الأخلاق والتدين الجاهل " يهبط  بالنساء إلى مجرد طبق حلوى وبالرجال مجرد ذباب يحوم حول ذلك الطبق!  المشكلة هنا أنه يتم دائما لوم "طبق الحلوى" ولا ينتبه أحد لقذارة "الذباب".

نثق بالرجل لكوننا نعرف كم هو جميل بذاته وبدوره وبوعيه وبعقله هو شريك الحياة والوطن والنضال والعمل وبناء الأسرة، ونعرف كم هي الأعباء التي يواجهها هائلة، ولا يضيرنا أن نجلس معا ونمشي معا ونتحاور معا ونعمل معا ونناضل معا ونبني أسرة معا.. وأيضا أن نصد معا كل هذا الفكر المتهافت.

أما الرجل الذي لا يثق بنفسه، ويخشى عليها من "الفتنة" التي تشغل يومه، فليجلس في بيته.

نعم يحدث هذا  وأكثر وفي النهاية يسألون باستغراب ودهشة: من أين يأتي التطرف!؟.