بقلم : ران أدليست – معاريف
ليس واضحا كيف سيؤثر نشر تقرير “الجرف الصامد” على الانتخابات. واضح بالتأكيد كيف سيؤثر التقرير على نظرية القتال في الجيش الاسرائيلي اذا كان بينيت وليبرمان هما اللذان سيديران الحكومة التالية. فقد أوضح هذان الرجلان ذلك منذ الان. وخذوا لقمة: ندوة معهد بحوث الامن القومي بدأت بالضبط في يوم نشر مقتطفات عن بينيت من التقرير في “يديعوت احرونوت” والربح الذي جناه في صيغة “حذرت… نبهت… عرفت…”. وعقب باقي اعضاء الكابنت على هذا التسريب كل بطريقته، اي كل واحد توجه الى جمهوره. بما في ذلك ليبرمان، الذي كانت مساهمته في مداولات الكابنت أقل من مساهمته في تدريبات التنس خاصته.
في ندوة المعهد بصفته وزير الجيش ارتبط ليبرمان ببينيت. وهذان الاثنان اعادا كتابة نظرية الامن القومي الجديدة هناك كدرس من احداث “الجرف الصامد”. نظرية تختلف تماما عن نظرية المنطق ونظرية القتال في الجيش الاسرائيلي، وفي توافق تام مع نظرية القتال في سبيل أصوات اليمين. فقد قال بينيت في الندوة انه “انهار المفهوم الامني الجامد. علينا أن ننتقل الى مفهوم امني جديد، فلا جمود ومراوحة في المكان بعد اليوم، بل انتصار واضح ومطلق”. اما ليبرمان فسار في خطاه وقال: “اذا نشبت حرب، فاني لن آمر الجيش الاسرائيلي بان يعمل في ثلث قدراته، بل بقوة كاملة. وهذا لن يتوقف الا عندما يرفع العدو علما أبيض”، صرح الاستراتيجي ليبرمان، اما التكتيكي ليبرمان فأضاف: “هذا ليس تصريحا من الشفة الى الخارج وهو يجب أن يجد تعبيره أيضا في تغيير الخطط العملياتية للجيش”.
أفترض أن الأمر العملياتي لليبرمان سيكون شيئا مثل: خمسين طائرة تقصف من فوق، عشرين بطارية مدفعية تضرب بلا رحمة، ثلاث فرق مدرعة تدوس على كل ما يتحرك، والقوات الخاصة تقتل هنية.
هذه دعاية مجردة، وكأن الهدف هو “انتصار مطلق” ما و “علم أبيض”، وليس مهما لماذا (هدف الحرب) وكم (ضحايا). كنت في القاعة، احد لم يضحك، وليس لان هذا ليس سخيفا. على احد ما أن يشرح لهم بان للانتصار بكل ثمن يوجد دوما ثمن، وفي حالة غزة ثمن الانتصار العسكري هو هزيمة سياسية، وطنية واخلاقية. أما الخلاصة فجاء بها بوغي يعلون، الذي روى عن حكايات بينيت في الندوة جزء من الحقيقة فقال: “من سعى، بعد اختطاف الفتيان في غوش عصيون، الى تصعيد مقصود في غزة نهايته التدهور الى حرب ضد حماس كان صقور الكابنت، بينيت ووزير الخارجيه في حينه افيغدور ليبرمان، اللذين ساهما في التورط في حرب”.
واو!!! أقترح أن نقرأ هذه الجملة مرتين. بوغي يتحدث عن “تصعيد مقصود”، بمعنى أنه لم تكن حماس هي التي بدأت لانها تريد أن تبيد دولة اسرائيل، بل نحن بدأنا كي نتسبب في حرب. او بلغة بوغي: “بينيت دفع نتنياهو لان يقر اعتقال عشرات السجناء المحررين من صفقة شاليط في الضفة الغربية، وهكذا دفع مواقف حماس في القطاع الى التطرف”.
نظر الى الوراء: في اثناء القتال ادعيت في هذه الصفحة بان الجيش الاسرائيلي انجر الى الحرب بسبب الركبة بالمجان التي قامت بها المخابرات على الحملة للعثور على الفتيان الثلاثة المخطوفين. فحملة “القضاء على حماس في الضفة”، والتي تضمنت اعتقالات جماعية وهدم عيادات, غرف دراسية ومكاتب نشطاء سياسيين، ادت الى تنقيط الردود من القطاع، الطيار الاتوماتيكي لسلاح الجو رد بضربة مضادة عديمة التوازن نالت تنقيطا مضادا، وهكذا بدأت الدوامة التي ادت الى حرب لم تكن ضرورية لاحد. باستثناء اليمين الاستيطاني، حيث الدم المتدفق يغذي آلة التوتر الامني ويمنع النقاش الحقيقي على تسوية سياسية.
بوغي بالمناسبة دعي بانه كان بينيت هو الذي “ضغط على بيبي”، على حد قوله. ولكن من نقل الحملة الى رئيس الوزراء كان يورم كوهين رئيس المخابرات ونائبه روني ألشيخ. لو كنت أعنى بالمؤامرات، لكنت اقول انه مثلما تسكع بينيت مع معتمري الكيبا في الجيش الاسرائيلي (عوفر فينتر قائد لواء جفعاتي) كي يجمع المعلومات ويدفع نحو استمرار الحملة البرية، هكذا كان منسقا، ربما عقليا، مع كوهين وألشيخ.
بوغي الغاضب كشف في الندوة ايضا عن ليبرمان: “كوزير خارجية أصر على منع خطوة بوساطة الامم المتحدة تستهدف ضخ المال القطري الى القطاع وهكذا انقاذ حماس من الضائقة الاقتصادية الصعبة”. وبالفعل، في بداية الحملة حاول روبرت سيري، مبعوث الامم المتحدة، ان ينقل الى القطاع بشكل علني 20 مليون دولار من قطر لتهدئة الوضع وللتخفيف عن مواطني القطاع. اما ليبرمان فطلب طرده. وأيدت المخابرات من جهتها ليبرمان مع مبرر لان “سيري هو جهة مثيرة للاضطرابات”، والباقي مكتوب في المقابر في القطاع وفي إسرائيل.
وبعد كل شيء، فان ما أقلق يعلون، في مكان نقص السياسة، هو تسريبات بينيت. وحله هو آلة فحص الكذب لاعضاء الكابنت ما يثبت بانه لا يميز حقا بين التسريب والفكر، بين يمينه وبين يساره.
الاجندة الخفية
اذا كان ثمة معنى للانشغال بالجرف الصامد، فان الانفاق هي الجزء الهامشي في عملية استخلاص الدروس التي يفترض بتقرير المراقب ان يوقظها. احد باستثناء صيادي الاصوات في اليمين لا يهمه من قال ماذا في الكابنت. المهم هو أن الجيش الاسرائيلي لم يعرف، حتى اليوم، ما هي سياسة حكومة اسرائيل حيال القطاع الاشكالي والمعتمل.
كي لا يتفجر القطاع، قررت الحكومة حصارا بحريا وبريا “محسوبا”، اي أن يعانوا ولكن ليس لدرجة أن يثوروا، واذا ثاروا فضد حماس وليس ضدنا. وهذه حقارة صرفة. اذا كان هدف سياسة الحكومة هو الثورة ضد حماس وسيطرة المتعاونين معنا (واعادة نازحي طرد غوش قطيف الى البيت الذي وعدهم به الرب)، فليس له احتمال أن يتحقق. فالاجندة الخفية لقرار الحكومة هو الابقاء على مستوى ثابت من التوتر (عندما يطلقون النار لا نتحدث) كي لا تجري مفاوضات.
عاموس يدلين، الذي كان مضيف الندوة، يدعي بان حماس بادرت الى المواجهة في الجرف الصامد والهدف في الكابنت كان “جد منخفض: الهدوء مقابل الهدوء. لم تستغلوا الفرصة”، وبخ الكابنت، “حين ارتكبت حماس خطأ ودخلت في مواجهة معنا، كي تعالج التعاظم المستقبلي لحماس، وربما اسقاط حماس، والتأكد من أن حماس في النهاية لن تتعاظم والشعب الفلسطيني يسير في اتجاه اجسام واحزاب تريد مسيرة سياسية وليس مسيرة ارهابية. لم يكن هنا تفكير استراتيجي على الاطلاق”، قال يدلين، الذي على ما يبدو لم ينزل من حجرة الدبابة. مع “تفكير استراتيجي” على نمط ضربة واحدة وانتهينا من بينيت وليبرمان بات من الافضل النزف من خدشة دائمة، التي هي الاستراتيجية الحقيقية للحكومة وليس من الوريد.
يدلين ليس الوحيد الذي يفكر بان مشكلة الجرف الصامد هي ان الحكومة خرجت الى الحرب دون أن تحدد مسبقا خط النهاية. يدور الحديث، بالعذر، عن هراء لا يمسك الماء بل الدم. ففي كل حروب اسرائيل من الايام الستة وحتى لبنان الثانية – بما في ذلك حملات غزة على اجيالها، تقرر خط النهاية حيثما وقفت الدبابة الاولى. الا اذا طبقنا KILL THEM ALL لبينيت، ليبرمان، يدلين وكهانا – وحتى عندها فان الرواسب التي ستتبقى ستكون الرافعة للحرب التالية.