في الطريق إلى المؤتمر الدولي للسلام (10) ...حسين حجازي

السبت 24 ديسمبر 2016 02:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
في الطريق إلى المؤتمر الدولي للسلام (10) ...حسين حجازي



 

القرار في مجلس الامن حول الاستيطان: دراما في نيويورك 

يوم الخميس: 
قد يمكن إرجاء أو تأجيل التصويت على القرار المرعب لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي حول الاستيطان، الى حين أو لبعض الوقت. إذا كان الذكاء الإسرائيلي لا يزال يمتلك هذا الهامش من سعة الحيلة وممارسة اللعب، الضغط من الخطوط الخلفية والمناورة، ولكن السؤال منذ البداية: الى متى والى أي حين؟ اذا كان ممكنا شراء الوقت على هذا النحو المتقطع؟ ولكن كل ذلك لا يمكنه بالأخير ان يغير من حقائق الواقع او الصراع أي شيء، وان المسألة بالأخير هي قوة النفس وليس الحيلة أي جراب الحاوي. 
إن الاستيطان كمشروع واستراتيجية محكوم عليه بالفشل، لا لأن هذا الاستيطان مخالف فقط للقانون الدولي ولا يملك أي غطاء من الشرعية الدولية، ولكن لأن «التوسعية» الإسرائيلية في نطاق ضيق ومحدود في اللا مكان، واقعيا انما هو المقضي عليه بالفشل، فهذه الجغرافيا الصغيرة التي مساحتها اقل من مساحة محافظة حمص السورية لا تقبل خيارا ثالثا: إما ان نعيش عليها بسلام متجاورين وإما ان نواصل التقاتل عليها ألف عام.  
وقبل عشرين عاماً رأينا هنا في هذا المكان ان المسألة من أولها الى آخرها في النتيجة الإجمالية للاستيطان، إنما هي توسيع مساحة الاشتباك المقبل لتوسيع ميدان المعركة المقبلة. وان الفلسطينيين هم المؤهلون لأن يصمدوا في هذه الحرب المتواصلة مئة عام أُخرى في ظل الاحتلال. لكن السؤال كم سنة تستطيع أن تصمد أو تتحمل إسرائيل؟ وهي المقارنة التي كان لاحظها ابن خلدون في القدرة على احتمال المجاعة والفاقة الذي يمكن ان يصيب الشعوب المترفة والمعتادة على رغد الحياة، مقارنة بالشعوب الفقيرة وغير المترفة. 
وهكذا لعلهم يشعرون بنوع من الفخر او الرضا عن النفس قبيل نهاية أسبوع حفل بعدة إنجازات، أظهرت مرة أُخرى مهارتهم وحرفيتهم في القدرة على توجيه مثل هذه الضربات الماكرة واللئيمة من تحت الحزام لعدوهم الفلسطيني، فقد ذهبوا الى صفاقس في تونس لاغتيال المهندس الطيار محمد الزواري، الذي تجرأ على مساعدة «حماس» في صنع طائرتها من غير طيار. وفي الوقت نفسه استطاعوا أخيراً جلب النائب الفلسطيني من القائمة المشتركة باسل غطاس الى الاعتقال. وفجأة بينما كانت الأنظار تترقب التصويت يوم الخميس على القرار الذي تقدمت به مصر الى مجلس الأمن حول الاستيطان، أعلن عن إرجاء مصر هذا التصويت.  
وهو تحول بدا الى جانب إرجاء أو تأجيل عقد المؤتمر الدولي للسلام الى النصف الأول من الشهر القادم، كما لو أنه يلقي بنوع من الظلال الثقيلة على الآمال والتوقعات الفلسطينية، ولاسيما في هذه اللحظة او الأوقات الحرجة من رهان الفلسطينيين على إحداث اختراق او نقلة تاريخية، في الفترة الانتقالية بين إدارة أوباما وتولي ترامب. 
ونقل عن نتنياهو انه قام باتصالات مع القاهرة وأطراف دولية أخرى ومن بينها مقربون من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لإحباط التصويت على القرار بعد ان قام قبل يوم واحد بتوجيه استغاثة الى الرئيس أوباما، يطلب منه فيها استخدام حق الفيتو عند هذا التصويت، وهي استغاثة على ما يبدو لم يحفل بها أوباما الذي ظل موقف إدارته غامضا من هذا التصويت على غير عادة الإدارات الأميركية، ما عزز التوقعات ان إدارة أوباما عازمة على تمرير القرار. 
ولكن حتى تتضح ملابسات ما جرى يوم الخميس، فإننا لا يجب ان نخطئ في دلالات ما يحدث، وما يحدث ان إسرائيل هي موجودة الآن من الناحية الفعلية في موقف دفاعي من الناحية الدبلوماسية لصد الهجمات المتواترة عليها، وليس في موقف هجومي ومن يمتلك زمام المبادرة.  
وهناك فرق جوهري بل استراتيجي بين هذين الوضعين، والملاحظ هنا ان المصطلحات هي: «إرجاء» او «تأجيل». وهذا يعني اذا اردنا اختزال خلاصة الموقف الإسرائيلي من الناحية العملية، فإن نتنياهو وجماعته لا يزالون في دائرة العمل فيما يمكن تسميته بهامش المناورة، او التصدي للمهمات الجارية لما هو يومي او طارئ وتكتيكي. بينما زمام المبادرة او تحديد الأجندة الاتجاه الشامل للاستراتيجية فإنه اليوم ان لم يكن يملكه الفلسطينيون، فانه يوجد في باريس وواشنطن. وربما ليس بعيدا ان فشل الغرب في اللحظة الأخيرة والحاسمة اليوم، الانتقال الى موسكو وتركيا وإيران التوازن الثلاثي الآخذ في التشكل الآن بزعامة روسيا، والذي هو المتغير الاستراتيجي الأهم الآن في التوازن والاستقطاب العالمي. 
ونقل عن نتنياهو في غضون هذا الوقت تفاؤله الكبير مع تولي ترامب الحكم في واشنطن، وقوله على نحو لا يخلو من رغبات وأحلام البرجوازيين الصغار في الغرف المغلقة، التي هي من قبيل استبدال الواقع بالرغبات، من انه يمكن أن يحدث مع رئاسته تغيير تاريخي. 
لكن الرجل لم يفصح عما يقصده بهذا المصطلح الغامض او اللغز «أي التغيير التاريخي»، فهل كان يعني تخلصه من سيرورة حل الدولتين مثلا؟ وهو الحل الذي لا يزال يؤرقه كالكابوس؟ ام مصادقة ترامب على شرعية الاستيطان اذا كان قد اختار ان يعين سفيرا له في إسرائيل قيل انه مؤيد للاستيطان؟
يوم الجمعة: 
لكن هذا كله بما في ذلك المزاج النفسي الذي كتبت فيه هذه الكلمات حتى مساء الخميس، حين بدا ان نتنياهو استطاع ان يسدد ضربة قاضية ليس لنا ولكن لأوباما وأوروبا، بنجاحه في إرجاء التصويت على قرار مجلس الأمن حول الاستيطان الذي كان ينوي أوباما تمريره. 
لكن المفاجأة غير السارة سوف تحدث منذ فجر الجمعة مع فارق التوقيت بيننا وبين نيويورك، حينما تبدأ الأنباء الواردة من هناك تفيد بأن المزاج العام بين أعضاء مجلس الأمن المصدومين، لم يكن في وارد الاستسلام أمام الصدمة والذهول الذي أحدثه القرار المصري المفاجئ، بإرجاء التصويت على القرار. حيث عقدت أربع دول هي نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال، اجتماعا لها على عجل ووجهت بما يشبه إنذاراً الى مصر ان لم ترجع عن قرارها، فإنها سوف تتبنى هي مجتمعة طرح القرار على التصويت يوم الجمعة. 
وسوف نعرف كذلك صبيحة يوم الجمعة ان دراما حقيقية لا تخلو من الإثارة وشد الأنفاس، كانت قد جرت قبل ساعات وأعقبت الموقف المصري بإرجاء التصويت. حيث قيل إن اتصالا هاتفياً جرى بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وترامب، وان الرئيس المصري برر إرجاء التصويت لإعطاء إدارة الرئيس الأميركي الجديد الفرصة لحل القضية الفلسطينية من كافة جوانبها. 
لكن مراقبين في واشنطن رأوا ان القاهرة اتخذت موقفاً بافتراض حسن النوايا غير مفهوم، وأنها بهذا التأجيل الى ما بعد تسلم إدارة ترامب السلطة، انما تحيل بذلك القرار الى «الفيتو» بعد ان كانت الفرصة مواتية وسانحة على نحو نادر لتمرير القرار في ظل إدارة أوباما. وان هذا التأجيل كان سوف يكون بمثابة تقديم حبل النجاة لنتنياهو وحكومته المتطرفة. وكان ذلك سوف يمثل نكسة للفلسطينيين وللمبادرة الفرنسية، التي عادت فرنسا يوم الجمعة على تأكيدها عقد المؤتمر الدولي للسلام يوم الخامس عشر من الشهر المقبل، بحضور ممثلين عن سبعين دولة تم توجيه الدعوة لها، فيما بدا وكأنه رد عاجل على ما حدث من مناورة لإرجاء التصويت في مجلس الأمن.  
فهل نتحدث في الساعات الأخيرة من يوم الجمعة عن فشل المحاولة الإسرائيلية بالرهان على استبعاد القرار من الأجندة؟ وان ما بين الخميس والجمعة تغير الحال، وان الخوف الإسرائيلي من هذا القرار في انه يمثل بعد الآن المرجعية القانونية لجلب الحكومة الإسرائيلية الى محكمة الجنايات. وما يفعله أوباما الآن إنما هو رفع الغطاء عن حماية البلطجي الذي كان حتى الأمس مدللاً ومحمياً؟