تعيين دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب، لمحاميه الشخصي ديفيد فريدمان، سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل، يكشف إلى حد بعيد سياسته تجاه القضية الفلسطينية.
فريدمان أولاً، لا يؤمن بحل الدولتين للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ويعتبره مجرد وهم.
وتأكيداً لقناعته هذه، لعب الرجل دوراً مهماً في عدم تضمين برنامج الحزب الجمهوري نصاً يؤكد ضرورة وجود دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل كحل عملي للصراع.
والرجل ثانياً، يؤمن بأن فلسطين، كل فلسطين، هي أرض إسرائيلية، وهو لذلك ترأس منظمة أميركية غير ربحية (الأصدقاء الأميركيون لبيت إيل) والتي تجمع سنوياً مليوني دولار لتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية.
فريدمان بالمناسبة يسميها (يهودا والسامرة) مثل جميع المستوطنين والمتطرفين في إسرائيل.
فريدمان ثالثاً، يقدم التبرعات لمؤسسة إسرائيلية إعلامية متطرفة تحمل اسم (أروتز ٧، أو أخبار إسرائيل الوطنية). الشركة التي تملك هذه المؤسسة الإعلامية واسمها (مارشال أيلاندز)، هي من بنى جزءا من مستوطنة بيت إيل.
وهو رابعاً، قال بعد تعيينه سفيراً لدى إسرائيل إنه «يتطلع إلى اليوم الذي يدير فيه عمله كسفير من القدس، العاصمة الأبدية لإسرائيل»، وهو إضافة لكل ذلك يمتلك بيتا في القدس منذ العام ٢٠٠٢، يستخدمه للاجتماع بأصدقائه المتطرفين في إسرائيل.
يقول جيرمي بن عامي، رئيس مؤسسة (جي ستريت) اليهودية الأميركية اليسارية، إن فريدمان، ليس مناهضاً فقط لحل الدولتين، ولكنه معادٍ لليهود الذين يؤمنون بهذا الحل. فريدمان يصفهم، كما يقول بن عامي، بأنهم أسوأ من (الكابوز) وهم مجموعة من اليهود السجناء ممن تعاونوا مع الحكم النازي لمراقبة معسكرات الاعتقال.
فريدمان كان قد صرح بأنه يعتقد جاداً بأن ترامب سيقوم بنقل السفارة الأميركية للقدس، وبأن ترامب لا يريد الإعلان أنه ضد حل الدولتين لأنها قضية تخص الإسرائيليين ولا تعني أميركا.
بمعنى هو يعتبر القضية الفلسطينية شأنا إسرائيليا داخليا، إذا قررت إسرائيل أن حل الدولتين هو لمصلحتها فإن ترامب سيساندها، أما إذا قررت ضم الضفة أو أجزاء واسعه منها، فهو أيضاً سيدعمها.
فريدمان كان قد قال أيضاً وفق صحيفة هآرتس إن ترامب «سيكسر السياسات المعادية للسامية التي تتبناها وزارة الخارجية».
لا أحد بالطبع يعرف ما هي هذه السياسات لكنه على الأغلب يقصد موقف وزارة الخارجية الأميركية ضد نقل السفارة إلى القدس وموقفها من الاستيطان في الضفة.
للمقارنة، جميع رؤساء أميركا منذ صدور قرار الكونغرس بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس العام ١٩٩٥، تعهدوا بنقلها أثناء حملاتهم الانتخابية (باستثناء أوباما)، لكنهم استخدموا نفس القانون الذي يعطيهم حق تأجيل نقلها كل ستة أشهر.
ترامب مما يقوله فريدمان، يبدو حريصاً على نقلها.
وللمقارنة، جميع الإدارات الأميركية كانت حذرة في تعاطيها مع المستوطنين في الضفة بما فيها القدس، ولم يُسجَل على الدبلوماسيين الأميركيين سابقاً اجتماعهم بمستوطنين أو زيارتهم لمستوطنات.
تعيين فريدمان سفيراً لإسرائيل يؤكد أن سياسات ترامب القادمة ستكون داعمة للاستيطان.
السؤال الأساسي ماذا بإمكان الفلسطينيين أن يفعلوا فيما لو نقل ترامب سفارة بلاده للقدس ودعم سياسات إسرائيل الاستيطانية؟
يمكنهم بالطبع أن يختاروا دفن رؤوسهم في الرمل وأن يأملوا أن لا يعيد الأميركيون اختيار ترامب رئيساً لبلادهم بعد أربع سنوات.
لكن هذا الخيار كارثي. خلال أربع سنوات ستكون عشرات الدول قد تشجعت على نقل سفاراتها للقدس، وهذا بالطبع سيكرس الأمر الواقع وسيجعل من القدس خارج إطار أية عملية تفاوضية لاحقة.
حتى لو فشل ترامب بعد أربع سنوات في تجديد ولايته، الإدارة التي ستليه ستعتبر مسألة السفارة في القدس حقيقة واقعة ولن تقوم بنقلها.
يمكن للفلسطينيين بالطبع إصدار تصريحات إدانة وشجب، لكن من يكترث في عالمنا اليوم لهذه اللغة.
الغرب بأكمله أدان العمليات العسكرية الروسية في سورية، لكن ذلك لم يغير من الواقع شيئاً.
الإدانه والاستنكار، مسألة تقوم بها فرنسا أو الفاتيكان. هم في النهاية ليسوا أصحاب القضية والإدانة بالنسبة لهم تعبير عن موقف أخلاقي لا أكثر ولا أقل.
الموقف الفلسطيني يجب أن يكون جذريا، ويجب أن يؤسس لخطوط حمراء تجعل النظام العربي الرسمي مُجبراً على احترامها أو على الأقل مُحرجاً عندما يتجاوزها، هذا الموقف يجب أن يكون تصاعديا، وأن يعلن عنه قبل استلام ترامب للبيت الأبيض الشهر القادم.
ملخص هذا الموقف هو التهديد الصريح بأن السلطة ستقوم بقطع علاقتها مع كل دولة تنقل سفارتها إلى القدس، والقيام الفعلي بذلك في حالة حدوثه.
التهديد بسحب الاعتراف بإسرائيل وبوقف التنسيق الأمني معها إذ لا معنى لعملية السلام إذا اعترفت أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل.
التهديد بالتخلي عن حل الدولتين والإعلان بأن الفلسطينيين سيعملون من أجل إقامة دولة واحدة على كامل فلسطين التاريخية يعيش فيها اليهود والفلسطينيون بحقوق سياسية ومدنية واجتماعية متساوية، دون القدس لا أمل بدولة فلسطينية.
هذا التهديد سيلاقي بالتأكيد صدى عالميا قد يحمل ترامب وإدارته على تغير أجندتهم تجاه الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
والأهم من ذلك، هذا الإعلان سيفرض على النظام العربي الرسمي اتخاذ موقف من إدارة ترامب خصوصاً وأن غالبيتها متضررة من توجهاته السياسية التي أعلنها حتى الآن، خصوصاً تلك المتعلقة بشروط حمايته للخليج العربي.
لكن حتى لو كانت هذه الدول غير متضرره، فإنها ستجد حرجاً كبيراً في التعاون مع إدارة ترامب أمام شعوبها إذا أعلن الفلسطينيون خطوطهم الحمراء.
الانتظار، خصوصاً عندما يكون الخطر محدقاً، ليس سياسة مفيدة.
التصعيد، بمعنى إشعار الطرف الآخر بالنتائج المترتبة على سياسته هو خطوة وقائية قد تمنع حدوث ما لا يريده الفلسطينيون.


