خبر : د . أماني جرار: “ضرب زيد” أم عزف زيد؟!

الأربعاء 07 سبتمبر 2016 12:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
د . أماني جرار: “ضرب زيد” أم عزف زيد؟!



د . أماني جرار
اعتاد اساتذة اللغة العربية في تعليمهم للنحو ضرب مثال نمطي تعلمناه معظمنا منذ الصغر في مدارسنا ، فكنا نردد دائما (ضرب زيد عمرأ) ، ولكن لنا ان نتساءل على سبيل المداعبة عن الجناية التي جناها عمرو ليستحق أن يضربه زيد ؟
وتاريخيا ، كان ذلك هو سؤال داود باشا لأحد علماء اللغة ، حيث أجاب مولاه بأنه لا ضارب ولا مضروب ، بل انهاعتاد علماء النحو منذ قديم الزمان أن يأتوا بأمثلة لتقريب القواعد النحوية والصرفية من أذهان طلاب اللغة العربية‏. حتى في أمثلتنا التعليمية نستخدم إشارات عنف ودلالات عجيبة تبتعد احيانا عن مقاصد الانسانية وقيمها .
ووفق دراسة لأحد الباحثين اللغويين العرب ، فما تلا ذلك كان طريفا جدا‏.‏ فقد أمر الوالي بسجن عالم النحو لعدم تقديمه تبريرا مقنعا للسؤال ، فأملر ان يلقى العالم اللغوي انذاك جزاء جهله ، ثم طلب الوالي أن يحضروا علماء النحو إليه واحدا بعد الآخر وألقى عليهم سؤاله العجيب‏:‏ لماذا ضرب زيد عمرا؟‏.‏ فأجاب علماء النحو بما أجاب به العالم الأول‏، ‏ فأمر الوالي بسجن علماء النحو جميعا وأفرغت المدارس من علماء النحو الذين ضاقت بهم السجون‏، وأصبحت قضية زيد وعمرو هي الشغل الشاغل لبطانته ، الذين انصرفوا عن جميع شؤون الدولة ومصالحها حتى يجدوا جوابا يرضى به الوالي عن سؤاله‏:‏ لماذا ضرب زيد عمرا؟‏!!‏
وتنتهي القصة الطريفة بأن يرسل الوالي رجالاته للبحث في كل أنحاء العراق ، وفقا للرواية التاريخية ، فبدأ البحث مرارا عن عالم في النحو يستطيع أن يقدم جوابا مقنعا لسؤال الوالي وأخيرا تم العثور على رجل مسن ، فقدم تفسيرا للضرب الذي ناله عمرا على يد زيد ، وفقا للتالي‏:‏ فكلمة عمرو فيها واو زائدة‏، ‏ والذي حدث هو أن عمرا سرق هذه الواو من اسم آخر هو داود‏، ‏ التي كان ينبغي أن تكون مكتوبة بواوين لا واو واحدة‏، ‏ أي على هذه الصورة‏:‏ داوود‏.‏ ولما كان داود هو اسم الوالي فقد رأي النحاة أن عمرا قد ارتكب جريمة السرقة من اسم آخر ‏، ولذلك فهو يستحق الضرب من زيد ومن غير زيد حتى يتأدب ولا يكرر السرقة مرة أخرى‏!!‏ وتنتهي القصة بان الوالي أعجبه هذا التفسير الذكي فأكرم صاحبه ليلبي أمره مهما كان فطلب بدوره إطلاق سراح زملائه من علماء النحو‏، ،‏ فوافق الوالي على ذلك‏،‏ ولكنه اشترط على هؤلاء العلماء أن يصلحوا طريقة تعليمهم للغة العربية‏، وأن ينهجوا منهجا جديدا فيه تيسير على الناس حتى تصبح اللغة العربية سهلة يفهمها الجميع ويكتبونها ويتحدثون بها دون تعقيد‏.‏
تلك قصة قديمة الا انه يبدو اننا لا زلنا نراوغ مكاننا في التعليم و أساليبه المتبعة .
فللنظر الى الفارق بين ان نقول (ضرب زيد عمرا ) وبين ان نقول (عزف زيد لحنا ) . فالفارق ليس مجرد لغوي بل هو قيمي أخلاقي إنساني .
فالمجتمعات المتحضرة تنحى منحى الثقافة القيمية و التربية الفنية و الجمالية ، وهذا ما اكتسبه زيدنا (زيد ديراني مثلا ) عندما احتضنته البيئة الداعمة والرؤية الفذة لمستقبل عامر له يجعله احد خيرة مؤلفي الموسيقى العالمية ، نعتزبه أردنيا . ولمن لا يعرف زيد ديراني فهو عازف بيانو وملحن أردني ، طور في عام 2004 مشروعه ليصبح اوركسترا مكونة من 40 عازفا قادمين من عشرين دولة من أنحاء العالم، حيث نال على دعم قوي من قيادتنا الهاشمية الفذة ، ومن الجدير الإشارة ان ديراني قام بأداء عدة معزوفات موسيقية امام عدة قادة أمثال الملكة اليزابيث، ونيلسون مانديلا، والدالاي لاما ولورا بوش، وغيرهم.
فقط هي تلك الثقافة و التربية الانسانية التي نريد ان نوليها رعاية ، الأمر الذي يتطلب منا إعادة النظر في نظامنا التربوي وبمنظومتنا الثقافية والفكرية .