د . أماني جرار
اعتاد اساتذة اللغة العربية في تعليمهم للنحو ضرب مثال نمطي تعلمناه معظمنا منذ الصغر في مدارسنا ، فكنا نردد دائما (ضرب زيد عمرأ) ، ولكن لنا ان نتساءل على سبيل المداعبة عن الجناية التي جناها عمرو ليستحق أن يضربه زيد ؟
وتاريخيا ، كان ذلك هو سؤال داود باشا لأحد علماء اللغة ، حيث أجاب مولاه بأنه لا ضارب ولا مضروب ، بل انهاعتاد علماء النحو منذ قديم الزمان أن يأتوا بأمثلة لتقريب القواعد النحوية والصرفية من أذهان طلاب اللغة العربية. حتى في أمثلتنا التعليمية نستخدم إشارات عنف ودلالات عجيبة تبتعد احيانا عن مقاصد الانسانية وقيمها .
ووفق دراسة لأحد الباحثين اللغويين العرب ، فما تلا ذلك كان طريفا جدا. فقد أمر الوالي بسجن عالم النحو لعدم تقديمه تبريرا مقنعا للسؤال ، فأملر ان يلقى العالم اللغوي انذاك جزاء جهله ، ثم طلب الوالي أن يحضروا علماء النحو إليه واحدا بعد الآخر وألقى عليهم سؤاله العجيب: لماذا ضرب زيد عمرا؟. فأجاب علماء النحو بما أجاب به العالم الأول، فأمر الوالي بسجن علماء النحو جميعا وأفرغت المدارس من علماء النحو الذين ضاقت بهم السجون، وأصبحت قضية زيد وعمرو هي الشغل الشاغل لبطانته ، الذين انصرفوا عن جميع شؤون الدولة ومصالحها حتى يجدوا جوابا يرضى به الوالي عن سؤاله: لماذا ضرب زيد عمرا؟!!
وتنتهي القصة الطريفة بأن يرسل الوالي رجالاته للبحث في كل أنحاء العراق ، وفقا للرواية التاريخية ، فبدأ البحث مرارا عن عالم في النحو يستطيع أن يقدم جوابا مقنعا لسؤال الوالي وأخيرا تم العثور على رجل مسن ، فقدم تفسيرا للضرب الذي ناله عمرا على يد زيد ، وفقا للتالي: فكلمة عمرو فيها واو زائدة، والذي حدث هو أن عمرا سرق هذه الواو من اسم آخر هو داود، التي كان ينبغي أن تكون مكتوبة بواوين لا واو واحدة، أي على هذه الصورة: داوود. ولما كان داود هو اسم الوالي فقد رأي النحاة أن عمرا قد ارتكب جريمة السرقة من اسم آخر ، ولذلك فهو يستحق الضرب من زيد ومن غير زيد حتى يتأدب ولا يكرر السرقة مرة أخرى!! وتنتهي القصة بان الوالي أعجبه هذا التفسير الذكي فأكرم صاحبه ليلبي أمره مهما كان فطلب بدوره إطلاق سراح زملائه من علماء النحو، ، فوافق الوالي على ذلك، ولكنه اشترط على هؤلاء العلماء أن يصلحوا طريقة تعليمهم للغة العربية، وأن ينهجوا منهجا جديدا فيه تيسير على الناس حتى تصبح اللغة العربية سهلة يفهمها الجميع ويكتبونها ويتحدثون بها دون تعقيد.
تلك قصة قديمة الا انه يبدو اننا لا زلنا نراوغ مكاننا في التعليم و أساليبه المتبعة .
فللنظر الى الفارق بين ان نقول (ضرب زيد عمرا ) وبين ان نقول (عزف زيد لحنا ) . فالفارق ليس مجرد لغوي بل هو قيمي أخلاقي إنساني .
فالمجتمعات المتحضرة تنحى منحى الثقافة القيمية و التربية الفنية و الجمالية ، وهذا ما اكتسبه زيدنا (زيد ديراني مثلا ) عندما احتضنته البيئة الداعمة والرؤية الفذة لمستقبل عامر له يجعله احد خيرة مؤلفي الموسيقى العالمية ، نعتزبه أردنيا . ولمن لا يعرف زيد ديراني فهو عازف بيانو وملحن أردني ، طور في عام 2004 مشروعه ليصبح اوركسترا مكونة من 40 عازفا قادمين من عشرين دولة من أنحاء العالم، حيث نال على دعم قوي من قيادتنا الهاشمية الفذة ، ومن الجدير الإشارة ان ديراني قام بأداء عدة معزوفات موسيقية امام عدة قادة أمثال الملكة اليزابيث، ونيلسون مانديلا، والدالاي لاما ولورا بوش، وغيرهم.
فقط هي تلك الثقافة و التربية الانسانية التي نريد ان نوليها رعاية ، الأمر الذي يتطلب منا إعادة النظر في نظامنا التربوي وبمنظومتنا الثقافية والفكرية .


