(ح5)
جمهورية النبي وما تلاها من جمهوريات أربعة مصطفوية راشدة ، أبعد ما تكون ، شكلاً و مضموناً ، عن شكل ومضمون الإمبراطوريات العربية الإسلامية التي بدأت بإمبراطورية بني أمية .. و يكفي أنها و بكل صراحة ، سُميت بإسم أصحابها " أموية"
و كانت تلك الإمبراطوريات ، والممالك ، الرافضة لدولة النبي ، مَهْدَاً ، لِكافة الإنشِقاقات ، المَذهبية التي شكَّلت فيما بعد واقعنا المعاصر المهترئ الآن ، و الذي يشبه ما وصلت إليه مجتمعات أخرى غربية ، تَسلّط عليها الملوك و الكُهّان ، بإسم الدّين ، و الشَرع ، وسَيطَر الدِّينيُ على السِّياسِيّ .. أما في عَالمنا و مَشرِقِنا ، فالوضع مَعكوس حيث سيطر السِّياسي على الدِينيّ ، وذلك لِسبب بَسيط ، أن المجتمع المُسلم قبل بِدايات الإنفلاش و ظهور العهود المَلكية الوِراثية ، لم يعرف سُلطة دينية ولا رجال دين ، و مراجٍع و مَلَالي و مشايخ وآيات ، حتى أنه لم يعرف للصلاة إماماً ثابتاً .. بمعنى أن وظيفته و صفته و هويته أنه " إمام صلاة " أو إمام مَسجد ... أو خطيب أو واعظ أو داعية أو ما إلى هذا من أسماء سميناها و إبتدعناها .. لذلك كان لابد للسياسي أن " يبتدع" طريقة ، توصله للسُّلطة ، فقَـلّد ما رآه عند الغرب ، في العالم المسيحي .. و أعجبه سلطان رجل الدين ، فألبس شهوته للحكم ، رِداء الدّين .
وهذا ما منع إستمرار المسلمين على قلب رجل واحد ، و هذا ما شوّه صورتهم و مسلكهم ، و خلق بينهم الفرقة و التنابذ و القتال و الخلاف ، ولو رجع أي عاقل مُهتم ، لوجد بما لا يدع مجالاً لأي شك ، أن كل فئة و كل طائفة دينية إنما وُجِدت لأسباب سياسية و لنصرة فكر أو منهج أو زعيم أو رؤية .. و أي عاقل لابد أن يسأل نفسه ، من أين للإسلام و المسلمين كل هذه الطوائف و المذاهب التي تشبه مذاهب و طوائف و ملل أمم سابقة ؟ و الإجابة بكل بساطة ، أن المعاناة وطبيعة الأنظمة الحاكمة هي التي ولدت هذه الطوائف و الأحزاب ، فالمسيحية ، و في ظل حكم الإمبراطوريات و تعدد الآراء و سيطرة الكهان ، أصبحت تتألف من ستة طوائف أو ستة عائلات كبيرة، هي: كاثوليكية (تعني بالعربية الجامعة أو الجماعة )، أرثوذكسية شرقية ( تعني بالعربية الصراطية المستقيمة )، أرثوذكسية مشرقية، ونسطورية (نسبة إلى نسطور)، تدعى هذه الطوائف باسم الكنائس التقليدية ويمكن أن يضاف إليها الكنائس البروتستانتية الأسقفية ذلك لأن هذه الطوائف تؤمن بالتقليد وكتابات آباء الكنيسة والمجامع إلى جانب الكتاب المقدس، فضلاً عن تمسكها بالتراتبية الهرمية للسلطة في الكنيسة والطقوس والأسرار السبعة المقدسة، الطائفتان الأخريتان هم البروتستانتية (تعني بالعربية المعترضون أو المحتجون)، و الأقباط ، و كلمة "قبطي" مشتقة من الكلمة اليونانية Αἴγυπτος "أجيبتوس"، والتي اشتُقَّت بدورها من كلمة "هيكابتاه"، وهي أحد أسماء ممفيس . ومجموعة طوائف أخرى غير المحسوبة عليها لأسباب شتى أبرزها إنكار ألوهية المسيح، تدعى هاتان الطائفتان بالكنائس غير التقليدية، لتمسكها بالكتاب المقدس وحده ورفضها للسلطة التراتبية والأسرار السبعة.
وتتفرع عن كل طائفة منها مجموعة من الكنائس أو البطريركيات التي هي ذات نظام إداري مستقل أو شبه مستقل عن سائر الكنائس أو البطريركيات ،أما طوائف الادفنتست السبتيين أو شهود يهوة فلا يعتبرهم الكثير من المسيحيين مسيحيون، لأنهم يؤمنون بأمور خاطئة ضد المسيحية بحسب زعم الآخرين !! وقد عاشت الطوائف المسيحية في اوروبا صراعات طويلة فيما بينها، منذ ان تغلل الدين إل مفاصل الدولة ، و إختلط الدين بالحكم و الإدارة ،وسيطرت السلطة الروحية في الغرب على الزمن ( العصر ) بكل تفاصيله السياسية المادية الإجتماعية .. إلخ ..و اصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية في القرن الرابع الميلادي. مهما ادعت الخلافات أسبابا عقائدية، فأنها تظل في جوهرها خلافات سياسية تبعا لخلاف مصالح الملوك والامراء المتنافسين. ومن أول وأبرز هذه الخلافات: الانقسام الذي حدث بين الارثوذكسية والكاثوليكية، حسب الانقسام الذي حدث في الامبراطورية الرومانية، بين القسم الشرقي البيزنطي وعاصمته القسطنطينية (اسطنبول الحالية)، والقسم الغربي وعاصمته روما. وقد بلغ الصراع بين الطرفين، بحيث ان الحملات الصليبية الكاثوليكية قد هاجمت ونهبت وحرقت عاصمة الارثوذكس، القسطنطينية، الى درجة وصلت إلى لخيانة ، و الإستقواء بالأجنبي ، حيث انها ساعدت على انتصار الاتراك المسلمين واسقاطها في القرن الخامس عشر.
ثم تلى ذلك في القرن السادس عشر الانقسام بين البروتستانت والكاثوليك، حسب الانقسام بين اوروبا الشمالية الاسكندنافية الجرمانية الانكليزية (بروتستانية)، واوروبا الجنوبية اللاتينية (كاثوليكية). وكان هذا الانقسام هو الاعنف والاكثر وحشية في تاريخ الانقسام الديني في العالم اجمع. وقد تخللته حروب وعمليات ابادة لملايين الناس الابرياء بصورة تفوق الوصف. ، وهي ما اطلق عليه (حرب الثلاثين عام). وهنا أود التوقف ، و أدعوا كل من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد ، أدعوه إلى النظر بتأمل و روية ، و إلى الإعتبار ، و رؤية ما يفعله الدين إذا تداخل في الدولة و أصبح هو المسيس و الحاكم ، فبعد كل هذا ، سار العرب على نفس المنهاج ، بعد سقوط آخر الجمهوريات المصطفوية ، بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، و بداية عصر الإمبراطوريات ، بالإمبراطورية الأموية التي إستمرت زهاء التسعين عاما ، تأججت خلالها روح الفرقة و الإنقسام ، و نشأت فيها الفرق و المذاهب ، السنية و الشيعية و أخرى بين بين ، وظهرت طرق وجودية ، و فلسفية ،و ثالثة لا يعترف بها المسلمون التقليديون ، كالبهائيين و الأحمديين و أحيانا الدروز ، و بظهور الخوارج و المعتزلة ، و الطرق الصوفية ، و القائمة تطول ، إلى ظهور المذاهب الأربعة ، أو الخمسة إذا أضفنا مذهب الجعفرية الإمامية الإثناعشرية، ولا ننسى الإباضية و الزيدية، و عشرات المذاهب الشيعية و العلوية ، كل خدم مرحلة سياسية ، بعلم أو بجهل ، و كل كان ينشأ و يترعرع تحت نظر و مراقبة الدولة و " الخليفة - الإمبراطور الأموي أو العباسي و ما تلاهما" ، يُلَوِّنُون و يَلوُوُن عُنق الدِّين لِحمل السِّياسَة و الأهداف السُلطوية ، أو يُلهون النَّاس عن عِمارة الأرض ، بسفسطات و مُناكفات لا طَائِل منها ، و بتساؤلات فَلسفية ووجودية سبقهم إليها أو إلى بعضها الكثير من فلاسفة الإغريق والفرس الأعاجم عموماً ، من قَبِيل هل القُرآن مَخلوقٌ أم أَزَليّ مُنزل ، هل اللَّوح المَحفوظ غير القرآن ، هل القّدر ثابت أم يَتغير ، و غيرها الكثير و الخطير من التبويبات و التأويلات و التفسيرات و الشَّطحات و المَسائِل .. علّ أبسَطها ظاهرة إدخال الشهادة الثالثة على آذان الصلاة ، بأن علياً ولي الله ، و أنه الوَصيّ بعد النبيّ .. و الباحثُ سيَجِد الكثير من الكُتب و الدِّراسات و العَنْعَنــَات ، و الأحاديث المُلصقة أو المَنسوبة إلى النبيّ عَليه و آله الصَّلاة و السّلام ، بأنه رَضِيَ و سَكَت وَ وَبَّخ مَن اعترض ، و أن النداء بالشَّهادة الثَالثة واكبَ عهد النبوة !!! ستجد من يتعلل بحديث الغدير و غيره مما ليس هنا مجال الخوض فيه ، و أقول أنني بقدر فهمي و إستنتاجي و جدتُ تَلفِيقاً و تزييفاً ما بعده تزييف ، و عِناداً ما بعدهُ عِناد في هذا الباب ، وفي ذات الوقت ، فإن المُبَرّر مَفهُوم ، أنّ الطَرفَ الآخر من أتباع الأُسرة الأموية تَطاولوا و سَكتوا على تَطاول الخُطباء و الأتْباع سباً و شتماً و تقريعاً لحضرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و آل بيتِ النَّبيّ عليهم جميعاً السلام لهدف سياسي محض ، و هو إنكار أحقية علي و الحسن أو الحسين بالرئاسة و القيادة للأمة و لم يجد الأمويين طريقاً لهذا إلا بالسباب و التعذيب و التشفي و الإضطهاد لآل البيت و أشياعهم ، فكان الرد من قبل الأشياع ، من ذاتِ النّوع ، و بِنفْس الأُسلوب ، للأسَف ، حيث لفَّقوا و أدخلوا على الدين ما ليس فيه ، حتى يكتسب هدفهم السياسي القداسة ، و يرتقي من مرحلة الرأيّ السياسي إلى الحُكم الإِلهي ، فأدخلوا الشهادة الثالثة على الآذان ، و التَّحيات الإبْراهِيميّة في الصّلاة و جَاءُوا بالأحَاديث و القَصَص و الرِّوايات التي أصبحت مقدسة لا مساس و لا اعتراضَ عَليها إلى يَومنا هذا .
كل هذا بدأ في إسلام ما بعد الجمهوريات المصطفوية الخمسة .
ولما كان هذا هو الحال ، منذ نهاية الدولة المصطفوية ، الجمهورية الخامسة ، و بداية عهد الحكم الإمبراطوري بالثوب الثيواقراطي ، كان من الطبيعي أن تفتح الأبواب على مصاريعها لدخول الإسرائيليات ، منهجاً و فكراً و سلوكاً ، فالديانة اليهودية أساساً ، هي من أصّلَ للمذهبية و الطائفية و التشرذم ، ما بين اليهودية الأرثوذكسية – السلفية، التي تعترف بكل التوراة والتلمود ( أو التعاليم و الحكم و السنن التي قالها و فعلها الأنبياء و الأولياء و الأحبار )، وتقبل كل النواميس، وتعتقد أن الله أوحى بذلك كله إلى موسى مباشرة في جبل سيناء ، و مذهب اليهودية الإصلاحية الذي بدأ مــع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، إذ شكك بعض اليهود في كيفية ظهور الكتب المقدسة، وانتهوا إلى أن التلمود عمل بشري غير موحى به، ومن ثم ضعفت مصداقيته لديهم. ولا يؤمن هؤلاء إلا بالتوراة. ويعتقد الإصلاحيون أن التعــاليم الأخلاقية والسلوكية أهم أجزاء اليهودية، ولا يولون أهمية للطقوس بل إنهم نبذوا كثيرًا من التقاليد ، و مذهب اليهودية المحافظة (التراثية). نشأت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. ورغم إيمانهم بالتوراة والتلمود، إلا أنهم ذهبوا إلى وجوب تفسير النصوص المقدسة في ضوء المعارف العلمية الحديثة والثقافة المعاصرة. وهم كاليهود الإصلاحيين لم يهتموا كثيرًا بالطقوس، ولكنهم يمارسون العادات. / يتــــــبع ..


