القدس المحتلة سمااتفاق المصالحة التركي الإسرائيلي يتلخص في المصالح النفعية المشتركة، ولا يتلخص بالثقة ولا بالتعاطف بكل تأكيد؛ هذا الاتفاق سوف يدّعم أمن إسرائيل، بالإضافة إلى موقفها الدولي، مما يجعل هذا الاتفاق مستحقًا للجهد.
علاقة إسرائيل الوطيدة مع تركيا بدأت تخسر زخمها في 2003 حينما انتُخب أردوغان رئيسًا للوزراء، هذا التدهور لم يسبب صدعًا حقيقيًا بين الدولتين، ولكن كان واضحًا أن أردوغان الإسلامي - رئيس الجمهورية التركية الآن - كان يقود بلاده نحو العداء لإسرائيل.
كان ظاهرًا أن أردوغان حينما تم انتخابه لأول مرة كان قادرًا على قيادة تركيا - والتي كانت في ذروة قوتها الإقليمية - نحو الهيمنة في الشرق الأوسط، دعم أردوغان لجهود أسطول الحرية في 2009 والتي قادتها سفينة "مافي مرمرة" لكسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة كان في الحقيقة محاولة لأنقرة لتمديد منطقة نفوذها، ولكي تصبح لاعبًا في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، غرض أردوغان كان في جزء منه إظهار موقف النظام المضاد لإسرائيل، وفي جزء آخر الحصول على مكاسب سياسية في العالم العربي أو على أقل تقديس في الشارع العربي.
لكن الخطة تبعها سيناريو غير متوقع، تسعة مواطنين أتراك لقوا حتفهم وجرح آخرون خلال الهجوم الذي قامت به قوات الكوماندوس البحري التابع للجيش الإسرائيلي، كان يبدو لوهلة أن تركيا كانت قادرة على تقويض إسرائيل بالساحة الدولية من خلال الأفعال المبررة التي ارتكبها أفراد الكوماندوس.
تركيا سعت لإدراك حجم نفوذها من خلال القنوات الدولية، والتي كانت تحت التأثير العربي والاسلامي اللافت، لكن بعد ذلك حدث المستحيل؛ لجنة تحقيق الأمم المتحدة التي يرأسها النيوزلندي جوفري بالمر - خبير القانون البحري الكبير - قرر بشكل قاطع أن:
1. وفقًا للقانون الدولي فإن إسرائيل تمارس حقها في فرض حصار بحري على قطاع غزة.
2. هجوم قوات الكوماندوس كان على سفينةٍ سعت لكسر الطوق البحري المطابق لمعايير الحصار المسموح بها وفقًا للقانون الدولي.
3. العسكرية الإسرائيلية استخدمت القوة المفرطة خلال عملية شرعية.
تركيا حاولت أن تطعن في هذه النتائج التي تشكل إنجازًا ثمينًا لإسرائيل، في نهاية التصاعدات التي لعبت خلالها الولايات المتحدة دورًا رئيسًا كان مفهومًا أنه إذا قامت إسرائيل بتقديم اعتذار رسمي وقامت بدفع تعويضات لعوائل ضحايا مرمرة سيكون حينها من الممكن أن تصاغ اتفاقية مصالحة مع تركيا تتعهد خلالها أنقرة بالتنازل عن جميع الدعاوى المرفوعة ضد إسرائيل، بمعنى آخر سوف تقبل تركيا بنتائج لجنة تحقيق الأمم المتحدة وستعيد تطبيع علاقاتها - التي تعاني فتورًا الآن - مع إسرائيل.
قضية مرمرة كان من الممكن إنهاؤها منذ زمن طويل، ولكن كلًا من تركيا وإسرائيل تعنت في موقفه بوقت لا يسمح بذلك، خلال زيارة الرئيس أوباما لإسرائيل في 2013 قدم رئيس الوزراء نتنياهو اعتذارًا لأردوغان عن الحادثة، ممّا بدّد نبوءات النهاية التي توقعت أن تتلقى إسرائيل الضربة القاضية لشرفها الوطني أو موقفها الدولي أو قوة ردعها، لم يُسلَب أي شيء من إسرائيل نتيجة لذلك، ولم تجنِ تركيا أية فائدة بالمقابل.
بعد بحث وجهد عميقيْن أصبحت إسرائيل قادرة على السعي للمصالحة مع تركيا، وهذا يتطلب تنازلين:
1. اعتذار إسرائيل.
2. تعهد إسرائيل بدفع 21 مليون دولار لعائلات ضحايا مرمرة يتم جدولتها عبر صندوق المساعدة الإنسانية الذي أنشأته الحكومة التركية، وهذا لا يشكل تحملًا للمسؤولية ولا إقرارًا بالذنب.
بالمقابل تقوم تركيا بالتنازل عن أي دعاوى ضد إسرائيل والتعهد بعدم التعاون مع أي دعوى قضائية ضد الإسرائيليين حول حادث 2010، كلا الطرفين اتفقا أيضًا على استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، وتم الاتفاق كذلك على أن تسحب تركيا أي اعتراض على انضمام إسرائيل في المنظمات الدولية المتعددة، وهو ما سيسهل بشكل كبير التعاون بين البلدين في المنطقة؛ حيث الفوضى والهيجان هما عنوان المرحلة.
إسرائيل حافظت على موقفها ولم تتراجع عن شيء فيما يخص قطاع غزة، ولكنها سمحت بالمقابل بوصول سفن المساعدات التركية إلى قطاع غزة عبر ميناء أسدود، وهو ما يفترض أن يكون حتى في غياب أي اتفاق، ومواصلة ومتابعة المشروعات المدنية في قطاع غزة، وهو ما سيساعد في إزالة المأزق الفلسطيني وسيخدم مصالح إسرائيل عبر تسهيل هذا التخفيف للحصار، الاتفاق لا يعطي أية مزية لحماس بأي شكل من الأشكال؛ لذلك فان الشك ضئيل بكون هذا الاتفاق لم يلقَ قبولًا من هذه المجموعة الإرهابية.
قيادة حماس انتقدت استسلام أردوغان لإسرائيل، خاصة وأن الاتفاق يتضمن تعهدًا تركيا بمنع أي عمل عدائي ضد إسرائيل من الأراضي التركية، مما يقوض مقرات حماس في إسطنبول. أنقرة أيضًا أعلنت أن المخابرات التركية ستعمل على البحث عن موقع الإسرائيلييْن اللذين يعتقد أنهما موجودان في غزة، بالإضافة إلى تأمين عودة بقايا الرقيب في لواء "غولاني" أرون شاؤول، وكذلك الملازم في لواء "جفعاتي" هدار جولدن، واللذان قتلا في عملية "الجرف الصامد" والمحتجزة أشلاؤهم لدى حماس.
ليس من الواضح من أين أتت فكرة أن هذا الجهد سبق الاتفاق، تركيا لم يكن لديها بالأمس ولا الآن سيطرة على حماس في هذا الشأن، القضية سيتم تحديدها عن طريق كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، تركيا ليس لديها قدرة التأثير على كتائب القسام خاصة وقد تم الاتفاق على إبعاد نشطائها. هل يمكن أن تزيد حماس من اعتمادها على الحكومة التركية مما يجعل لأنقرة سطوة أكبر عليها؟ من الممكن أن يتم ذلك في المستقبل، لكنه يحتاج إلى سنين وليس إلى أسابيع.
في النهاية فإن هذا الاتفاق يتلخص في المصالح النفعية المشتركة، ولا يتلخص بالثقة ولا بالتعاطف بكل تأكيد، هذا الاتفاق لن يقود إلى عصر ذهبي في العلاقة بين أنقرة والقدس، ولكنه يعيد العلاقة مع إقليمية في الشرق الأوسط، هذا الاتفاق لا ينبغي أن يقوض تحالف إسرائيل النامي مع اليونان وقبرص بأي شكل ولا بارتباطها القوي بمصر، على النقيض فإن هذا هو الوقت المناسب لتدعيم هذه العلاقات.
إذا كان اتفاق المصالحة قد صيغ وتم الاتفاق عليه سيكون من أفضل لإسرائيل أن تواصل تحركها لتسليط الضوء على خطوط التجارة، والوصول إلى اتفاق حول الغاز الطبيعي يؤكد سيطرة إسرائيل والمزيد من المشاريع المشتركة مع تركيا على المستوى الأممي.
الجدير بالأهمية أن هذا الاتفاق يؤكد حق إسرائيل في فرض حصار بحري على قطاع غزة، إسرائيل لا تمتلك أعذارًا حول هذا الجانب في الساحة الدولية والثمن الذي دفع لإنجاز ذلك كان مستحقًا.