خبر : يوسي ملمان: غزة على مفرق طرق

الأحد 07 أغسطس 2016 01:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
يوسي ملمان: غزة على مفرق طرق



القدس المحتلة اطلس للدراسات #حماس تبلور استراتيجيتها العسكرية مستفيدة من دروس حرب 2014، #غزة على وشك كارثة إنسانية تقض مضجع كيان الاحتلال، والذي يسعى لإبعاد شبح المواجهة لسنوات قريبة وتنفيس الضغط.

كتب يوسي ملمان، محلل الشئون الأمنية والاستخباراتية في "معاريف" و"جيروزاليم بوست" أنه منذ انتهاء حرب 2014، التي أطلق عليها الاحتلال "الجرف الصامد"، تدور نقاشات داخل قيادة حماس لتحديد مواقفها ورسم استراتيجية الصراع للسنوات القادمة. بحسب تقارير - يصعب التأكد من مصداقيتها - فإنه من المتوقع حدوث تغييرات في القيادة السياسية والعسكرية لحماس.

المشاورات تتم من خلال اللقاءات المباشرة أو من خلال الرسائل، ويشارك فيها جميع المسؤولين في حماس: الذراع السياسية في غزة برئاسة #إسماعيل _#هنية ومحمود #الزهار، الذراع العسكرية في غزة برئاسة #يحيى _#السنوار ومحمد # ضيف و#مروان_#عيسى، الذراع السياسية في الخارج برئاسة خالد مشعل ونائبه موسى أبو مرزوق، وقادة الذراع العسكرية في الخارج ومنهم صلاح العاروري.

أحد أهداف المشاورات قد يكون استخلاص الدروس العسكرية والسياسية من الحرب في صيف 2014، وفحص ما إذا كانت حماس بحاجة إلى تغيير مواقفها وسياستها، وحل الخلافات الداخلية فيها، وبالذات بين القيادة السياسية والذراع العسكرية، ولا تتعلق فقط بإسرائيل؛ بل أيضًا بالموقف من إيران (الذراع العسكرية تجري اتصالات مع إيران وتحصل على الأموال والسلاح منها؛ الأمر الذي تعارضه قيادة الحركة)، وأيضًا العلاقة مع السعودية ومصر.

بعض الخلافات تم حلها، وبعضها مثل العلاقة مع إيران بقيت على حالها، الاتفاق الأوسع والأشمل الذي تم التوصل إليه هو حول العلاقة مع إسرائيل، الاستراتيجية التي اعتمدت في هذا الأمر لا هوادة فيها، قيل انه لا يوجد مكان للتراجع أو تقديم التنازلات السياسية لإسرائيل، وكذلك بقاء ميثاق حماس دون تغيير - والذي يعتبر "أرض إسرائيل" كلها فلسطين، من البحر الى النهر، منطقة اسلامية مقدسة - حماس أيضا تتمسك بموقفها القاضي بأن الدولة الفلسطينية التي تريد إقامتها يجب أن تتبنى الشريعة الإسلامية، وأن تكون قوانينها حسب الشريعة.

مع ذلك، الموقف الجديد/ القديم لحماس لا يعني أنها ستبادر في الغد إلى خطوات عسكرية ضد إسرائيل، في حماس هناك فهم - وهو مقبول على الذراع العسكرية أيضًا - بأن الحركة ليست مستعدة بعد لمواجهة عسكرية أخرى؛ لذلك يجب بذل الجهد من أجل الامتناع عن المواجهة في المستقبل القريب، وحتى ذلك الحين يجب الاستمرار في جهود التسلح وبناء القوة العسكرية.

حماس تمر حاليًا بضائقة استراتيجية، فهي ليس لها حليف في العالم العربي، قطر هي الممول الأكبر لإعمار القطاع، السعودية أيضًا تتبرع بالأموال، لكنها تتحفظ من حماس، دخول تركيا كطرف في إعمار القطاع في أعقاب اتفاق المصالحة مع إسرائيل لن يغير الوضع كثيرًا، فحماس عالقة بين ذراعين قويتين هما مصر وإسرائيل، مصر تقوم بهدم أنفاق التهريب، حماس الآن مرتدعة ولا تريد المواجهة، ومنذ "الجرف الصامد" لم يطلق نشطاؤها ولو رصاصة واحدة نحو إسرائيل.

الاستخلاصات العسكرية العملية التي يستطيع قادة حماس استخلاصها هي أنه رغم عدم تحقيق إنجازات عسكرية ذات أهمية استراتيجية؛ فان توجهات الحركة خلال الحرب كانت صحيحة ويجب تعزيزها، وهذا يشمل تحسين القدرات والاستمرار في حفر الأنفاق نحو العمق الاسرائيلي من أجل نقل جزء من المعركة مستقبلًا.

واضحٌ للجيش الاسرائيلي أيضًا أن أحد الاستنتاجات الهامة التي توصلت إليها حماس من الحرب هو أن استخدام الصواريخ بعيدة المدى - والتي أطلقت نحو مركز البلاد ومطار بن غوريون - لم تحقق هدفها، وذلك بفعل صمود المواطنين ونجاح "القبة الحديدية"، إضافة إلى الكثير من الحظ الذي منع وقوع أضرار بالغة في الأرواح والممتلكات، ومن هذا الاستنتاج تأخذ حماس العبرة بضرورة العودة إلى استخدام القذائف والصواريخ قصيرة المدى ضد غلاف غزة.

وخلافًا للوعود الأولية التي قدمتها شركة "رفائيلي" ووزارة الجيش فإن "القبة الحديدية" لا يمكنها إسقاط الصواريخ والقذائف قصيرة المدى بسبب المسافة القصيرة (حتى 7كم) وزمن الوصول (25 ثانية) إلى مناطق غلاف غزة، بما في ذلك "سديروت"، هذه المناطق ستكون مستهدفة أكثر من قبل حماس في الحرب القادمة، وستكون تحت القصف الكثيف، الملاجيء فقط هي التي يمكنها حماية السكان. وفي المقابل ستستمر حماس في إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على مدن إسرائيل في الجنوب والوسط، والقليل على الشمال أيضًا كما فعلت دون نجاح كبير في عملية "الجرف الصامد".

خطة بارليف

مع مرور عامين على عملية "الجرف الصامد" لا يوجد لدى رئيس الحكومة ووزير الجيش والكابينت والجهاز الأمني والعسكري في إسرائيل أي خداع للذات، فمن الواضح لهم أن إسرائيل ستضطر في وقت ما للخروج في حرب جديدة، رابعة ضد حماس في قطاع غزة، ولكن في المقابل تتعزز القناعة في إسرائيل بأنه يجب مضاعفة عدد الجهود من أجل إبعاد خطر المواجهة العسكرية لعدة سنوات أخرى على الأقل.

إن إبعاد خطر المواجهة القادمة يتعلق بقدرة ردع الجيش الإسرائيلي - التي ما زالت ناجعة حتى الآن من خلال بناء العوائق الأرضية وتحت الأرضية - ضد الأنفاق وتحسين استعدادية الجبهة الداخلية، ولكن إذا كانت هذه الأمور تعمل على إبعاد اندلاع المواجهة؛ فمن الواضح أن التهديد الأكبر للهدوء السائد منذ سنتين في الجنوب هو الوضع الاجتماعي - الاقتصادي المتدهور جدًا لأغلبية سكان القطاع الذين يبلغ عددهم 1.8 مليون نسمة.

كثيرٌ من الباحثين والمحللين يعتقدون بأن الحرب الأخيرة اندلعت بسبب الأزمة الاقتصادية والرغبة لدى حماس في "رفع الحصار"، وهذا هو سبب رفض مصر وإسرائيل الاستجابة لأي طلب من طلبات حماس أثناء المفاوضات، وأغلبية الطلبات كانت اقتصادية من أجل عدم منح المنظمة - ولو شكليًا - أي انجاز.

إسرائيل تدرك شيئًا فشيئًا أن غزة على أبواب "كارثة إنسانية"، ومن المتوقع أن يحدث ذلك خلال 3 - 4 سنوات، ومن وضع هذا التعبير هم خبراء الأمم المتحدة، والحكومة والجيش تبنيا ذلك. من الآن الوضع غير محتمل، قبل ثلاثة أشهر طرحت هنا معطيات حول الضائقة واليأس في غزة، هذه المعطيات يجب أن تقلق إسرائيل وتزعزعها. في العقد الأخير، منذ الانفصال عن غزة، زاد عدد السكان بـ 600 ألف نسمة، مساحة القطاع 365كم مربع واكتظاظ السكان هو 4.822 شخص في كيلومتر مربع واحد، وهذه هي المكان الثالث من حيث الاكتظاظ في العالم. حسب تقرير الأمم المتحدة سيصل عدد سكان القطاع بعد أربع سنوات إلى 2.3 مليون نسمة.

لقد غرق في غزة 500 شخص في السنوات الأخيرة عندما حاولوا الإبحار في قوارب صغيرة للصيد والوصول الى شاطئ أمان على البحر المتوسط، هذا على خلفية الضائقة والإحباط، هناك زيادة في عدد حالات الانتحار وحالات القتل داخل العائلة، نسبة البطالة في أوساط الشباب تصل إلى 60%، 90% من المياه في غزة غير صالحة للشرب، ويتم إخراج كمية زائدة من الآبار الارتوازية، وتعتبر مياه غزة مالحة إلى درجة أن الأجانب يقومون بتنظيف أسنانهم بالمياه المعدنية. الآن، حيث عادت تركيا إلى الصورة، فهناك أمل لأن تنفذ حكومة أردوغان وعودها، وتقوم بالتعاون مع ألمانيا ببناء محطة لتحلية مياه البحر، ومع ذلك ستستغرق إقامة هذه المحطة بضع سنوات.

مصر لا ترغب في سماع الحلول بموضوع غزة، فغزة لا تعنيها، فهي أغلقت معبر رفح والحركة التجارية فيه ضئيلة، لقد ألقت مصر بغزة إلى إسرائيل، وأصبحت المسؤولية ملقاة على عاتق إسرائيل. في كل يوم تدخل إلى القطاع حوالي ألف شاحنة محملة بالبضائع: الطعام والوقود والأدوية والاسمنت، وهناك خطة لزيادة عدد الشاحنات، أغلبية التمويل يأتي من قطر.

مؤخرًا قدمت قطر لحماس - بموافقة إسرائيلية - 30 مليون دولار من أجل دفع رواتب الموظفين، وإسرائيل تزود القطاع بنصف كمية الكهرباء، لكن ذلك لا يكفي، هناك نقص بـ 50% بالكهرباء، والقطاع يعاني من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ولدى منسق شؤون المناطق يفحصون الآن خططًا جديدة لزيادة كمية الكهرباء وإقامة أنبوب لإعطاء الغاز للقطاع، ولكن هذه المساعدة تشبه الحبوب المسكنة لمريض يحتضر، فقط خطوة كبيرة لها مغزى اقتصادي استراتيجي يمكنها وقف الكارثة الإنسانية وإبعاد الحرب، والخطة الأكثر قابلية للتحقق هي بناء الميناء.

هذه الفكرة ليست جديدة، فقد تم طرحها في أوساط عسكرية وسياسية، وأول من قام بطرحها هو عضو الكنيست عومر بارليف من "المعسكر الصهيوني" في تشرين الأول 2014، بعد انتهاء الحرب بشهرين. وقد قدم خطة باسم "غزة الفرصة" وهي تشمل جدولًا زمنيًا مفصلًا، وحسب هذه الخطة سيتم إنشاء الميناء خلال أربع سنوات، ولكن ليس قبل نزع السلاح من غزة.

"في البداية حماس تعطي وبعدها تأخذ" كتب عضو الكنيست بارليف في خطته، "الميناء البحري والجوي سيعملان بعد نزع السلاح من القطاع بسنوات، الأمر الذي سيسمح باختبار الرقابة الدولية على نزع السلاح. ويضاف إلى ذلك أن حماس والدول المانحة لا تريد بناء الميناء والمطار اللذيْن قد يتم تدميرهما في الحرب القادمة. في السطر الأخير إسرائيل لن تخسر أي شيء. بدون اتفاق على نزع السلاح من غزة، فإن حماس ستتسلح من جديد وستطلق النار على إسرائيل ونحن سنرد. الخطة المطروحة تحاول إعفاءنا من هذا السيناريو".

فكرة إقامة الميناء مقبولة على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (الجيش و"الشاباك" و"الموساد")، والشرط هو أن تكون إسرائيل هي صاحبة الحق في الرقابة الكاملة على البضائع التي ستصل إلى الميناء من أجل ضمان عدم تهريب السلاح أو المواد التي تستخدم في تصنيعه.

يدعم هذه الفكرة في الأشهر الأخيرة وزير المواصلات يسرائيل كاتس الذي يطلق على خطته اسم "جزيرة - انفصال"، الفكرة هي إقامة جزيرة صناعية في البحر بتمويل دولي على بعد 4.5كم عن شواطيء غزة، وقد تم اعداد النموذج من قبل شركة "موانئ إسرائيل" التي اعتمدت على خطة رجل الأعمال اسحق تشوفا، الذي اقترح إقامة جزر صناعية أمام شواطيء إسرائيل وإنشاء وحدات سكنية عليها. في الجزيرة أمام غزة تقام أيضًا - إضافة إلى الميناء - مصانع للطاقة ولتحلية المياه، وفيما بعد أيضًا مطار وفنادق، ولكن ليس وحدات سكنية.

الفحص الأمني في الميناء يكون برقابة إسرائيلية مطلقة، ويتم وصل الجزيرة مع غزة بواسطة جسر في مركزه نقطة فحص أمنية أخرى برقابة دولية؛ هكذا لن تعود إسرائيل مسؤولة عن غزة، وستعطى للفلسطينيين الحرية المدنية الكاملة، وتحافظ إسرائيل على أمنها دون الخوف من تهريب السلاح، والحفاظ على نزع السلاح هو الشرط لإنشاء الجزيرة، يفترض أن يجتمع الكابينت قريبًا لنقاش اقتراح كاتس.

السؤال الكبير هو ما إذا كان نتنياهو يستطيع التغلب على معارضة ليبرمان والشعور بأن صيت المبادرة سيُعطى لخصمه السياسي كاتس، الذي يعتبر الآن القائم بأعماله، والذي وعده في السابق بأن يعينه وزيرًا للخارجية.

معاريف