كثيرا ما حذرت في محاضرات ولقاءات عن مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا الفيس بوك وان هذا الوسيلة نقلتنا من الخصوصية ومحدودية التعارف والتواصل الى فضاءات شاسعة واسعة كمن كان جائعا لفترة طويله وفجأه وجد سفرة طعام عليها ما لذ وطاب فبدا يأكل منها متناسيا أن جوعه الطويل وأكله بتخبط سيؤدي به إلى حالة من التلبك المعوي القاتل.
قلت (ولا أعتقد أن البعض كان بحاجة لنصائحي على اعتبار أن عالم المعرفة أصبح متاحا للجميع) أن هناك بعض المحاذير الواجب مراعاتها في عالم الفيس بوك للحفاظ على الخصوصية ومنع الوقوع في شباك المتلصصين أو المبتزين أو فاقدي الضمير وأفراد العصابات.
علينا أن نحاول قدر الإمكان عدم قبول طلبات صداقة من مجهولين أو من أشخاص لا نعرفهم في الواقع الحقيقي حتى لو كان الاصدقاء المشتركون بيننا كثُر على اعتبار أن هفوتنا بقبولهم من معيار الأصدقاء المشتركين هي نفس الهفوة للأخرين كمقياس لقبول الصداقة، كذلك عدم قبول أي طلب صداقة لأسماء وهمية أو مستعارة حتى لو كانت نسبة المشتركين بدرجة 90% بيننا، والأخطر هو قبول صديق فتح حساب من لحظات وارسل طلبه.
نذكر قصة هنا .. لي صديق كنت أعرفه منذ مدة طويلة وكان مثالاً للأخلاق والإلتزام لدرجة أنه يحسب حساب الحرف قبل أن ينطقه ويخرج من على لسانه وكأن هذا الصديق له حساب على الفيس بوك لا يشارك من خلاله إلا كل ما هو هادف وملتزم ولكن تفاجات برسالة داخلية عندي بإسم فتاة وتطلب مني قراءة المرفق من رسائل محادثة بينها وبين صديقي قامت بتصويرها وإرسالها إلى كافة أصدقائه، طبعا هي وفق التسلسل الزمني لم يمضي على تعارفهم الا بضع أيام ومن الواضح أنه لغبائه كان مستهدفاً حيث أرسلت له تلك الفتاة الوهمية والتي اعتقد جازمة أنها إما تعمل ضمن عصابة أو أنها رجل يريد الإيقاع به وابتزازه، فأرسلت له طلب صداقة بصورة فتاة محجبة خجولة جميلة وبعد قبوله للطلب دخلت على المحادثة واعتذرت منه على أنها أرسلت الطلب بالخطأ وأنها يسعدها صداقته لكن لا يمكنها الاستمرار ، فما كان من صديقي إلا أن أقنعها بالبقاء كأصدقاء وواضح أنه أكل الطعم وبدأت تمثيلية إيقاعه بالشرك وكانت بداية حديث ملتزم وامتدت إلى ساعات حتى وصلت منتصف الليل وهنا وقع في المحظور وبدأت المحادثه تأخذ طابعاً خاصاً ومنفتحاً بينهما، وأجزم بأن تلك الصديقة الوهمية بدأت بعمليه الابتزاز بعد تسجيل تلك المحادثات وحين رفض قامت بفضحه و إرسال صور المحادثة لكافة أصدقائه، ولزوجته ومحيطه، وهنا بدأ مشوار العذاب فكيف لهذا الرجل الفاضل أن يكون بهذه الصورة البشعة.
من هنا وقبل ان نلتفت يساراً ويميناً عند إرسال أحدهم طلب صداقة ونسارع لقبوله علينا ان نسأل أنفسنا سؤالا هل قبول طلب مجهولين هو للتباهي بعدد الأصدقاء والمتابعين أو أننا سنكون عرضة للوقوع في مطبات وأفخاخ وشباك نصبت لنا سلفا من جهات لها مطامع ومآرب للوصول لنا.
علينا أن نكون أكثر وعياً وإدراكاً بأن عالم الفيس بوك الإبحار به كمن يدخل رجله في مياه ضحله تسحبنا إلى القاع دون القدرة على الخلاص عند فوات الآوان وعلينا أن نعي جيداً أن المتربصين كثر وأن نعيد النظر في فلسفة قبول طلبات الصداقة.
د. سهاد زهران: محاضر في علم النفس