خبر : «اليهود العرب» ليهودا شنهاف: تحليل نقدي لمسؤولية الحركة الصهيونية عن اللجوء.. تحسين يقين

السبت 06 أغسطس 2016 09:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT




ألف باء القضية:
جريمة تهجير المواطنين الفلسطينيين تتحمّل مسؤوليتها الجهة التي سببت الهجرة.
جريمة تهجير المواطنين العرب من أبناء وبنات الديانة اليهودية في الدول العربية وغيرها تتحمل مسؤوليتها الجهات التي فعلت ذلك.
وليس صعبا معرفة الفاعل، وبإمكان المحققين التاريخيين البحث في ذلك، خصوصا أن جزءا من المهجرين ما زالوا على قيد الحياة، إضافة إلى الروايات الشفوية المسجلة والمكتوبة.
وعليه، أدعي ويدعي مع كثيرون، أنه بالرغم من أن الآلام الإنسانية واحدة للفلسطينيين ولليهود، إلا أن استحقاقات الحلول ليس بالتبادل أبدا، كون تهجير كلا الطرفين أمراً تتحمله الحركة الصهيونية.
مساواة في الألم ربما، لكن ليست مساواة في التبادلية التي تم اقتراحها حين بدأ بحث قضية اللاجئين الفلسطينيين، حينما زج المفاوضون الإسرائيليون بقضية اللاجئين اليهود، التي يعرفون من مسببها.

الاتجاهات النقدية لدى يهودا شناف:
"لم يكتف يهودا شنهاف بالتصدّي لـ "عملية تطهير اليهودي العربي من عروبته" من الناحية النظرية فقط، كما يتجلّى في هذا الكتاب وغيره من أبحاثه ومقالاته العديدة، بل إنه يردف ذلك بالسلوك العمليّ. فقد اتجّه إلى تعلّم اللغة العربية واستغرقه هذا الأمر مدة عشر سنوات، وبعد ذلك بات ينذر جلّ وقته لترجمة نتاجات من الأدبين العربي والفلسطيني إلى اللغة العبرية، فأنجز حتى الآن ترجمات لكتاب عرب وفلسطينيين مثل إلياس خوري وسلمان ناطور ومحمود شقير وعلي المقري ومحمود الريماوي وسميرة عزّام وغيرهم. و"بذا قدّم نموذجًا طليعيًا يُحتذى لما يعتبره مسؤولية أخلاقية يتعيّن على المثقف أن يحملها على كاهله ترتبًا على سعيه نحو غايات كثيرة في مقدمها تحدّي نظرية المعرفة الصهيونية".
لقد تمت الإشارة لهذه المعلومة في تقديم الكتاب؛ ربما لدلالتها على الاتجاهات الفكرية-الأخلاقية لديه، في النظرة الموضوعية، لإشكالية اللجوء التي طالت الفلسطينيين المهجرين على يد الحركة الصهيونية، في الوقت الذي قامت تلك الحركة ليس بعملية تهجير لليهود في الدول العربية المحيطة وغيرها، بل فيما هو أسوأ، ألا وهو محو هويتهم الثقافية.

أمران كانا في وعينا فلسطينيين وعربا:
الأول: كان من الصغر، وهو يتعلق بدور الحركة الصهيونية في تهجير المواطنين اليهود من الدول العربية، والثاني كان حين تم بحث قضية اللاجئين الفلسطينيين في سياق اتفاقية أوسلو عام 1993 والتي بدأ الحديث عنها ولم ينته.
فيما بعد، تعرفنا على المستويات المختلفة للمواطنين اليهود، حيث دخل المجتمعات ومنها مثلا مصر يهود من العالم، طلبا للاستثمار. ولم يكن اليهود في الدول العربية كلا متجانسا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، بل وفي رؤيتهم للحركة الصهيونية ثم لدول اسرائيل المؤسسة حديثا في سنوات الأربعينات والخمسينات، ولكن للأسف فقد تركت الفتنة الصهيونية أثرها سلبا وما زالت على صورة اليهودي قديما وحديثا، عربا كانوا أو من بلاد غير عربية.
من هذا المنطلق يمكن النظر الى كتاب يهودا شنهاف كـ "تفكيك طليعي للخطاب الإسرائيلي إزاء "اليهود الشرقيين" ووضعه ضمن السياق الكولونيالي للصهيونية، حيث يعتبر الكتاب طليعيا في ما يختص بدرس جوهر كينونة اليهود الذين يسمون وفق القاموس الصهيوني بـ"المزراحيين" (الشرقيين) ويعتبرهم الكاتب يهودًا عربًا أولا ودائما."
ويمكن تفسير (الشرقيين-العرب) بتعويم الصهيونية الكولينيانية للهوية والثقافة العربية لليهود كمواطنين عرب، لفصلهم عن العروبة، لذلك جاء "توظيف شنهاف لمصطلح اليهود العرب عن اعتراض أساس إزاء ما كرسه الخطاب الصهيوني وما يزال من تضاد بين العرب واليهود عموما، ويعلن عن مقاربة مختلفة تفكك هذا الخطاب، وتضعه في السياق الكولونيالي للحركة الصهيونية، وتكشف عن مساجلات أرشيفية جديدة تظهر النظرة الاستشراقية التي اتسمت بها النخب الصهيونية تجاه هؤلاء اليهود العرب"، حيث فتحت الحركة الصهيونية أعينها على اليهود العرب باعتبارهم مخزونًا للهجرة اليهودية.
لذلك ووفقا لشنهاف، فقد تم إخضاع اليهود العرب لدراستهم في المجتمعات الأصلية "التي استضافتهم"، ودرست ثقافاتهم المحلية وتواريخهم الدينية وعلاقاتهم مع الجاليات اليهودية الأخرى والأنماط المتغيرة التي وسمت علاقاتهم مع البيئات العربية المحيطة بهم. وركزت وجهات النظر التي انطوى عليها التاريخ الاجتماعي على الخصائص الديمغرافية لليهود العرب، من قبيل أنماط الزواج والخصوبة، وحياتهم اليومية ومواقعهم الطبقية المتغيرة".
أما سبب ذلك، فهو سبب الاستشراق نفسه، وهو تحقيق غايات استعمارية، وفي حالة اليهود العرب، كان الهدف "استيعابهم في إسرائيل، وتعبئتهم وحشدهم من خلال السياسة، وأشكال احتجاجاتهم وحراكهم (أو جمودهم) ومكانهم ضمن منظومة التقسيم الطبقي والأنظمة السياسية الإسرائيلية.
ويعرض الكاتب بشكل نقدي للنظرية المعرفية الصهيونية والتي "رأت أن حياة اليهود العرب في الدول العربية تعتبر شاذة وغير سوية، وأن هجرتهم إلى إسرائيل كما لو كانت هي الحل المحتوم لهذا الشذوذ".
إن ذلك يبين النظرة الاستعلائية، والتي تنفي البشر من خلال الادعاء بالتخليص!
لذلك جاء الكتاب أيضا لتوضيح ردود الفعل المقاومة للتطهير الثقافي العروبي خصوصا في الخمسينيات والستينيات، حيث "يكشف الكتاب ايضا عبر المراسلات والوثائق أن المندوبين الصهاينة العلمانيين سعوا لتعزيز البعد الديني بين اليهود العرب من أجل "تطهيرهم" من عروبتهم، ما أسس لنتائج عكسية في فترة الدولة، حيث أدت المحاولات الرامية إلى بناء هوية إسرائيلية لليهود العرب من خلال قمع هويتهم العربية، إلى التمسك أكثر فأكثر بهذه الهوية وإلى تحديد مسألة التمييز الطائفي في إسرائيل، التي تحيل بدورها إلى بذور التناقض في الصهيونية، فكرًا وممارسة".

اللجوء نظرة مقارنة!
وربطا بما ابتدأنا به من حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، عودتهم وتعويضهم، والتي في إثرها تم طرح مشكلة اللاجئين اليهود العرب إلى إسرائيل قبل وبعد قيام الدولة، علما أن الحركة الصهيونية مسؤولة عن تهجير الفلسطينيين، كذلك اليهود؛ حيث "يتبنى الكتاب عرض منظور جديد لفهم العلاقات الدقيقة بين اليهود العرب واللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا عن ديارهم في العام 1948، وهي علاقة عادةً ما تجري التعمية عليها أو إقصاؤها في الدراسات التي تستند إلى التأريخ الصهيوني ونظرية المعرفة الصهيونية. ويشير إلى أننا ما زلنا نشهد، منذ العام 2000، حملة مكثفة تستهدف تأمين الاعتراف السياسي والقانوني باليهود العرب بوصفهم لاجئين. وقد سعت هذه الحملة إلى خلق حالة من التماثل مع اللاجئين الفلسطينيين، حيث تصور كلتا المجموعتين على أنهما ضحيتان من ضحايا حرب 1948. وفي الواقع كما يشير الكتاب، يأمل مناصرو هذه الحملة، وعلى رأسهم إسرائيل التي تلقى المساعدة من المنظمات اليهودية في هذا الشأن، بأن تحول دون منح "حق العودة" للفلسطينيين وتقليص حجم التعويضات التي يحتمل أن يطلب إلى إسرائيل أن تدفعها عن الأملاك الفلسطينية التي وضع الحارس العام الإسرائيلي لأملاك الغائبين يده عليها.
ويؤكد أن الفكرة التي تقف وراء الخروج بهذا القياس تشكل سياسة رعناء وظلمًا أخلاقيًا، وليس أقل من ذلك قراءة خاطئة للتاريخ.
كما يؤكد أنه ينبغي لأي شخص عاقل أن يقر بأن القياس الذي أقيم بين الفلسطينيين واليهود العرب لا أساس له. فلم يكن اللاجئون الفلسطينيون يريدون مغادرة فلسطين. كما تعرض العديد من التجمعات السكانية الفلسطينية للتدمير في عام 1948، وطُرد ما يقرب من 700,000 فلسطيني، أو فروا، من ديارهم إلى خارج حدود فلسطين التاريخية. وأولئك الذين غادروا أرضهم لم يفعلوا ذلك بملء إرادتهم. وفي المقابل، وصل اليهود العرب إلى إسرائيل بموجب مبادرة أطلقتها إسرائيل والمنظمات اليهودية. وقد كان بعضهم يعيش في راحة وأمان في الأراضي العربية، وكان آخرون منهم يعانون من الخوف والاضطهاد. وفي الواقع، فإن تاريخ اليهود العرب وهجرتهم إلى إسرائيل تتسم بالتعقيد، ولا يمكن استيعابها في تفسير سطحي ضحل، حيث فقد الكثير من القادمين الجدد أملاكًا جمة، وليس هناك من جدل حول وجوب السماح لهم برفع مطالباتهم الفردية لاسترداد ممتلكاتهم من الدول العربية. أما القياس اللاأخلاقي الذي لا يستند إلى أي أساس، والذي يساوي بين اللاجئين الفلسطينيين واليهود العرب، فهو يورط أفراد كلتا المجموعتين في خلاف لا داعي له، ولا يحترم كرامة الكثيرين من اليهود العرب ويلحق الضرر بإمكان التوصل إلى مصالحة حقيقية بين اليهود والعرب.
وهذا يعيدنا إلى ما ابتدأنا به!
فكل الاحترام لكل صاحب قلم موضوعي وأخلاقي وقانوني.

-------------------
*صدر كتاب "اليهود العرب: قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية" عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" لمؤلفه يهودا شنهاف، ترجمه عن الإنكليزية ياسين السيّد، ويقع في (372) صفحة.
**يذكر أن شنهاف هو أستاذ علم الاجتماع والأنثربولوجيا في جامعة تل أبيب وباحث كبير في "معهد فان لير" في القدس، وكان لسنوات طويلة رئيس تحرير المجلة العلمية الإسرائيلية "نظرية ونقد"، المتخصصة أكثر شيء في نقد الصهيونية وإسرائيل.