خبر : بين محمد الفقيه وبلال كايد: صورة الفلسطينيين الذين لا يستسلمون ...حسين حجازي

السبت 06 أغسطس 2016 09:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT




شلال الدم لم يتوقف للحظة واحدة عن النزف المتواصل، هكذا أسماه عرفات "شلال الدم الفلسطيني" هو لا يتوقف ولا يتوقف الزمن أو الصراع. وقدّس الفلسطينيون في هذه المأساة أسطورتهم، او لعله شقاءهم هذا الممتد عبر مئة عام، وكان حتى الأمس محمد الفقيه "ولكن محمد واصل إطلاق الرصاص" يقول التقرير الصحافي فلم يجدوا أمامهم بالأخير سوى هدم البيت فوق جثته، لكيما يؤكد الجيش، جيش الاحتلال، انتصاره على محمد، ولكن يقول الشاعر عند هذه اللحظة "ولقد تزوجت البلاد يا محمد". وهكذا تمضي فصول الحكاية كما لو أنها قدر إغريقي تواصل فيه الروح مواجهة السيف، وانتصارها الحتمي على هذا السيف، وهم انفسهم المواطنون الأتراك الشرفاء الذين القوا بأجسادهم العارية أمام الدبابات ليلة الخامس عشر من تموز في أنقرة وإسطنبول وأفشلوا الانقلاب.
لكن الاحتلال الإسرائيلي هنا وبعد مئة عام من اختبارنا نحن الفلسطينيين لا يقر بعد بفشله او هزيمته أمامنا. ولكن غداً عندما تنتهي هذه الحقبة وتضع الحرب أوزارها، حرب التحرير الوطني الفلسطيني، فإن الأجيال اللاحقة من الفلسطينيين سوف يدركون الثمن الباهظ الذي دفعته الأجيال السابقة، من اجل الحصول على هذا الوطن الذي لا يعادله أي شيء. وان إعادة بعث فلسطين على الخارطة والجغرافيا ولو على جزء صغير، ولو على حجر من فلسطين انما كان بالدم والدمع والألم.
وليذهب محمد كما في الأغنية والقصيدة لكي ينام مع الشهداء، وننشد له ولهم جميعاً ونصلي بأن يصبحوا على وطن. لكننا عند كل شروق صبح منذ أربعين صبحاً سوف نعاود العد من جديد، ولكن هذه المرة مع القائد الأسير بلال كايد والأسرى هم الشهداء الأحياء القديسون، متى تشرق الشمس على حريتهم؟ متى يعودون من رحلة هذا الغياب الى البيت؟.
سوف يعودون يخرجون من تحت هذه القبور ليدخل فيها آخرون كما الباب الدوار في هذا التناوب او التعاقب الذي لا ينتهي في الزمن، كتناوب الليل والنهار، كأنما الزمن في هذا الدوران يتوقف عن سيره الطبيعي الى الأمام، ولا يعلنون هنا فشلهم في اعتقالهم لشعب بأكمله تم اقتياد معظم شبابه على مدى خمسين عاماً الى السجون، بل فخرهم واعتزازهم بهذا النجاح، وإذ لم يكتفوا بكل ذلك ذهبوا الى سن القوانين فهذه دولة قانون باعتقال الأطفال القاصرين من هم في سن الرابعة عشرة، ولا تشرق الشمس صباح كل يوم جديد دون ان تتصدر عناوين أخبار الفلسطينيين ذات العدد تقريباً باعتقال المطلوبين الجدد، الذين يقارب عددهم العشرين.
هذه دولة احتلال مريضة ومهووسة بالقتل والاعتقال، لكن المشكلة، مأزق هذا الجلاد أن الضحية لا ترفع شارة او راية الاستسلام. فماذا يفعل الجلاد؟ انه لا يقوم بالانسحاب والعودة أدراجه من أمام موسكو الخالية من ملك وشعب، ليرفع أمام نابليون راية الاستسلام. ولكنهم هنا يواصلون التوغل التقدم في تكرار نفس العمل الذي ما انفكوا عن القيام به بنفس الأداء، أداء نفس العمل بصورة حرفية او صحيحة، ولكن ليس هو العمل الصحيح.
لكن السؤال الفضولي هنا او الصحيح في سياق هذه القصة، لماذا يضرب الاحتلال بأيديولوجيته عرض الحائط، وقد ملأ الدنيا ادعاء وتفاخراً حول قيمه وعقائده الأخلاقية والمستنيرة عن احترامه للقوانين وحقوق الإنسان، وأولوية الدولة على عقلية العصابة، والى ما هنالك من موزاييك هذه الادعاءات الكاذبة، حتى يوقف نفاذ حكم صادر بحق اسير هو بلال كايد، بعد ان أمضى مدة محكوميته، وبدل الإفراج عنه يمددون له الحبس إدارياً في سابقة ربما تحدث للمرة الأولى؟
والجواب هو لماذا لا يترددون دون ان يرمش لهم جفن بالتخلي عن قيمهم ومعاييرهم عن الديمقراطية، هكذا في لحظة الحقيقة ليلة الخامس عشر من تموز يتركون اردوغان وحكومته المنتخبان ديمقراطياً، فيما قلوبهم وأمنياتهم ودعواهم مع الانقلابيين. والجواب أيضا ما الذي يجعل حزب المحافظين القوميين الحزب الجمهوري الأميركي عند هذه اللحظة لا يجد له مرشحاً عنه بالإجماع لرئاسة أميركا، غير هذا السفيه والمهرج السياسي دونالد ترامب؟ الذي لا يخفي تمثيله الفظ والعنصري للبيض الأميركيين الأصليين في مواجهة السود وكل الأعراق والأقليات الأُخرى.
وتالياً لماذا يمارسون هذا الدجل والدسيسة في الحزب الديمقراطي المنافس هو الآخر على الرئاسة، حين يكشف عن هذه الفضيحة من عدم النزاهة في قيادة الحزب بالتحيز الى هلاري كلينتون ضد ساندرز؟.
هذه لحظات نادرة من الكشف وجلاء الحقيقة تماماً كما في تلك اللحظة عصر ذلك اليوم من الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، حين صرخ بنيامين نتنياهو للإسرائيليين الجالسين في بيوتهم: ماذا تنتظرون؟ هبوا للتحرك الى صناديق الانتخابات لأن العرب قد سبقوكم بحشودهم الى هناك. وحتى إذا اعتذر هذا المنافق قبل أيام عن أقواله، فإن اعتذاره بالانجليزية هو ما يفضحه لأن اعتذاره انما كان دهاناً ونفاقاً لأوليائه هناك أي للغرب نفسه. بعد أن استطاعوا، أيمن عودة ورفاقه من القائمة المشتركة، فضحه هناك في الأمم المتحدة وعواصم الغرب التي يحاول التماهي مع ادعاءاتها.
ولكن القاعدة انما يجوز للغرب أي للراعي وولي الامر لا يجوز للتابع، فان هذا الأخير اعتذر عن فعلته انه نوع من ممارسة هذا الضحك او الكذب الذي يشبه الحفلات التنكرية، التي يضحك فيها الكل على الجميع والجميع على نفسه.
والواقع ان حسابات ودوافع غامضة ربما وراء هذا الإجراء التعسفي بعدم إنفاذ أحكام القانون والإفراج عن بلال كايد، وربما التفسير الوحيد والممكن يكمن في هذه السلسلة من الإجراءات التي أقدمت عليها دولة الاحتلال في الفترة الأخيرة، واستهدفت على نحو مباشر كوادر من الجبهة الشعبية، من الذهاب الى بلغاريا لاغتيال عمر النايف، الى اعتقال السيدة خالدة جرار دون سبب يدعو الى ذلك، وانما بحجة او ذريعة واهية. والآن في هذه المرة رفض الإفراج عن الأسير بلال كايد رغم انتهاء مدة محكوميته أربعة عشر عاما ونصف العام.
فهل يكون الأشخاص خطيرين من أي نوع كان من أنواع الخطر على المحتلين بعد ان امضوا من أعمارهم أربعة عشر عاما في السجون؟ اذا افترضنا ان هذا هو المبرر او السبب الغامض لكيما تخاطر إسرائيل التخلي أمام العالم عن ادعائها احترام القوانين، حتى قوانينها هي نفسها. أم أن وراء الأكمة ما وراءها في هذه الحرب الإسرائيلية ضد الجبهة الشعبية؟.
وفي الماضي البعيد ذهبوا في عقد السبعينات لاغتيال رجلين مؤثرين في الجبهة الشعبية، الأول غسان كنفاني والثاني وديع حداد. وفي الماضي القريب اغتالوا أبو علي مصطفى واعتقلوا احمد سعدات، وفي وقت آخر اعتقلوا عبد الرحيم ملوح، وكأن التسلسل او التراتبية القيادية في هذا الفصيل كانت هي هدفهم في كل مرة. وهذا هو أيضا ما كان هاجسهم في حملة الاغتيالات ضد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح وصولا الى ياسر عرفات، كما تجاه الصف القيادي الأول في حركة حماس.
لا تتوقف إسرائيل الاحتلالية أن تقدم لنا نفسها وللعالم بصورتها الوحشية، ولكن الفلسطينيين لا يتوقفون هم كذلك عن تقديم صورتهم البطولية أمام انفسهم والعالم، على شدة بأسهم ومناعتهم كما عنادهم في رفضهم الاستسلام.