بعد مرور عامين علي اعتداء تموز 2014م تتصاعد وتيرة التهديدات الاسرائيلية ضد قطاع غزة ما يعكس الحالة السائدة بين اوساط السياسيين و العسكريين علي حد سواء وتخلص في محتواها بحقيقة ان المواجهة مع غزة وان تأخرت فإنها واقعة لا مُحالة حيث التقدير العام في اوساط اليمين المتطرف المسيطر علي الحكم ومركز اتخاذ القرار يتحدث عن فرضية تبدد الهدوء القائم وانهيار التهدئة وعودة المنطقة الي مربع النار من جديد.!, والتبرير جاهز وقائم علي الدوام ويتمحور حول تهديد الفصائل الفلسطينية لأمن اسرائيل دون ان تنجح عملية "الجرف الصامد" .! من ازالة التهديد.! ولم تحقق الهدف الرئيس من قيام جيش الاحتلال بأوسع اعتداء دموي منذ عقود .! وهذا يُشعر قادة الاحتلال بالهزيمة علي الدوام ويدفعهم الي استهداف غزة من جديد مع تنامي قوة المقاومة الفلسطينية وتطور امكاناتها ونجاحها في ترميم بُنيتها التحتية والعسكرية وهذا الاستنتاج السائد ليس في اوساط جنرالات الجيش المحتل وانما في اوساط السياسيين وايضاً من هم خارج متخذي القرار ويمتلكون التأثير عليه.! الامر يتعلق بالمستوطنين وقادتهم ممن غادروا عنوة تحت ضربات المقاومة الفلسطينية من مستوطنات غلاف غزة ومدن الوسط الي مناطق تُعتبر اكثر امناً طالتها نيران المقاومة وافشلت بذلك مخطط قيادة الجيش الاسرائيلي بحصر المعركة في نطاقها المحدود واصيبت الجبهة الداخلية الاسرائيلية بمقتل بعد وصول الصواريخ القادمة من غزة الي معظم المدن و المناطق الفلسطينية المحتلة واهمها مدينة تل ابيب كمركز اقتصادي ومالي وسياسي وتصبح بذلك تحت التهديد الفلسطيني المباشر وانهيار واضح لقوة الردع الاحتلالي وفشل منظومته العسكرية من اعتراض القذائف, وفشل استخباراتي , واصابات دقيقة في الاليات و الافراد ما شكل تهديدا حقيقياً علي اي مغامرة تُقدم عليها دولة الاحتلال وتنفيذ خطة الاجتياح الكامل تم افشالها .
لم يرفع الحصار عن غزة , وتبددت آمالها برفع الطوق الخانق المضروب حول عنقها , وتلاشي طموحها سريعاً بعد ابرام اتفاق المصالحة التركية الاسرائيلية وعودة العلاقات السياسية والاقتصادية و العسكرية لسابق عهدها بعدما تحقق شرطين اثنين من ثلاثة شروط كانت تؤكد عليها الدولة التركية و تُصر علي تنفيذها رزمة واحدة كشروط لعودة العلاقات الاستراتيجية يتمحور شرطها الثالث حول رفع كامل لحصار غزة وهذا ما لم يتحقق وبذلك تغادر كل من تركيا و اسرائيل تحقيق الشرط الاخير بالاتفاق علي تخفيف الحصار وعدم رفعه كلياً..! والاتفاق علي نقل المساعدات و المعونات الانسانية التركية من خلال الموانئ الاسرائيلية ونقلها الي غزة , وانشاء مشاريع خدماتية تحتاجها غزة .! قد يكون هذا مهماً ولكن الاهم لم يتحقق برفع الطوق المشدد عن غزة مع ما ينتج عنه من تداعيات ومشاكل وتنامي حالة من الضيق الشديد مع انعدام أي افق سياسي واندثار الامل بنجاح تركيا برفع الحصار وبقاء الاوضاع المأساوية علي حالها بل تزداد وطأتها سوء يومياً مع اطالة امده دون مؤشر لتنفس 1,9مليون فلسطيني الصعداء يعيشون ظروفاً غاية في التعقيد بلا كهرباء ,ولا مياه صالحة للشرب, وتردى واضح في مستوى الخدمات الحيوية الاساسية , وانتشار الفقر , وانتشار ظواهر اجتماعية خطيرة تتهدد النسيج المجتمعي لم تكن من ذي قبل , وارتفاع مستوى البطالة بشكل مضطرد , وعملية اعمار تسير ببطء , وبني تحية متهالكة , وقطاعات اقتصادية و انتاجية اصابها الضرر التام , واعتماد 80% من سكانها للمعونات والمساعدات , واغلاق متواصل للمعابر جميعها اسباب تضع غزة علي حافة الانفجار مع انعدام الامل بتغير الواقع الحياتي , وفي جانب اخر ترك الانقسام السياسي اثاراً تدميرية اضافية لا يُمكن اغفالها وبذلك يساهم الحصار و الانقسام في خنق غزة..
اعتداء صيف 2014م انتهي دون ان يكون هناك اتفاق رسمي ابرم في حينه برعاية مصرية او دولية وانما ما حدث الوصول لتفاهمات بين الفصائل الفلسطينية و اسرائيل برعاية مصرية وضوء اخضر وموافقة دولية تمحورت حول وقف الاعتداء الهمجي الاسرائيلي ومن ثم البحث في اليات ابرام تهدئة لاحقاً..! وهذا ما لم يحدث حتي الان , وبقيت الامور تسير دون اتفاق تهدئة يحتوى علي بنود وشهود ما منح اسرائيل حرية التحرك , وتراجعها عن بعض التسهيلات المقدمة , ويومياً تطلق العنان لقواتها العاملة عند حدود غزة من استهداف اراضيها وتوغل آلياتها , واستهداف بوارجها الحربية لشواطئها وقوارب الصيادين وتقليص مسافات الصيد ,كل ذلك يؤشر علي نوايا اسرائيل نحو غزة , واعادة المحاولة مرة اخري وتلويح قادة جيش الاحتلال باستخدام مزيد من القوة الفاعلة.! وتصريحاتهم من المؤكد تشي بنوايا خبيثة وتنم عن ميل شديد لمواجهة مفتوحة لن تكون في المستقبل القريب علي اقل تقدير ستأخذ وقتاُ وتستدعي ظروفاً معينة حيث لإسرائيل حساباتها الاقليمية فهي لم تنهي شهر العسل بعد عودة العلاقات بينها و بين تركيا..! وجنوباً لا يمكنها اغضاب مصر علي الاقل في الوقت الحالي و الاهم ان الاوضاع مع غزة لازالت تحت السيطرة و لم تصل مرحلة سحب صاعق التفجير, مع ان التقديرات في الميدان حاضرة واحتمال تفجر مواجهة يبقي حاضرة بالقرب من السياج الفاصل فيما لو انفجرت عبوة شديدة بآلية عسكرية احتلالية او سقوط صاروخ للمقاومة الفلسطينية في مكان حيوي يمكن حينها ان تنقلب الاوضاع رأساً علي عقب و لا يمكن التنبؤ بالنتائج مع الفعل و رد الفعل وانزلاق الاوضاع الامنية نحو الانفجار العام ينهي حالة الهدوء النسبي التي اعقبت انتهاء الاعتداء الدموي يوم 26/8/2014م.
في الاعلام الاسرائيلي ترجح كفة التصعيد ضد غزة , ويعزز هذا التوجه تصريحات قادة دولة الاحتلال بشكل منتظم ودائم يتمحور فحواها حول الوضع الهش علي جبهة الجنوب تتضمن رسائل عديدة وكأنها تُهيئ الرأي العام الاسرائيلي عن اقتراب المواجهة مع غزة , ورسالة اخري للفلسطينيين وتحديداً في غزة تحمل شبح الحرب القاتم , وهناك مؤشرات كثيرة تقود الرأي الى ان المواجهة مسألة وقت ليس الا..! خاصة بعد الجدل الواسع بين المستويات السياسية و العسكرية والمختلفة الذي اعقب الاعتداء الدموي حول جدوي العملية العسكرية حُسمت لصالح القيادات العسكرية الاسرائيلية المتنفذة تعكس هيمنة أصحاب البزات العسكرية علي القرار وتفوقاً علي المستويات السياسية الموازية المشاركة في اتخاذ قرارات استراتيجية يظهر هذا الواقع نفوذ المؤسسة العسكرية والميل نحو تقديم حلول عسكرية علي حساب اي خيارات اخري من وجه نظرهم لن تجدي نفعاً وهذا ما تم ترجمته خلال عقد من الزمن سواء مع لبنان وحرب تموز2006م , او الاعتداءات الدموية المتعاقبة اخرها تموز 2014م , وكلتا الجبهتين الشمالية و الجنوبية مُرشحة لتصعيد قد يُجعله تطور دراماتيكي يتبدد حينها الهدوء رغم ما يشاع عن انشغال حزب الله بالقتال مع النظام الحاكم في سوريا , وكذلك الامر يتعلق بجبهة غزة وفي جانب اخر يمكن ان تدفع دولة الاحتلال الاوضاع نحو الانفجار تحقيقاً لمآربها فيما لو تيقنت من وجود تهديد حقيقي وفاعل لأمنها وتقدم علي مغامرة جديدة شمالاً او جنوباً.
جاءت نتيجة الاعتداء الدموي بحق غزة دون ان تنجز دولة الاحتلال هدفها بالقضاء علي المقاومة الفلسطينية , ومع مرور الوقت بدت سيمفونية تحقيق الردع تتآكل , وبذلك سُجل فشلاً ذريعاً بحق الجيش الاقوى في المنطقة بعد مواجهة غير متكافئة استمرت 51يوماً وقف خلالها عاجزاً امام الدخول البري واحتلال قطاع غزة , وتصفية المقاومة الفلسطينية دون ان يحدث , ويحسب له نجاحاً وتفوقاً مع مرتبة الشرف باستهداف المدنيين العُزل , وتدمير عشرات الاف البيوت و المؤسسات الاهلية والمرافق الخدماتية و الحيوية في انتهاك واضح للقانون الدولي ومواثيق حقوق الانسان و ارتكاب فظائع ترقي لجرائم حرب اكتفي العالم في حينه بتوجيه انتقادات واسعة ويدعو لضبط النفس ومُعبراً عن القلق.! دون تبني موقف حازم يدين جرائم الاحتلال , وموقف اسلامي وعربي هزيل لم يحركا ساكناً ويكتفيان بالشجب و الادانة..! وهذه المواقف المتراخية تمنح دولة الاحتلال ضوء اخضر لارتكاب حماقة جديدة ضد غزة يعزز هذا التوجه ما يصدر عن جهات رسمية جُل تصريحاتها حول طبيعة المواجهة القادمة مع غزة ستكون شاملة واكثر تركيزا حول الهدف وقد تستمر لفترات طويلة , وستكون فوق الارض وتحتها في اشارة الي الانفاق التي تحفرها المقاومة وباتت تشكل سلاحاً استراتيجياً نوعياً يخلق حالة من الرعب و الذعر في اوساط دولة الاحتلال وتمثل مصدر تهديد حيوي يمكنه ان يحسم المعركة , ويمكن ان تشكل شبكة الانفاق بين غزة و الداخل المحتل سبباً تستغله دولة الاحتلال لشن هجوم واسع ضد غزة بهدف إزالة التهديد من خلال تنفيذ عملية استباقية تشكل حماقة غير محسوبة النتائج حتما ستكلف جيش الاحتلال كثيراً ولن تكون سهلة بالمطلق ولا يمكنها ان تزيل التهديد الذي تتحدث عنه باستخدام خيار القوة العسكرية مرة والى الابد , قد يكون خياراً مجدياً علي مستوى العمليات الحربية واستهداف مواقع المقاومة ومنصات اطلاق الصواريخ ومنع تسلل مقاومين من البحر , وخلف القوات الغازية , او داخل المستوطنات و الحد من فاعلية النار الموجه لكن حسم المواجهة مع المؤشرات القائمة بالقوة العسكرية لن يُجدى علي المدي البعيد هذا ما تؤكده المعطيات ونتائج اعتداءات همجية ثلاث لم تستطع ان تحقق اي من اهدافها و الحديث اليوم عن مقاومة فلسطينية بكافة تشكيلاتها تطورت بشكل جيد , واستخلصت العبر من معارك سابقة يمكنها ان تعرقل خيار القوة العسكرية الاسرائيلية كخيار لا ثاني له لنزع فتيل التهديد القادم من جبهة غزة كما تصفه قياداتها السياسية و العسكرية وهذا سيجعلها تعيد النظر في طرق خزان الحرب ودق طبولها و حساب الربح و الخسارة امام معادلة جديدة لا يمكن اغفالها , ولن يكون امامها للخروج من المآزق الا تفعيل خيارات اخري تبعد شبح مواجهة عسكرية تكون اكثر تدميرا وتأثيراً مع التطور النوعي في العتاد والتجهيز منطقياً لا تقارن بقوة الاحتلال وترسانته التدميرية.! الا انها تخلق توازناً للرعب يستدعي من دولة الاحتلال ان تقف ملياً امام مفترق الطرق وعليها ان تختار بين جدوى توتير الاجواء وابتعاث نداء الحرب من جديد , و اشعال المنطقة.! او الانخراط في عملية تسوية سلمية علي الاقل فرصتها مواتية الان مع التحضيرات لعقد مؤتمر دولي للسلام وفق مرجعيات المبادرة الفرنسية ومبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت العربية عام 2002م وتقدمت بها السعودية وقرارات الشرعية الدولية الصادرة بشأن القضية الفلسطينية , ودون ذلك ستخلط كثير من الاوراق وحالة الهدوء الهش السائدة الان لن تستمر طويلاً مع ما تعانيه الاراضي الفلسطينية المحتلة من اعتداءات وانتهاكات يومية احتلالية , شأن ذلك ان يُدخل المنطقة في اتون مواجهة يصعب التنبؤ بنتائجها..
دولة الاحتلال مع جنوحها نحو اليمين اليهودي المتطرف والميل الشديد نحو الصهيونية تنفذ سياسات فاشية وتطبق إجراءات عنصرية وتستمر بمسلسل الدم وابتلاع ما تبقي من الارض الفلسطينية والتوسع الاستيطاني وتهويد مضاعف للمدينة المقدسة ونهب الموارد الطبيعية و بناء جدار الفصل العنصري والتضيق المقصود علي حركة تنقل الافراد بين المدن واتباع اسلوب القتل بدم بارد بحق ابرياء بذرائع واهيه عند حواجز الموت المنتشرة بكثافة واستمرار حصار غزة واستفزاز الهدوء عند حدودها و التلويح باعتداء رابع.! وانعدام افق سلام عادل ينهي معاناة الشعب الفلسطيني ويُفسح المجال لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وامام ما يتعرض له المشروع الوطني التحرري وانزياح بقعة الضوء نحو قضايا اقليمية وحالة الضعف العربي المُصاحبة لا يمكن تغافل هذه الحقيقة الدامغة ويجب اعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وانهاء حالة الانقسام, وان يكون الرهان وطنياً فلسطينياً اولاً , وتبني استراتيجية وطنية تواجه سياسات الاحتلال , وموقفاً واحداً موحداً حول رؤية سياسية ووطنية تأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا للشعب الفلسطيني وتعمل وفقها , ودون تحقق شرط الوحدة الفلسطينية و التوافق الوطني علي برنامج عمل وطني ستبقي الحالة الفلسطينية تعاني من الانقسام و الحصار وتُمنح دولة الاحتلال غطاءً للاستمرار في جرائمها في الاراضي الفلسطينية وفرصة تحقيق مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس العاصمة مع مرور الزمن ستتغير وقائع كثيرة علي الارض تضفي تعقيدات وعثرات امام تحقيق سلام و انسحاب القوات الاسرائيلية الي حدود الرابع من حزيران 1967م وتحقيق التحرر الوطني الفلسطيني , واستمرار المعاناة الفلسطينية.


