القدس المحتلة سمالفت حاي ايتان كوهن ينروجاك، خبير في الشؤون التركيّة في مركز “دايان” التابع لجامعة تل أبيب، إلى حقيقة أنّ المتآمرين في تركيّا اسموا أنفسهم “مجلس سلامة الوطن” السلامة بمعنى “الصلح”، وهو تعبير استخدمه أبو الأمة التركية الحديثة، كمال أتاتورك. وإذا كان كذلك، فقد كان هذا ظاهرًا انقلاب ضباط أتاتوركيين، علمانيين، ضد النظام الإسلامي.
وبالمقابل، أضاف الباحث الإسرائيليّ، تتهمهم الحكومة التركية بأنّهم من مؤيدي فتح الله غولن، الخصم الإيديولوجي المرير لاردوغان. غير أنّ غولن، شدّدّ الباحث، هو بالذات إسلاميّ.
وتابع قائلاً إنّ التقدير بأنّ الضباط قرروا إسقاط اردوغان لأنّه تقرر إقالتهم في إطار إصلاحات في قيادة الجيش التركي لا يثبت أمام الاختبار، فهذه طقوس سنوية، دائمة، يبدل فيها المجلس العسكري الأعلى الضباط في قيادة الجيش، على حدّ تعبيره.
ولفت في حديثه لصحيفة (يديعوت أحرونوت) إلى أنّ الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان، سيكون المزيد من القوة، وأنّ النظام في تركيا سيكون أكثر مركزية بكثير، مُشدّدًا على أنّ ثمة غير قليل من رؤساء الدول ممّن صلوا في خفاء قلوبهم، كي ينجح هذا التمرد. حتى لو كانوا في نظرة إلى الوراء ، بعد أن فشل الأمر، رحبوا علنًا “بالديمقراطية التركية القوية”، مُوضحًا أنّ أردوغان أغضب اردوغان الكثير من الدول، والآن قام بخطوة أخرى نحو تحوله إلى السلطان بلا منازع على ما تبقى من الجمهورية التركية، على حدّ وصفه.
من ناحيته، رأى مُحلل الشؤون العسكريّة في الصحيفة أنّ الانقلاب العسكريّ سيُسجّل في صفحات التاريخ بأنّه “تمرد الغريب”. فكلمّا تبددت السحب من فوق المجريات في تلك الساعات القليلة التي وقع فيها هذا التمرد، تتلبد سحب جديدة من الشكوك حول منطقه والدوافع التي وقفت خلفه.
وبرأيه، فقد كان هذا تمردًا عاجلاً: برز من اللامكان، فاجأ كل العالم، بما في ذلك الأتراك أنفسهم، واندثر بسرعة مخلفًا وراءه قائد واحد متوج بالمجد: رجب طيب اردوغان. وأشار أيضًا إلى أنّ احد المتآمرين البارزين هو العقيد محرم كوسا، ليس بطلاً قوميًا معروفًا، بل مستشارًا قاتمًا ومجهولاً في الشؤون القانونية لرئيس الأركان ولفت إلى أنّه ليس واضحًا كيف بالضبط فكر المتآمرون في أنْ يجروا وراءهم الجماهير دون أنْ يقف على رأسهم زعيم كايرزماتي، كما ليس واضحًا أي تيارات في داخل المجتمع التركي يمثل هؤلاء العقداء. وأضاف: لم تكن هناك مؤشرات تدل على التمرد القريب، ولكن، أضاف، فقد تمّ قمعه بسرعة مخلفًا وراءه ثمنًا دمويًا باهظًا.
وووفقًا له، الصور التي ستتبقى من هذا الحدث مضرجة بالدماء هي الأخرى: مروحية لسلاح الجو التركي تعود للمتمردين، تطلق النار بالبث الحي والمباشر على جمهور حاول الاقتراب من هيئة الأركان، وطائرة اف 16 تركية تسقط مروحية قتالية للمتمردين، ومواطنون يقطعون رأس جندي متمرد.
ظاهرًا، قال المُحلل الإسرائيليّ، الشبكات الاجتماعية في تركيا بالذات، والتي يعتبرها اردوغان عدوًا مريرًا لها، هي التي أنقذته. فظهوره في التلفزيون، حين دعا الجمهور التركي للخروج إلى الشوارع، تم من خلال “فيس تايم”، وهو برنامج مكالمات فيديو يعود لشركة “ابل”.
وخلُص إلى القول إنّه عمليًا، لم يكن للمتمردين منذ البداية أيّ أمل حقيقي لإسقاط النظام التركي، وقد بدا الانقلاب كعرض مسرحي تمّ إخراجه بإهمالٍ، على حدّ وصفه.
من ناحيته رأى المُستشرق د. شاؤول شاي، من المركز المتعدد المجالات في مدينة هرتسليا، شمال تل أبيب، رأى أنّ فشل الانقلاب يُعبّر عن ضعف الجيش والنخب العلمانيّة في تركيّا. علاوة على ذلك، شدّدّ المُستشرق شاي، على أنّ الأغلبية الساحقة من الشعب التركيّ تُريد المحافظة على الخط السياسيّ الداخليّ والخارجيّ للرئيس أردوغان، كما أنّ الشعب التركيّ أثبت أنّه يرغب جدًا في المحافظة على اللعبة الديمقراطيّة في كلّ ما يتعلّق بتغيير الحكم والحاكم.
وبناءً على ما تقدّم، أوضح المُستشرق الإسرائيليّ، أنّ محاولة الانقلاب الفاشلة سيؤدّي حتمًا إلى ارتفاع التأييد لأردوغان وزيادة قوتّه في تركيّا، وفي المقابل، سيؤدّي لنزع الشرعيّة عن خصومه السياسيين، الأمر الذي يمنحه فرصةً تاريخيّةً لتثبيت موقعه على سدّة الحكم، على حدّ قوله.
وخلُص إلى القول إنّ السياسة التركيّة الخارجيّة، وتحديدًا فيما يتعلّق بملّفي سوريّة والعراق لن تتغيّر بالمرّة، بل ستتواصل كما كانت عليه قبل محاولة الانقلاب الفاشل.