خبر : مصر: تجار العملة لا يكترثون بحملة "البنك المركزي" على السوق السوداء

السبت 23 أبريل 2016 08:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مصر: تجار العملة لا يكترثون بحملة "البنك المركزي" على السوق السوداء



القاهرة - رويترز- يبدو أن الحرب التي تشنها مصر على المتعاملين في السوق السوداء للعملة لا تؤتي ثمارها المرجوة. فبعد شهر من خفض قيمة الجنيه الذي كان من المفترض أن يخفف حدة نقص حاد في الدولار بالنظام المصرفي يزدهر نشاط السوق الموازية في المقاهي والمتاجر والمنازل.
وأطلق البنك المركزي الذي كان يأمل بأن يؤدي خفض قيمة الجنيه 13 بالمئة الى تخفيف الضغوط النزولية على العملة المصرية حملة على مكاتب الصرافة التي تتعامل بأسعار أعلى كثيرا من السعر الرسمي.
غير أن الفجوة بين السعر الرسمي للعملة والاسعار في السوق السوداء باتت تتسع أكثر من أي وقت مضى بعدما كانت ضاقت لفترة وجيزة
مع خفض العملة حيث يشتري المتعاملون الدولار ويبيعونه بزيادة 20 بالمئة فوق السعر الرسمي البالغ 78ر8 جنيه.
ويقول متعاملون ان الاجراءات التي اتخذها المركزي لم تسفر الا عن تفاقم الازمة. ويتحاشى حائزو الدولارات النظام المالي الرسمي بما يجعله متعطشا للعملة الصعبة الامر الذي يفرض مزيدا من الضغوط على الجنيه ومن المحتمل ان تكون له عواقب وخيمة على التضخم وثقة المستثمرين والنمو الاقتصادي.
وقال مصرفي طلب عدم ذكر اسمه «لم يعد أحد يبيع الدولارات للبنوك. الجميع يفضلون الذهاب الى السوق السوداء التي ستشتري منهم بأسعار أعلى».
وأضاف قائلا «الدولارات لم تعد تدخل النظام المصرفي واحتياطيات البنك المركزي الدولارية لا تكفي لدعم الحاجات الاستيرادية للبلاد».
وتواجه مصر صعوبات في استعادة النمو منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس الاسبق حسني مبارك وما أعقبها من اضطرابات أدت الى عزوف السياح والمستثمرين الاجانب وهما مصدران مهمان للعملة الصعبة التي تحتاجها البلاد لاستيراد سلع شتى من الوقود الى الاغذية.
والقضاء على السوق السوداء ضروري لاستعادة ثقة المستثمرين اذ سيقلل خطر تآكل أرباحهم بسبب تقلبات الجنيه.
ويواجه المستثمرون الاجانب صعوبة بالفعل في تحويل أرباحهم بسبب هبوط الاحتياطيات الاجنبية لدى البنك المركزي الى أقل من النصف منذ 2011 لتصل الى حوالي 5ر16 مليار دولار في اذار. وجعل هذا من الصعب عليهم تحويل أرباحهم بالجنيه الى العملة الصعبة من خلال النظام المصرفي.
وحتى قبل خفض قيمة الجنيه الشهر الماضي والذي صاحبه اطلاق أدوات مالية تهدف الى جذب العملة الصعبة الى البنوك لجأ المركزي المصري الى استخدام سلطة يخولها له القانون. ففي شباط ألغى المركزي تراخيص أربع شركات صرافة لها 27 مكتبا.
ومنذ ذلك الحين لم تتحول توقعات تدفق الدولارات الى حقيقة على أرض الواقع وأحال البنك المركزي هذا الشهر 15 شركة صرافة أخرى الى النيابة العامة. وقال البنك يوم الاربعاء، انه ألغى تراخيص تسع شركات أخرى لتلاعبها في أسعار الدولار في السوق الموازية.

مخالفات متكررة
وقال جمال نجم نائب محافظ البنك المركزي في تصريحات نشرتها وكالة أنباء الشرق الاوسط ان قرار شطب تراخيص الشركات التسع «يأتي بعد قيام تلك الشركات بتكرار ممارساتها الخاطئة والمخلة بسوق الصرف والي أدت الى الاضرار بالاقتصاد الوطني واحداث حالة من الارتباك داخل القطاعات الاقتصادية».
وأضاف نجم أن البنك يعكف على اعداد قانون جديد قد يغلظ العقوبات على المخالفين لتصل الى السجن.
ويقول مصرفيون ان الحملة على السوق السوداء كان لها مردود عكسي اذ أنه مع زيادة المخاطرة في التعامل في السوق الموازية ارتفع الدولار أمام الجنيه وبدأ الناس يكتنزون العملة الصعبة للمضاربة على السعر. وأدى ذلك الى هبوط العملة المصرية الى مستوى قياسي لتبلغ 50ر11 جنيه مقابل الدولار هذا الاسبوع.
وقال زياد وليد الخبير الاقتصادي في بلتون المالية «المتعاملون يضاربون على الدولار والمستوردون الذين يحتاجون الدولارات يعجزون عن الحصول عليها ويضطرون الى شرائها من المتعاملين أو المضاربين ومن ثم فان سعر السوق السوداء يضع الاقتصاد المصري في مأزق».
واذا جرى خفض العملة المصرية مرة اخرى فان ذلك قد ينذر برفع التضخم وهو تطور قد تكون له عواقب وخيمة سياسيا في بلد يعيش فيه ملايين السكان تحت خط الفقر. وذلك لا يترك للبنك المركزي سوى أدوات قليلة في جعبته.
ووصف أحد المتعاملين الوضع بأنه متأزم قائلا انه في حين يسعى البنك المركزي لمعاقبة المتعاملين بالسوق السوداء الا أنه لا يملك الموارد اللازمة لمحاربتهم.
وأضاف قائلا «سنؤمن أنفسنا وسنواصل العمل وسنؤديه بحذر كما لو كنا نتاجر في المخدرات. سنحتفظ بالدولارات ولن نبيعها. من أين سيحصل البنك المركزي على الدولارات».

مراوغة سهلة
على مسافة قريبة من أحد مكاتب الصرافة بالقاهرة كان أحد المتعاملين يحتسي القهوة في مقهى بمنطقة وسط المدينة وهو يمارس نشاطه ويبرم صفقاته عبر الهاتف بعيدا عن أعين السلطات.
وسأل متعاملا آخر قائلا «هل معك ريالات.... ساخذ كل ما لديك» عارضا سعر السوق السوداء للعملة السعودية.
وهذا مثال على مدى سهولة تأقلم المتعاملين مع تشديد الرقابة.
ويقول متعاملون انهم يعرضون الاسعار الرسمية في مكاتب الصرافة التي تخضع للرقابة الشديدة دون ابرام أي صفقات ثم يعقدون الصفقات في المقاهي أو أي مكان اخر بأسعار السوق السوداء.
وأمام مكاتب الصرافة يقف شبان ينفثون دخان سجائرهم ويهمسون في أذن العملاء «دولار.. يورو».
وقال مدير مكتب آخر للصرافة في وسط القاهرة «لا أحد يشتري أو يبيع بالسعر الرسمي ولهذا فانه عندما يغادر العملاء يجدون أشخاصا يقفون في الخارج يلاحقونهم ويعرضون عليهم شراء الدولارات بالاسعار غير الرسمية».
وليس من الصعب ملاحقة هؤلاء الاشخاص لكن متعاملين يقولون ان من السهل رشوة ضباط وحدة مباحث الادارة العامة لمكافحة جرائم الاموال العامة المسؤولة عن مكافحة التعاملات غير القانونية في العملة خارج مكاتب الصرافة.
وتحدثت رويترز الى عشرة متعاملين سواء يعملون أو يملكون أو يتعاونون مع مكاتب للصرافة وقالوا جميعا ان عملياتهم تسير بسلاسة بفضل الرشى والخدمات التي يقدمونها لضباط الاموال العامة وموظفي البنك المركزي.
وقال عامل بمكتب للصرافة «هذا لا يقلل الارباح» مضيفا أن فرعا واحد للشركة التي يعمل بها يحقق ربحا شهريا حوالي ستة ملايين جنيه مصري «675680 دولارا بسعر الصرف الرسمي أو حوالي 522 ألف دولار بسعر السوق السوداء» من التعاملات في السوق السوداء وحدها.
ولم يرد متحدث باسم وزارة الداخلية على طلبات للتعقيب ولم يتسن الاتصال بمسؤولين بالبنك المركزي - الذي ليس له ناطق باسمه - للحصول منهم على تعليق.
ومكاتب الصرافة مرخص لها بالعمل في حجم معين من الاموال لكن معظمها لها مكاتب أو شقق سكنية تمارس فيها النشاط دون الاحتفاظ بسجلات.
وقال تاجر عملة «اذا اغلق مكتب الصرافة فاننا سنواصل العمل من الشوارع وبهذه الطريقة سيصل السعر الى 13 أو 14 جنيها مقابل الدولار».
وجعل الرئيس عبد الفتاح السيسي من انعاش الاقتصاد أولوية لكنه يضع في ذهنه أيضا حماية الفقراء مع ابطاء حكومته تخفيضات في الدعم الذي يبقي أسعار بعض السلع الغذائية والوقود منخفضة لكنه يضع عبئا على الميزانية.
واذا اضطر البنك المركزي الى تخفيضات متكررة لقيمة العملة لمجاراة الاسعار في السوق السوداء فان هذا سيكون كابوسا للسلطات التي تحاول اشاعة الاستقرار في الاقتصاد.
لكن هكذا هو الوضع الحالي حيث يعمل القطاع العام بسعر صرف رسمي منفصل تماما عن باقي الاقتصاد الذي يضطر للتعامل في السوق السوداء.
والنشاط في السوق السوداء يتسم بالسرعة والكفاءة.
ففي القاهرة أخرج مدير متجر للحقائب 20 ألف جنيه من مكتبه الخشبي في مقابل 2000 دولار في صفقة مع زبون لم يجد ضالته في مكتب للصرافة يقع الى جوار المتجر. واستغرقت العملية أقل من دقيقة.
وأطلع تاجر عملة رويترز على سيارة يستخدمها لنقل الاموال الى الزبائن في أكياس للنفايات مخبأة في صندوق السيارة الخلفي. وقال متباهيا «أكبر مبلغ حملته هذه السيارة يعادل 11 مليون جنيه مصري».