مدخـــــل :
في مبادرة فريدة ومتميزة وقد تكون غير مسبوقة وطنياً وفي المنطقة عموماً بادرت مجموعة من الشخصيات الفلسطينية المسيحية الدينية وغير الدينية في فلسطين لمحاكاة تجربة جنوب افريقيا الشهيرة المعروفة بوثيقة كايروس لعام1985م والتي دعت العالم بأسره لوقفة حق في وجهنظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) ضد الأغلبية السوداء و كانت محطة مفصلية في النضال الجنوب افريقي والذي توج بعد سنوات من هذه الوثيقة بمحاصرة هذا النظام العنصري اللاإنساني وعزله حتى تفككه ورحيله إلى غير رجعة، وعودة المساواة والحرية والديمقراطية لهذا البلد المتربع أقصى القارة الافريقية ليعتلي نيلسون مانديلا الأسود سدته ورئاسته في درس قاس لأنظمة الاستبداد والاحتلال, حيث أُعلن رسمياً بتاريخ 11/12/2009معنانطلاقة كايروس فلسطين .
ومن القائمين على هذه الوثيقة ومن قاموا بصياغتها وأعلانهاشخصيات فلسطينية مسيحية دينية ووطنية وازنة كالبطريرك ميشيل صباح بطريرك القدس للاتين السابق والمطران د. عطاالله رئيس اساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس والمطران د. منيب يونان مطران القدس والشرق للكنيسة الانجيلية اللوثرية ورئيس الاتحاد اللوثري العالمي والقس د. متري الراهب و د. رفعت عودة قسيس المنسق العام للمبادرة و السيدات سدر دعيبس و نورا قرط و لوسي ثلجية...وغيرهم.
ووصف معدو الوثيقة وثيقتهم بأنها كلمة الفلسطينيين المسيحيين للعالم حول ما يجري في فلسطين في لحظة زمنية يتوقون فيها إلى تجلي نعمة الله في الأرض المقدسة والمعاناة التي تمر بها, مطالبين المجتمع الدولي بوقفة حق تجاه ما يواجهه شعبهم الفلسطيني من ظلم وقهر وتشريد ومعاناة وتمييز عنصري منذ أكثر من ستة عقود متواصلة, وهي ليست دراسة لاهوتية فكرية أو ورقة سياسية فحسب بل هي وثيقة إيمان وعمل تسمي الأمور بمسمياتها بوضوح ودون مواربة و أن الإحتلال هو منبع كل شر في هذه البلاد.
هذه الخطوة التي تعكس وعياً متقدماً ومسؤولية وطنية ناضجة ورؤيا مستقبلية تعتبر أيضاً حالة من صيرورة البناء الذاتي للمجتمع المسيحي في فلسطين إلى جانب المجتمع الإسلامي اللذين يشكلان معاً المجتمع الفلسطيني الأم , وتحولاً هاماً للنضال الوطني الفلسطيني المتعدد الأشكال وجسراً نحو تعزيز العقد الإجتماعي الوطني(Social contract) كما نظر له المفكر الفرنسي الإصلاحي (جان جاك روسو) في نظريته العقد الإجتماعي, وهي صيغة يرى فيها معدو الوثيقة الوصفة الأفضل لتعزيز بنية العائلة الفلسطينية الكبيرة والإطار الوطني العام في الحاضر والمستقبل والشراكة في النضال الموحد ضد اخر احتلال في التاريخ.
ورغم الزخم الإعلامي الذي صاحب إصدار هذه الوثيقة عام2009م إلا أنه غلبعليه طابع الخطاب الموجه للخارج أكثر منه للداخل فضلاً عن مخاطبة النخبة دون الإهتمام بالقاعدة الشعبية التي تشكل الحاضنة الطبيعية الدافئة لمثل هذه المبادرات, علاوة عن مجهولية المبادرة في الوسط الفلسطيني بوجه عام و المجتمع الإسلامي منه على وجه الخصوص.
لذلك جاءت هذه الدراسة لتقدم هذه الوثيقة في عرض مبسط للرأي العام الوطني والإسلامي على حد سواء والموقف المطلوب منه لحشد الدعم للمبادرة وانجاحها لتشكل رافعة للبناء الذاتي الفلسطيني ولعملية التحرر الوطني المنشود.
** كايروس : الفكرة - المبادرة...والسياق الفلسطيني :
كايروس هي كلمة مقتبسة من اللغة اليونانية القديمة وتعني بالعربية "هذه اللحظة من الوقت", وفكرة الوثيقة كما أسلفنا –جنوب افريقية المنطلق فلسطينية المحاكاة والتقليد, وتعني في القاموس الجنوب افريقي أنه حانت لحظة انهاء التمييز العنصري للأقلية البيضاء ضد الأغلبية السوداء على خلفية اللون, وفي القاموس الفلسطيني تعني حان الوقت للعمل من أجل السلام العادل في فلسطين وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني ووضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني ومأساته.
و تتشابه الوثيقتان من حيث الفكرة والمبادرة،فكايروس جنوب افريقيا بدأت بمجموعة من الشخصيات الدينية والوطنية على أرضية إنهاء الأبارتهايد ضد الأغلبية السوداء الممارس بسادية من الأقلية البيضاء وحلفائها, وكايروس فلسطين أيضاً بدأت بائتلاف مجموعة من قيادات مسيحية فلسطينية دينية وعلمانية تمثل ألوان الطيف الفلسطيني المسيحي على أرضية انهاء الاحتلال و انجاز الاستقلال الوطني.
وعن خلفية اعداد هذه الوثيقة يقول معدوها أنها صرخة أمل تداعي لها مجموعة من الفلسطينيين المسيحيين بعد الصلاة والتفكير والتشاور وتبادل الرأي في معاناة بلادهم وشعبهم تحت الإحتلال انطلاقاً من ايمانهم المسيحي والوطني معاً بعد وصول مأساة شعبهم الفلسطيني إلى طريق مسدود دون أي أفق حقيقي لحلها وأن ما يطرح هو إدارة للأزمة ليس إلا, وبالتالي, كانت هذه المبادرة للجميع وتحمل رسالة للكل الفلسطيني الإسلامي والمسيحي وللإحتلالوللكنائس وللمجتمع الدولي قاطبة أن القضية الفلسطينية ليست سياسية فحسب بل هي سياسة يدمر فيها الانسان في الأرض المقدسة لجميع الديانات.
الوثيقة التي أعدت في دائرة مغلقة و في جو من السرية لتجنب أي ضغوط قد تمارس على معديها أعلنت في دار الندوة بمدينة بيت لحم مهد السيد المسيح بحضور معديها الى جانب قيادات مسيحية وطنية وعالمية (نحو خمسين مسؤولاً كنيسا من دول عديدة) وعدد من الضيوف من بعض الدول العربية والأجنبية وممثلين أيضأ عن الوسطين الإسلامي واليهودي ، كشف فيها معدوها أنهم صاغوها من خلال نقاش مستمر مسترشدين بإيمانهم وحبهم لشعبهم ومستمدين النصح من الكثير من الخيرين من الفلسطينيين والعرب والعالم للوصول بها إلى أرقى صيغة وبصورتها الحالية.
و أكد معدو الوثيقة أنها مظلة للعمل الوطني المسيحي وصوتاً وطنياً معبراً عن طموحات المسيحيين الفلسطينيين بالاطار الوطني الأوسع وبعيداً عن الطائفية والفئوية الدينية.
و يرنو معدو الوثيقة إلى أن تحقق الوثيقة أهدافها تماماً كما حصل مع نظيرتها الجنوب افريقية لتكون رافعة وأداة للنضال ضد الظلم والإحتلال الصهيوني وسياسة التمييز العنصري الذي يمارسها وخلاص من هذا الإحتلال، وبخلاصه سيعم السلام والإستقرارللمنطقة بأسرها بل العالم أيضاً.
** مضامين الوثيقة :
الوثيقة كبيرة الحجم نسبياً ويبدو أن القائمين عليها أرادوها أن تكون كاملة وشاملة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ويعكس ذلك التأني في إعدادها حيث استغرق ذلك نحو العامين بهدف الروية والتجويد لتكون في مستوى اللحظة التاريخية ولتكون خطاباً عقلانياً ومقبولاً في الأوساط المحلية والدولية على السواء, وقد توزعت بنودها بعد الديباجة التي عكست فلسفة الوثيقة على محاور عدة بين سياسية ودينية, داخلية وخارجية, بيد أن الروح المسيحية الوطنية والضمير الإنساني والأخلاقي كان حاضرا دوما في ثناياها ويظلل سطورها.
ومن أبرز هذه المحاور الرئيسة ما يلي:-
- توصيف الواقع في فلسطين .
- كلمة المسيحية الفلسطينية... كلمة إيمان ورجاء ومحبة.
3- رسالة لأبناء فلسطين (مسيحيين ومسلمين).
4-رسالة لليهود و الإسرائليين.
5-كلمة لكنائس العالم.
6-كلمة للأسرة الدولية.
و ختمت الوثيقة برجاء إيماني (صرخة أمل) رغم غياب الأمل بأن نهاية هذه المعاناة حتمية بانتصار الخير على الشر والكراهية والدماء وأن الخير مصدره الله الصالح والعادل وإن المستقبل لأرض جديدة وانسان جديد.
** أصداء الوثيقة وردود الأفعال عليها :
منذ صدور الوثيقة عام2009 كان هنالك تفاعلاً دولياً وإقليمياً ومحلياً هاماً معها وكان لها ولايزال صدىً مدوياً ساد أغلبه الدعم والتأييد لها سيما في الأوساط المسيحية العالمية إذ أنه –وربما لأول مرة - يُخاطب العالم عموماً والمسيحي منه على وجه الخصوص بصوت فلسطيني مسيحي صرف لعرض المظلمة الفلسطينية بروح لاهوتية سياسية إنسانية جامعة، وفيما يلي نستعرض أبرز وأهم ردود الأفعال هذه:-
ا0 دوليـــــــــــــــــــــاً:
+القارة الافريقية :
-جنوب افريقيا: البلد صاحب وثيقة كايروس الأصل حيث أصدر مجلس الكنائس فيها بياناً أعلن دعمه الكامل لوثيقة كايروس فلسطين وتبني توصياتها سيما الدعوة لمقاطعة اسرائيل حاثاً جميع الكنائس فيه للإلتزام بذلك طالباً من الشعب الفلسطيني الصفح والتوبة عن قصورهم السابق في دعم قضيته, وتجلى ذلك في دعوة أعضاء الوثيقة الفلسطينية لاحتفالات الذكرى الـــ 25 لصدور وثيقتهم .
-كنائس افريقيا :- أكد مجلس كنائس عموم افريقيا تأييده لوثيقة كايروس فلسطين وأن نضال الشعب الفلسطيني هو نضالهم وأن القضية الفلسطينية قضيتهم .
+ القارة الأوربية:-
- بريطانيا: شكلت مجموعة من الكنائس والمؤسسات والشخصيات في بريطانيا شبكة لدعم كايروس فلسطين, وحصلت توأمة أولية بين كايروس فلسطين ومؤسسة " أموس ترست" وهي مبادرة بريطانية تحمل شعار(سلام عادل لفلسطين) لحشد الرأي العام البريطاني لإنهاء الإحتلال ودعم السلام والعدل في فلسطين وتحمل شعار كايروس فلسطين " نحن الآن في لحظة حق ومطالبون برفع صوتنا".
- هولندا:الكنيسة البروتستانيةفيها كانت في السابق من أكثر الكنائس تأييداً لإسرائيل، و بعد نشر الوثيقة حدث تحول كبير في موقفها و قامت بترجمتها إلى اللغة الهولندية، وبتاريخ17/2/2010م وجهت رسالة رسمية للحكومة الإسرائيلية من خلال سفيرها في هولندا طالبت فيها ألا يكون أمن إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وأدانت الكنيسة تشييد جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية وآثاره المأساوية على الفلسطينيين من حيث سلب أراضيهم وتدمير منازلهم ومزارعهم وطالبوا الحكومة الإسرائيلية بالإلتزام وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بعدم قانونيته وتعويض المتضررين منه, ودعت إسرائيل إلى منح الفلسطينيين الحق في البناء في مناطقهم الواقعة في منطقتي ب, ج وفقاً لاتفاق أوسلو داعية المجتمع الدولي إلى تطبيق العدل والقانون بين الفلسطينيين واليهود، و تبع ذلك إصدار مجلس الكنائس البروتستانية فيها بياناً لدراسة خيار سحب استثماراتهم من الشركات التي تدعم الإحتلال الإسرائيلي.
- ألمانيا:- قام مجلس الكنائس البروتستانية فيها بإرسال رسالة تأييد ودعم لمعدي الوثيقة ودعى لتبني مقاطعة إسرائيل الواردة في الوثيقة داعياً اسرائيل لإنهاء إحتلالها لفلسطين والكنائس الألمانية لتنفيذ ذلك.
- الدول الاسكندنافية( النرويج-السويد-الدنمارك): قامت هذه الدول بترجمة هذه الوثيقة للغاتها المحلية وتعميمها وعلاوة على ذلك قام مجلس كنائس النرويج والكنيسة اللوثرية فيه بتبني الوثيقة في مؤتمر بالعاصمة أوسلو، والحال ذاته في العاصمة السويدية ستوكهولموالعاصمة الفنلندية هلسنكي, ودعم مماثل من الدنمارك سيما من اتحاد الشباب المسيحي فيه.
- ايطاليا:- نظمت مؤسسة سلام المسيح فيها عام 2010 مهرجان انطلاقة ثانية للوثيقة.
+القارة الأمريكية:-
-الولايات المتحدة: حيث دعا رئيس الكنيسة اللوثرية فيها للوقوف مع محنة الشعب الفلسطيني وتبني وثيقة كايروس الفلسطينية على المستوى الأمريكي والعالمي وقد تبعها في ذلك عدد من الكنائس الأخرى كالكنيسة الميثودية وكنيسة المسيح المخلص ...وغيرها.
-كندا: أعلنت الكنيسة الكندية المتحدة احدى أكبر الكنائس في كندا عن دعمها للوثيقة ولتطبيق توصياتها.
-وفي دول أمريكا اللاتينية: قامت البرازيل ودول عديدة بإطلاق الوثيقة ودعمها وأرسلت وفوداً إلى فلسطين لمعاينة المأساة والمعاناة الفلسطينية.
وهنالك مواقف مماثلة في الدعم والتأييد من دول عديدة كالهند وفرنسا وسويسرا وماليزيا وإندونيسيا وأستراليا واسيا, وكان أبرزها من الفلبين وشبكة السلام من أجل الحياة فيها وهي شبكة عالمية تضم العديد من الأديان والقوميات ومقرها العاصمة مانيلاحيث تبنت الشبكة الوثيقة ودعت أعضاءها للشروع في تعميمها وتطبيق توصياتها.
- مجلس الكنائس العالمي, فقد سارع هذا المجلس إلى تبني الوثيقة وتوصياتها أيضاً وخاطب المجلس الكنائس القارية في قارات العالم الست لتبنيها والإسراع بذلك معتبراً الوثيقة إعلاناً تاريخياً ومحطة رئيسية في تاريخ المعاناة الفلسطينية، والحال ذاته مع مجلس كنائس الشرق الأوسط.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد, بل تطور إلى تشكيل أطر دائمة لدعم الوثيقة وتوصياتها, وقد تجلى ذلك من خلال تأسيس حركة دولية داعمة للوثيقة سميت بــــ " الكايروس الدولي للعدالة" Global kairos groupتتولى التعريف بها ونشرها في شتى بلدان العالم خصوصاً الدول الأعضاء في الحركة (حيث تمت ترجمتها لأكثر من عشرين لغة) ومراقبة تطبيق توصياتها لتقديم دعم عملي وفعلي ناصر للشعب الفلسطيني المظلوم.
ب - عربيــــــــــا ً: الواضح أن مستوى التعريف بها ونشرها في العالم العربي ودوله محدود ودون المطلوب، وبالرغم من ذلك فإن هنالك العديد من رسائل الدعم والتأييد للوثيقة وتوصياتها ويبدو أن ذلك راجع إلى محدودية تأثير العالم العربي في الضغط على إسرائيل مقارنة بالمجتمع المسيحي الغربي والدول الغربية.
ج - وطنيـــــــــــاً :فقد كان واضحاً الدعم الرسمي والشعبي لها على حدٍ سواء وإن كان منحصراً في المستوى النخبوي أو المسيحي الى حد كبير, فقد نالت الوثيقة تأييدا من رؤساء الكنائس في القدس لها رغم الحذر الشديد في الترويج و التنظير لها خشية ردة فعل اسرائيل عليهم وسحب اعترافها بهم سيماأن أغلبيتهم غير فلسطينيين و مرتبطون بمرجعياتهم في الخارج ، وقد صرح رئيس الوزراء السابق سلام فياض من جانبه أن الوثيقة هي رسالة الفلسطينيين جميعاً للعالم, فيما نظمت لقاءات عديدة مع الفصائل الفلسطينية وأخرى شعبية بمشاركات محلية مختلفة، غير أن الوثيقة لم تأخذ الزخم الوطني الكبير المطلوب باعتبارها فلسطينية المنشأ والمنبع وحدثاً وطنياً مفصلياً وتاريخياً هاماً في مسيرة النضال الوطني لدحرالإحتلال وانجاز الإستقلال.
هذا الحراك الدولي والاقليمي والمحلي المتنوع والداعم للوثيقة أثار اللوبي الصهيوني فعمل من خلال مؤسساته المنتشرة في انحاء العالم وأذرعتها السياسية والاعلامية والاجتماعية ...الخ على تشويه موقف الوثيقة لدى الرأي العام المسيحي الدولي والتهديد باعتبارهم لاساميين ويمارسون الارهاب الفكري و السياسي.
بيد أن هذه الأصداء و ردود الفعل التراكمية والمتصاعدة تشكل أرضية منتجة وفاعلة لموقف عالمي متنام وداعم لقضيتنا و ضاغط على اسرائيل ، وله ما بعده من النتائج المستقبلية المبشرة لتحقيق أهداف كايروس وغاياتها باذنه تعالى .
**كايروس فلسطين... نموذج المسيحية الوطنية:
مما لا شك فيه أن مبادرة كايروس ابداع فلسطيني جديد في التصدي للإحتلال الإسرائيلي لبلادنا ولون جديد يضاف إلى ألوان وأشكال النضال الوطني المستمر على مدار زهاء سبعة عقود شارك فيه أبناء فلسطين مسلمين ومسيحيين، بيد أن هذه المبادرة الجريئة تتفرد بأنها مبادرة فلسطينية مسيحية صرفة –و هذا وإن كان يعتبره البعض تغريداً منفرداً خارج السرب الوطني الجامع أو ابرازاً مقصوداً للبعد المسيحي في ظلالتناقصالملحوظ لأعداد المسيحيين في فلسطين بسبب ممارسات الإحتلالاللانسانيةوالتي جعلت الوطن كانتونات داخل سجن كبير- إلا أنها مبادرة تصب في المحصلة في الدائرة الوطنية الأم وفي خدمة المشروع الوطني الجامع وتجسد الإنتماء الوطني الراسخ للمواطنين المسيحيين باقتدار واعجاب, وحتى وإن صدقت رواية البعض بتعمد معدي الوثيقة أن تكون مبادرة مسيحية خالصة لابراز دور الاشقاء المسيحيين ومساهمتهم في مسيرة التحرر الوطني فلا أجد غضاضة في ذلك فهناك مبادرات اسلامية بذاتها وهنالك مبادرات مشتركة والعبرة أن تكون هذه المبادرات روافد في البحيرة الوطنية الكبيرة تماماً كما هي وثيقة كايروس الفلسطينية رافعة حقيقية لنضال شعبنا وابداعاته في المقاومة و مواجهة الإحتلال الغاشم.
فالمسيحية جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والدينية لفلسطين, ففلسطين منشأ المسيحية ومنها انطلقت إلى العالم بأسره وفيرحابهامهد السيد المسيح عليه السلام وفي مدنها تضم أقدم الكنائس والمقدسات المسيحية, والمواطنون المسيحيون هم جزء أصيل من النسيج الإجتماعي الفلسطيني ورغم أقليتهم وسط أغلبية مواطنيهم المسلمين إلا أن لهم حضوراً مشهوداً وأداء متميزاً يفوق عددهم بكثير فهم في الخارطة السياسية والإقتصادية والأكاديمية والتجارية والفنية لبلادنا بل ويمتد هذا الحضور ويتميز في الشتات والمنافي حيث كانوا دوماً ذخراً لبلادهم وقضيتهم وأدوارد سعيد و جورج حبش وكمال ناصر و يوجين قطران وميشيل عبد المسيح و كبوتشى... وغيرهم نماذج ساطعة على ذلك خارج الوطن تماماً كما هو ميشيل صباح, عطاالله حنا ومنويل مسلم وأميل حبيبىوهند خوري ورفعت قسيس ومنيب يونان وحنا ناصر وعيسى طرزي... وغيرهم نماذج مضيئة أخرى داخل الوطن.
الوثيقة التي صيغت بنصوص مؤثرة تخاطب العقل والوجدان والقلب معاً وتسرىفيها متدفقة بروح وطنية صافية وصادقة ومعبرة أكدت على الانغماس الكامل للمواطنين المسيحيين في المشروع الوطني جنباً إلى جنب مع اشقائهم المسلمين, وأن أي تردد أو لا مبالاة أو صمت قد حدث في السابق مرفوض وغير مقبول ولا حياد في مسيرة الوطن بوصفها" نحن جزء من التحديات وشركاء في كل ما حصل ويحصل", وفي موضع آخر من الوثيقة" قد نكون أفراداً أو رؤساء كنيسة قد صمتنا في حين كان يجب أن يرتفع صوتنا ليندد بالظلم ويشارك في المعاناة, هو زمن توبة عن الصمت وعن اللامبالاة وعن عدم المشاركة", وفي انتقاد واضح لانكفاء البعض المسيحي في الدائرة المسيحية فقط بعيداً عن شعبه ككل واندماجه فيه نصت الوثيقة" توبة لاهتماماتنا بمؤسساتنا في بعض الأحيان على حساب رسالتنا, فَلُجِم الصوت النبوي الذي يمنحه الروح للكنائس"
بل ذهب معدو الوثيقة بوطنيتهم أبعد من ذلك بالاشتباك مع بعض الكنائس المتصهينة والتي تستخدم الكتاب المقدس لدعم الظالم ضد المظلوم واعتبرت ذلك استخدامات سياسويةللانجيلوانحرافاً عنه واطلقتها مدوية أن الاحتلال خطيئة ضد الله وضد الناس وعلى المسيحي الفلسطيني مقاومته الى جانب أخيه الفلسطيني المسلم.
ان هذه المراجعات الهامة داخل البيت المسيحي الفلسطيني الداخلي تعكس وعياً متجدداً وشعوراً عاليا بالمسؤولية الوطنية وادراكاً ناضجاً أن الجميع في قارب الوطن الواحد إما ينجون أو يغرقون معاً وأن المصير مشترك.
هذه المسيحية الوطنية النموذج المطلوب من اخواننا و مواطنينا المسيحيين والوثيقة بلا شك التجسيد العملي لذلك، وهيتحتاج إلى وقفة وطنية داعمة لها ولمعديها والى تكريم حقيقي ومشهود لهؤلاء النفر الغياري على شعبهم ووطنهم وقضيتهم.
** رؤية اسلامية للوثيقة:
لو أريد أن يكون لهذه الوثيقة عنواناً اسلامياً لأخترت لها عنوان " وقفة المستضعفين في وجه الظالمين", ولو بحثت عن اطار قرآني لها لما وجدت أنسب من قوله تعالى " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم كانوا يحذرون"سورة القصص (الآيات 5-6)، فالكرامة الإنسانية فلسفة الاسلام والأديان السماوية جمعاء مصداقاً لقوله تعالى" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً" سورة الاسراء الآية 70 والمخاطب هنا قرآنياً هو الإنسان أي انسان على وجه البسيطة بغض النظر عن دينه أو عرقة أو لونه أو خلفيته الاجتماعية أو إقامته , وهي بذلك حق أصيل لشعبنا بمسلميه ومسيحييه وحتى لخصومه اليهود الصهاينة مع الاحتفاظ لشعبنا بحقه في مقاومة هذا الاحتلال وبكل أشكال المقاومة.
والظلم آفة كل شيء في عالمنا الحاضر وعوالم من سبقنا ومن سيأتي بعدنا, والظالم لا دين له ولا انتماء له وهو يعمل ضد رسالة الله العادل العدل وضد كتب رسله وانبيائه أجمعين, وقد حرمه الله على نفسه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي" يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" فهي دعوة للمؤمنين جميعاً للتعاون على الظالم.
فالوثيقةاسلامية الروح أو مسيحية بروح اسلامية وهذا يعزز أن منبع الأديان السماوية واحد ورسالتها واحدة, وهي تتقاطع تماماً في أهدافها مع أهداف الاسلام في إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم ومواجهة الطاغوت كما أكدت الوثيقة في نصوصها".
البعض يريد حرف البوصلة و أن نغرق في تكفير بعضنا البعض ويريد لاختلاف الدين أن يكون جداراً فاصلاً بيننا, وأصوات تريد لنضالنا الوطني أن يرتد للداخل كما حدث في الانقسام السياسي عام2007 ولا يزال– للأسف الشديد- قائماً ومستمراً, ونسوا قول الله تعالى" يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم " النساء -135، و قوله " و أقسطوا إن الله يحب المقسطين" الحجرات – 9 وقوله أيضاً " لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" المائدة - 8,وعلى قاعدة "لا إكراه في الدين", و" لكم دينكم ولي دين" وفي ظل العهدة العمرية الخالدة التي أكدت على أن " المواطنين المسيحيين لا يكرهون على دينهم و لا يضار أحد منهم و لا يسكنبايلياء معهم أحد من اليهود " .
الاسلام يحثنا على الالتحام مع هذه الوثيقة من باب التعاون على البر مصداقاً لقوله تعالى " وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" المائدة – 2 ولا يوجد بر يفوق بر التصدى للظلم, ولا يوجد إثم وعدوان أكبر من هذا الإحتلال الغاشم, ولنا في التاريخ عبر عديدة على هذا التعاون وكيف خاض مسيحيو الشرق إلى جانب اخوانهم المسلمين في جيش صلاح الدين الأيوبي القتال ضد الهجمات الصليبية الغربية التي تدثرت بثوب المسيحية لاخفاء أهدافهم الاستعمارية وسرقة ونهب ثروات المنطقة واحتلالها، ومن باب الوطن الواحد والمواطنة الواحدة.
فالمواطنة تظللنا جميعاً وهي العقد الإجتماعي بيننا والإنسانية تبقى مظلتنا الأم وهذا ما أكدت عليه الوثيقة بأن المعركة في فلسطين ليست بين اليهود والمسلمين وانما بين الإحتلال والمحتل وبين الظالم والمظلوم , بل وذهب معدو الوثيقة - الذين أصفهم بالفدائيين والمقاتلين من أجل الحرية- أبعد من ذلك باعتبار اللاهوت الداعم لإسرائيل لاهوت محرف وخاطئ وأن الإحتلال ضد الدين في خطوة جريئة وتصحيحية قد تقلب الرأي العام المسيحي العالمي المتعاطف تقليدياً مع الإحتلال حيث تهدف الوثيقة لحشد دعم المسيحيين في العالم من أجل قضيتنا, فالعالم المسيحي ومناصروه هو الأكبر في خريطة العالم الدينية والديمغرافية, وبالتالي أفضل من يخاطبه هو إخواننا المسيحيين كما أنه من الأنجع أن نخاطب نحن الفلسطينيين المسلمين العالم الإسلامي لتتكامل الجهود، فالدين محرك أساسي في عالم اليوم وقراراته.
كما أن هذه الوثيقة أضحت اليوم أرضية متميزة لحوار اسلامي مسيحي في فلسطين دائم ومستمر وناجح بل نموذجاً يحتذى في الاقليم والمنطقة أيضاً.
نقول هذه الوثيقة تمثلنا جميعاً مسلمين ومسيحيين وأبناء الإنسانية الصادقين معنا أيضا .
** الموقف المطلوب :
ان مدخل الموقف الإسلامي المطلوب من الوثيقة قوله تعالى" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" وأن أفضل كلمة سواء هو مواجهة الظالم والمحتل الإسرائيلي.
لقد نصت الوثيقة على أنها مبادرة كلمة الفلسطينيين المسيحيين انطلقت من قلب المعاناة الفلسطينية وأن خيارهم المسيحي في مواجهة الإحتلال هو المقاومة لوقف الظلم و اجبار الظالم على التراجع عن بغيه وظلمه، وبالتالي فإن معديكايروس الأبطال لهم علينا حق النصرة كفلسطينيين مسلمين ومن واجبنا الديني والوطني والأخلاقي دعمهم والتعاضد معهم كفريق واحد وأبناء شعب واحد وليس كما يروج الإحتلال بأنهم مجموعة صغيرة راديكالية لا تمثل المسيحيين الفلسطينيين, ونحن نقول له وللعالمين أن كايروس تمثلنا جميعاً وأن معدوها لا يمثلون الفلسطينيين المسيحيين فحسب بل والمسلمين أيضاً وأن الوثيقة تشكل مصدر الهام لنا جميعاً.
نحذر من الوقوع في فخ الفتنة الدينية والسقوط في وحل "فرق تسد" وتأجيج صراع ديني في فلسطين (إسلامي-مسيحي) في وقت تعتبر فلسطين الأرض المقدسة واحة للتسامح والتعايش الديني ونموذجاً راسخاً للاخاء بعض النظر عن موقف أرعنهنا أو أخر مشبوه هناك،فالمسيحيون يا أبناء شعبنا المسلمين هم ملح هذه الأرض وهم أسبق منا في هذه الديار وديانتهم هي الأسبق من ديانتنا, وبلادنا مهد ديانتهم وأن الكثير من عوائلنا وقبائلنا المسلمة اليوم هي مسيحية الأصل.
مسيحيو فلسطين في هذه الوثيقة يدافعون عن القضية الوطنية المشتركة وعن صورتنا الإسلامية ويرفضون العنصرية ضد المسلمين ( الاسلاموفوبيا) أي كراهية المسلمين ويدعون العالم إلى ادانتها ويرفضون وصف المقاومة بالارهاب وإنما دفاع مشروع وحق مكفول, يؤمنون بدولة فلسطينية وتعددية ونحن نؤيد دولة مدنية غير ثيوقراطية, دولة لجميع مواطنيها بعيداً عن التمييز العرقي أو الديني.
البعض في أوساطنا الإسلامية – بكل أسف ومرارة- لا يزال أسير صورة نمطية قديمة بائسة و متخلفة تجاه مواطنيهم المسيحيين بأنهم طابور خامس وامتداد للغرب الصليبي وربما يضعهم في كفة واحد مع اليهود في مساواة ظالمة بين الضحية والجلاد وبين ابن شعبه و عدوهما المشترك ويتحفظ تجاه أي مبادرة تصدر عنهم وبالتالي سيكون موقفهم الرفض وفي أحسن حال التحفظ تجاه وثيقة كايروس, وهذه النظرة الجاهلية العقيمة وهذا النفر المعزول والمنبوذ يناقض موقفه قوله تعالى" ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون "المائدة - 82, ولو كان عمر بن الخطاب حياً لكان أول من تبرأ منهم, ولعل غياب اللقاء والحوار مع هؤلاء و عدم تعارفهم و اختلاطهم بمواطنيهم المسيحيين سبباً لهذه الأفكار واستمرارها.
كما أن البعض الاسلامي الأخر للأسف قد يتحسس باعتبار أن الوثيقة مسيحية النشأة وأطلقتها الكنائس الفلسطينية ونسى أن الفضل في السبق لأصحابه والاشقاء المسيحيين هم أصحاب السبق والفضل معاً و هذايؤكد الشراكة التاريخية والراسخة في النضال الوطني وابداعاتهم في ذلك رغم أصوات الاحتواء والتوجيه المشوهة والاستعمارية لسلخهم عن وطنهم وشعبهم الأم وقضيته الوطنية العادلة ، وجاءت هذه الوثيقة لتثبت بالدليل القاطع و العملي فشل هذه الاصوات ورهانات من يقف خلفها.
المواطنون المسيحيون يقدمون من خلال وثيقة كايروس نموذجاً راقياً في التعامل مع الإختلاف وإدارة الأزمات وتحليل المواقف والانخراط في مشروعهم الوطني كما تفرض عليهم مواطنتهم في وقت تمنع بعض الدول والحكومات الإسلامية ابنائها وشعوبها حتى من التضامن مع فلسطين, فهؤلاء علينا أن نحافظ على وجودهم كما نحافظ على وجودنا وحياتنا, نداء وثيقة كايروس نداء المظلوم الفلسطيني والمظلومية الفلسطينية, نداء المستضعفين في الأرض المقدسة صادر عن إخواننا وأخواتنا المسيحيين من أبناء فلسطين, ورسالتنا لهم: وصلت رسالتكم، لستم وحدكم نحن معكم, نداؤكم نداؤنا, وصرختكم صرختنا وألمكم ألمنا وأهدافكم أهدافنا وطموحاتكم طموحاتنا, والخندق الواحد يجمعنا.
دقت الساعة للعمل معاً لإنهاء الإحتلال عن بلادنا واجلاء مستوطنيه وتشييد دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس نعيش في رحابها أخوة متحابين ومواطنين صالحين ليعم السلام أرض السلام.
أن الإيجاب في المبادرة من المسيحيين الفلسطينيين لاشقائهم ومواطنيهم المسلمين يحتاج إلى قبول(بالمفهوم القانوني) وبالتالي من الواجب أن يكون هنالك موقفاً فلسطينياً اسلامياً واضحاً ومفهوما للوثيقة لتكون وثيقة وطنية جامعة يخاطب فيها الشعب الفلسطيني المظلوم بمسلميه ومسيحييه العالم كل العالم لوضع حد لمعاناته وظلم الاحتلال الغاشم له، وهذه الدراسة ان شاء الله أرضية و نواة لهذا الموقف المطلوب .
هذا ما نريد أن نعمل عليه ونصل إليه ونحققه بجهد الجميع المسيحي والإسلامي ليعود لفلسطين ضياؤها ووهجها وايصال رسالتها للعالمين ليقول العالم كلمة حق وعدل في وجه هذا الاحتلال البغيض وقد حانت هذه اللحظة من الوقت فلنعمل معاً وسوياً.
** رسالتنا لمعدي الوثيقة :
مما لا شك فيه أنكم قمتم بدور وطني بطولي غير مسبوق، وتصديتم لمرحلة مفصلية من تاريخ شعبنا ونضاله العنيد ضد الاحتلال و ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي ونقل قضية شعبكم و وطنكم بلسان مسيحي مبين للعالمين ، ودعوني أذكركم هنا بما قاله القس الجنوب الأفريقي برام هانيكوم في مؤتمر انطلاقة الوثيقة الثالث عام 2012 وهو يخاطبكم " لا تعون تماماً ماعملتوه فأنتم استطعتم وضع القضية الفلسطينية في موقعها الصحيح من اهتمام العالم واستطعتم اعادة تقديم الفلسطينيين للعالم كشعب مكافح ومناضل في سبيل حريته, ومن العار على العالم أن لا يقوم بدعم قضيته العادلة" , وأنا بدوري أقول لهؤلاء الأخوة والأخوات أنكم بهذه الوثيقة أعدتم كتابة تاريخ المسيحية في فلسطين وسطرتم بأحرف الوطن شراكة مصير واحد مع إخوانكم المسلمين وسددتم طعنة نافذة لدعاة الطائفية داخل بيتنا الفلسطيني وخارجه و وقفتم سنداً منيعاً في وجه اللاهوت المنحرف المشوه الداعم زوراً للظلم والاحتلال باسم الرب والدين وطرزتم وثيقة دستورية لوطن منقسم ومظلوم ستتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل وأطلقتم صرخة لا زالت أصداؤها تتردد في أرجاء الكون ولن تتوقف إلا باسترداد سيادتنا الوطنية على مقدساتنا المسيحية والإسلامية على السواء.
كماأؤكد للأخوة فيمجموعة كايروس الوطنية الطلائعية: الوثيقة ليست نهاية مشواركم دعوني أقول لكم أنها البداية بعد تحديد مسار البوصلة، مطلوب منكم اليوم أن تشمروا عن سواعدكم وأن تطورواوتمأسسوا ذاتكمو تعملوا مع الجميع المسيحي والإسلامي على بسط سيادتكم و رفع الوصاية الأجنبية على المقدسات المسيحية وعلى الطوائف المسيحية في بلادنا وتعريب وفلسطنة الكنائس واسنادها لأبناء فلسطين المسيحيين سيما في مدن بيت لحم والقدس والناصرة فأهل مكة أدرى بشعابها تماماً كما هو حال إشراف السعودية على الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة والمدينة، فالأمر جزء من سيادتنا الوطنية غير القابل للمساومة، وكذلك الإشراف على مواسم الحج المسيحي وتنظيم استقبال الحجيج إلى الأراضي المقدسة والسياحة الدينية المسيحية عموماً وتغيير الواقع المشوه من حيث إشراف الإحتلال والأجانب على ذلك بعيداً عن أهل الدار ليكون ذلك رافعة اضافية لمشروع التحرر الوطني من خلال تحصين هؤلاء الحجيج من الرواية الإسرائيلية المضللة التي تصور الإحتلال الظالم بحامي حمى المسيحية ومقدساتها، وتزويدهم بحقائق الجغرافيا والتاريخ ومظلومية شعبنا وقضيتنا ليعودوا سفراء لنا في بلادهم ولعل نص الوثيقة الموجه لهؤلاء الحجيج " تعال وأنظر" يصلح عنواناً لهذا الحراك المرجو والمنشود.
نقول لكم أيها الأحبة طوبى لكم وليبارككم الرب وليبارككم شعبكم ووطنكم لاخلاصكم ونبلكم, وستخلدون في تاريخ بلادكم بأحرف من نور وستحفظ الذاكرة الوطنية همتكم وشجاعتكم ووطنيتكم الحقة, وأن شجرة جهدكم ستزهر عاجلاً أم آجلاً حرية واستقلالاً وكرامة وأن الغزاة العابرون سيمضون ويرحلون كما بشر بذلك درويشنا الراحل.
الخاتمــــــــــــة :
مما لا شك فيه أن وثيقة كايروس فلسطين مبادرة رائدة ونوعية وبروح وطنية وبنكهة افريقية تحتاج إلى تبني وطني عريض لتحقيق أهدافها المرجوة، كما أن هذه الوثيقة وفلسفتها - في تقديري - نقطة تحول مفصلية في تاريخ المسيرة الوطنية المسيحية في فلسطين وخط فاصل بين مرحلة تقوقع وإنطواء وتردد سابقة ومرحلة انخراط كامل للفلسطينيين المسيحيين وترسيخ لانتماء وطني تاريخي في مسيرة شعبهم وبلادهم وقضيتهم وبشراكة كاملة مع مواطنيهم وإخوانهم المسلمين.
إن المطلوب اليوم بوضوح تعزيز الوطنية المسيحية في فلسطين وإبراز البعد المسيحي لفلسطين كجزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية حيث فلسطين منبع الدين المسيحي ومحج المسيحيين في شتى أرجاء العالم من خلال حشد المجتمع المسيحي في مسيرة النضال والبناء الوطني وتطويره أدائه.
أخــــــــــيراً ... كايروس الجنوب افريقية نجحت وحققت أهدافها بامتياز ونجاح منقطع النظير فيما كايروسالفلسطينية أمامها الكثير للعمل، عملنا نحن جميعا مسيحيين و مسلمين ومعنا أمتنا والعالم الحر، وحتماً على موعد مع النصر والحرية فكما هُزم الفصل العنصري في جنوب افريقيا سيهزم هذا الاحتلال العنصري في فلسطين وان لغداً لناظره قريب.
د.جميل جمعة سلامة
رئيس مركز القسطاس- أمين سر هيئة الوفاق الفلسطيني