شاءت الأقدار أن يلقى الله شهيداً في حرب الفرقان، عندما استهدفت الطائرات الإسرائيلية مقرَّ محافظة رفح، بتاريخ 27 ديسمبر 2008م، حيث كان في مهمة لإصلاح ذات البين بين عائلتين من المدينة، هكذا عهدناه يتحرك بين الناس بسماحته المعهودة وكلمته الطيبة، لفض منازعاتهم والإصلاح بينهم، ودعوتهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.. وقد عُرف الشيخ الشهيد بدماثة أخلاقه وتواضعه وأدبه الجمِّ، وبعمله الدؤوب وجهده الذي لا ينقطع، وكذلك عُرف بخطبه الوعظيَّة وكلماته التي تلامس قلوب الناس وواقع حياتَهم، وقد فقدنا برحيله إماماً كان للصلاة خلفه نكهة إيمانية خاصة، حيث كان يصدح بتلاوة القرآن في ساحة مسجد بلال طوال شهر الصيام.
افتقدته رفح بالمشاريع الخيرية التي تحتاجها، وبالبيانات التي كان يصدرها بين الفينة والأخرى، والتي تلخص معاناتهم، وتقوم بتوعيتهم بأشياء قلما ينتبه إليها الآخرون من الدعاة والخطباء والمصلحون.
كان الشيخ الشهيد نظير واعياً في حياته ودعوته وقراءته وخطبه، وكان حاضراً بين الناس وهمومهم، وكان مطالعاً لما يحدث في العالم حوله، يتابع الأخبار ويقرأ الصحف ويأخذ بثقافة العصر ولغته، والتي يتوجب أن يتسلح بها الدعاة والخطباء عادة، وكان عنده دراية بفقه الموازنات والأولويات، حيث كان العمل الاجتماعي في تقديره يوازي العبادة، وكان الشيخ (رحمه الله) يرى أن إطعام المسكين والفقير ونظافة الشارع كأداء العبادة النافلة، وربما تفوقها بكثير.
كان الشيخ الشهيد هو أيقونة الخطباء والوعاظ ورجال الإصلاح في مدينة رفح، فالجلوس معه متعة، والإنصات إليه علم، وذكره بين الناس شرف.
الشيخ نظير: بدايات اللقاء والتعارف
تعود أصول معرفتي به لبداية الثمانينيات، حيث حضرت بعض خطبه في مسجد بلال، وقد أعجبني أسلوب خطابه بعرضه المتنوع، وذكرني بالشيخ عبد الحميد كشك (رحمه الله)، والذي كان يتناول في خطبه مشكلات الواقع وأحوال الناس، ويحاول إسقاط ذلك على وقائع في تاريخنا الإسلامي، ويقدم ما استل من دروس وعبر، ويسدي النصيحة فيما يتوجب عمله على مستوى الحكومة، ومؤسساتنا الوطنية والدينية، وأيضاً ما هو في حكم الواجب والمسئولية على الناس.
كان مسجد بلال مكاناً متواضعاً في الثمانينيات، ولكن ساحاته كانت تكتظ بالمصلين، ولقد أسعدني عند عودي من أمريكا في فبراير 1988م مشاهدة هذه الأعداد الكبيرة من الأطفال والشباب التي تملأ فناء المسجد وساحاته الخارجية، واستبشرت خيراً بهذه الجاذبية التي جعلت معظم المصلين في حي السلطان تأتي للصلاة خلفه. وبرغم وجود الاحتلال وعيونه التي ترصد ما يتحدث به في الدروس وخطب الجمعة في تلك الفترة من الانتفاضة، إلا أنني وجدت شيخاً يتحدث بجرأة ولا يخشى في الله لومة لائم، ولطالما تمَّ استدعائه من قبل جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك)، كما تعرض للاعتقال الإداري على خلفية ما يصدر عنه من أقوال مناهضة للاحتلال.
هكذا عرفته: همَّة عالية ومشاغل لا تنتهي
عُرف الشيخ الشهيد نظير اللوقة بالعديد من الصفات التي تميز بها عن غيره من الأئمة والدعاة، حيث كان الشيخ (رحمه الله) ذا همة عالية، بالرغم من انشغالاته وكثرة أعبائه المنزلية والحياتية، حيث كان يتابع أمور مسجدي بلال بن رباح ومسجد سعد بن أبي وقاص، ويعمل في مجال الإصلاح بين الناس، والتحضّير لما عليه من التزامات تجاه الدروس والخطبة الأسبوعية، حيث كان الشيخ (رحمه الله) يخطب كل جمعة في مسجد بلال، ويتابع بنفسه الكثير من المشاريع الخيرية.
كان لا يغادر مكتبه من السادسة والنصف صباحاً حتى صلاة العشاء، إلا إذ استدعت الضرورة ومتطلبات الإصلاح بين الناس، وكان لا يأكل من الطعام إلا القليل، حتى القيلولة كانت في مكتبه، وقد كان مكتبه عبارة عن مكتبة تضم مئات الكتب القيَّمة في شتى العلوم المعرفية والإسلامية، وكان الناس يقصدونه في ذلك المكتب لأمور مختلفة؛ فهذا يريد مساعدة مالية، وذلك يريد حلاً لمشكلته، وثالث يريد غرضاً معيناً، وهذا يسأل سؤالاً ويطلب جواباً أو فتوى الشيخ...الخ
كان كل يوم يأتي إلى مكتبه في ساعة مبكرة من الصباح، ويجلس بين أحضان الموسوعات العلمية وأمهات الكتب؛ يقرأ ويؤلف ويكتب، ويلخّص ويفرّغ خطبه الصوتية كتابةً حتى بعد صلاة العشاء، ولا يملُّ أو يكلُّ من القراءة والبحث والكتابة.
وعندما انهار سقف مسجدُ النور وهو في طور البناء والتأسيس، استعد الشيخ نظير أن يقوم بمتطلبات إعادة البناء دون أن يتدخل أحد من الناس في تمويله أو الإشراف عليه، بالرغم من كثرة الديون التي أثقلت كاهله.
كان الشيخ (رحمه الله) صاحبَ همةٍ عالية، لا ترهقه الظروف، ولا توقفه قلةُ المال والدعم؛ بل كان يعتمد على الله ويتوكل عليه في كل أموره، بالرغم من أنه ليس موظفاً وليس له راتبٌ شهري، فقد كان يحث الناس على الإنفاق والعطاء لعمارة المساجد وتمويل المشاريع الخيرية، ويستدين على حسابه، وهو مستعدٌ أن يقوم بأي مشروع خيري ولو لم يكن معه أي درهم واحد.
وكان لا ينزعج إذا جاءه اتصال للخروج للإصلاح بين الناس وهو منشغل جداً في أمور مسجدي بلال وسعد، حيث كان يتابع أمورهما، وكان لا ينام إلا ساعات قليلة، وأبى أن يوقف البناء في مسجد سعد بالرغم من قلة الإمكانات وكثرة الديون وضآلة مصادر الدعم، حيث بناه من التبرعات التي كانت تُجمع من أهل الخير.
وقبل انضمام مسجد بلال لوزارة الأوقاف، كان الشيخ يوفر رواتب الخدم والأذنة للمسجد، وعرضت عليه اللجنة أن توفر له راتباً شهرياً فأبى ورفض، وألحوا عليه كثيراً، فوافق على مبلغ زهيد يعينه على مصاريفه وأعبائه.
وفي مجال تأليف الكتب، قام بتأليف العديد من الكتب التي كانت عناوينها تدل على فهمه وسعة اطلاعه، ولكنه لم يجد من يطبع تلك الكتب وظلت في أرشيفه وميراثه، وكان يقول: "سيأتي اليوم الذي تُطبع فيه هذه المؤلفات".
الخطابة والعمل الدعوي: إمام لا يشق له غبار
إن موهبة الخطابة كانت إحدى الملكات التي تميز به الشيخ الشهيد نظير (رحمه الله) وبرع فيها، حيث أتقن فنونها، وأضحى منبره علامة مميزة، وصار له شهرة بين المساجد والخطباء في رفح، وقد كانت له نكهته الخطابية التي تشدك طوال الوقت للاستماع إليه والتدبر فيما يقول، حيث تمرس على أسلوب الإلقاء، ودانت له اللغة العربية بالنحو والبلاغة والشعر، ولا تخلو خطبه الدسمة من قصيدة شعرية، وفن أدبي، ومقولة لأهل السلف الصالح.
كان يتميز بين خطباء مدينة رفح بالتحضير الجيد للخطبة، حيث يظل في تحضير الخطبة طوال الأسبوع ينظم لها الأفكار والأحداث، وإذا تكلم في موضوعٍ ما استوعبه من جميع جوانبه، ويربط ذلك الموضوع بأحداث الأسبوع والأحداث الإقليمية والدولية بأسلوب رائعٍ جداً.
لقد سمع الشيخ نظير وتعلم من أستاذه الشيخ كشك فن الخطابة والإلقاء، وكان بالفعل يحاكي أسلوبه وإلقاءه، حيث كان يوظف الآيات القرآنية والسيرة النبوية ويسقطها على واقع المسلمين المعاش. ويعتبر الشيخ الشهيد من أشهر خطباء القطاع، حيث بثت فضائية الأقصى العديد من خطبه على الهواء مباشرة، مما يدلل على ثقة الحركة الإسلامية بأسلوبه ومعالجته الحكيمة للمواضيع، وقد تمَّ تسجيل جميع خطبه صوتياً، وتصوير أغلبها، وهي تعتبر إرثاً دعوياً وفكراً إسلامياً في معالجة أوضاع العالم الإسلامي.
وكم كان يسعدني القيام بشراء كمية من تلك الخطب، وتوزيعها على بعض الأصدقاء والإخوة في مجلس الوزراء والمؤسسات الحكومية الأخرى.
وكنا نتمنى أن يدرك الشيخ نظير الربيع العربي والانتكاسات التي أعقبته، والتغيرات التي طالت العالم الإسلامي، لنرى كيف يعالج تلك الأحوال بأسلوبه الراقي الواعي المحذر من خطورة الفتن والاقتتال الداخلي.
وبالرغم من المساجد التي بناها أو ساهم في بنائها، والمكانة الذي حظيها بين الناس كإمام وخطيب، إلا أنه لم ينازع على إمامة أو على خطابة، ويرفض أن يتقدم لإمامة الناس إلا نادراً، فهو يريد أن يتقدم الشباب، ويتعلموا فن القيادة والإمامة، ويصلي وراء تلاميذه بكل تواضع واحترام.
العمل الخيري والإصلاح بين الناس: قناعات وهموم
برع الشيخ نظير اللوقة منذ وصوله لأرض الوطن في العمل الخيري والإصلاح بين الناس، فله في كل شارع معلم خيري يدل على اسمه، وبصمة تشير إلى مروره من هنا، حيث كان يقول: "لا ينبغي لأحد أن يترك هذه الدنيا حتى تكون له بصمة في المجتمع، وأثر بين الناس".
حيث قام الشيخ ببناء العديد من المؤسسات التي تخدم المواطن، فقام ببناء قسم الأشعة لعيادة الحكومة في حي تل السلطان برفح، وقام بإعادة بناء مسجد بلال بن رباح، حيث كان مكوناً من طابق أرضي، وأصبح الآن معلماً من معالم حي تل السلطان في مدينة رفح.. وقبل استشهاده بأشهر قليلة، قام ببناء ملحق بالمسجد يضم - الآن - روضة للأطفال ومؤسسة خيرية وصالة رياضية ومكتبة كبيرة.
وكذلك قام ببناء مسجد سعد بن أبي وقاص في حي كندا بتل السلطان، وهو مسجد ضخم يضم مصلى للرجال ومصلى للنساء، ومدرسة شرعية، ومكاناً لتحفيظ القرآن.
وقام بعمله المميز الذي خدم مدينة رفح، حيث كانت تعاني المدينة من عدم وجود مرافق صحية، وتفتقر إلى مستشفى يعالج المرضى، فقام الشيخ بالرغم من قلة ماله وعدم وجود مصدر دخل له أو ممول لمشاريعه الخيرية، قام رحمه الله باستثمار وجود قطعة من الأرض كانت مخصصة لبناء مستشفى في حي تل السلطان، فشمر عن ساعديه وتحرك مع أهل الخير حتى أنجز ذلك المشروع.. ويعتبر مستشفى الهلال الإماراتي اليوم هو أحد معالم حي تل السلطان برفح، وقد رفض الشيخ نظير أن يضع عليه اسمه أو أن يوظف أحداً من إخوانه فيه.
بناء المساجد والتمكين للحركة الإسلامية: هدف وسلوك
كان الشيخ نظير (رحمه الله) له من اسمه نصيب، فهو بأخلاقه وهمَّته لا نظير له، كان ينظر ويقدِّر كلَّ خطوة يخطوها إلى الإمام، ويراعي ما ستؤول له الأمور والأحداث، حيث كانت له نظرته المستقبلية في الأمور السياسية الخاصة بالشأن الفلسطيني والعربي والإسلامي، ولطالما حذَّر كثيراً من المؤامرات التي تحاك في العواصم الغربية ضد شعوب أمتنا وعالمنا الإسلامي.
كان الشيخ يولي اهتماماً خاصاً ببناء المساجد، ويمنح ذلك الأولوية في مشاريعه الدعوية، حيث يرى أن بناء المسلم الحق يبدأ من المسجد، فمن جانب المحراب يبدأ الخطو نحو الجهاد والاستقامة، وكان - دائماً - يذكر في خطبه أن النبي لما قدم المدينة بنى مسجداً، لعلمه أن بناء المسجد هو بداية لبناء المجتمع بأخلاقه وعلاقاته الاجتماعية المتميزة.
وكان الشيخ خلال خطبه يسعى للتمكين لفكر الحركة الإسلامية بشواهد من الكتاب والسنة والسيرة النبوية، ويدحض كل الأفكار التي تجابه الفكر الإسلامي وتناوئه، فكان يحاجج العلمانيين والشيوعيين بالوقائع التاريخية والأحداث والشواهد على نصاعة تاريخ الحركة الإسلامية، ويدافع عن الجماعات الإسلامية ويفند الشبهات والمزاعم التي تثار حولهم
.
أجهزة السلطة الأمنية: ملاحقات ومضايقات
تعرض الشيخ نظير خلال حياته الدعوية للعديد من المضايقات من أجهزة الأمن الفلسطينية، حيث كان الشيخ معارضاً لاتفاق أوسلو ولسلوكيات السلطة، فكان ينتقد السلطة وقادتها في خطب الجمعة مما عرضه للمسائلة والاعتقال أكثر من مرة.
وكذلك كان الشيخ يدافع عن الحركة الإسلامية وعن مواقفها، وحاول في خطبه تفنيد الاتهامات التي تطال الإسلاميين، وكان يؤيد ما تقوم به الحركة الإسلامية من عمليات ومقاومة كحركة تحرر تريد تحرير الوطن على قاعدة المقاومة لا على قاعدة المفاوضات.
وكان الشيخ ينتقد المفاوضات غير المجدية مع الاحتلال، ويطالب بوقف التنسيق الأمني، ويندد بعمليات اعتقال كوادر الحركة الإسلامية من قبل جهاز الأمن الوقائي.
ومن الجدير ذكره، أن السلطة الفلسطينية كانت تحاول كسب مواقف الأئمة والخطباء والقضاة بالمال والمناصب والامتيازات، إلا أن الشيخ نظير رفض الوظيفة وأبى الانخراط في صف المؤيدين لخط أوسلو والمطبلين له.
وقد حاولت بعض الجهات في الأجهزة الأمنية الإساءة إليه بترويج الإشاعات المغرضة حوله، عبر نشر البيانات المدسوسة للتشهير به، إلا أن الشارع هبَّ واقفاً معه، وقاد مظاهرة دعم وتأييد إلى منزله، رافضين كل الاتهامات والافتراءات، التي تنال من الشيخ وتاريخه المشرق المضيء.
فوز حماس في الانتخابات: العطاء وشدُّ الأزر
يتميز الشيخ نظير اللوقة بسعة اطلاعه، وفهمه لشمولية الإسلام ومقاصد التشريع، حيث لم يكن جامداً في آرائه، ولا متعصباً لمذهب؛ بل كان ينتمي لمدرسة الإمام حسن البنا (رحمه الله) والشيخ يوسف القرضاوي، وكان كثيراً ما يستشهد بكلام منه في خطبه وبياناته، حيث لم يعارض الشيخ نظير دخول الحركة الإسلامية في الانتخابات والمشاركة في الحكم؛ بل كان يرى أن من واجبات الحركة الإسلامية أن ترتقي إلى كرسي الحكم لتغيّر الواقع الفلسطيني المأزوم المترنح، فدعا بكل صراحة إلى انتخاب القوي الأمين، صاحب اليد النظيفة، وصاحب التاريخ الوطني اللامع.
وعندما فازت حركة حماس في الحكم، كانت معظم خطبه في تأييد الحركة وشدِّ أزرها والدفاع عنه، وتبرير أفعالها وممارساتها في بداية الحكم، وكذلك في البحث عن الأعذار التي تجلّي للناس سببَ إعاقة عجلة التغيير والإصلاح.
وعندما تصاعدت الأمور وتوترت بين حركتي فتح وحماس، وقعت الأحداث المأسوية الدامية في يونيه 2007م، فيما عُرف بين الإسلاميين بـ"الحسم العسكري"، وعُرف عند الفتحاويين بـ"الانقلاب"، ارتفعت لهجة الشيخ نظير في إدانة الدماء التي سقطت بين الطرفين، وكان يستنكر ما يحدث على الساحة الفلسطينية من استباحة للدماء البريئة، ولم يجد حرجاً في أن يصلي على موتى الطرفين، دون تفرقة بين فريق أو فريق.. ولما حدث استنكاف جماعي للموظفين وانسحب الآلاف منهم من الوزارات، بناءً على تعليمات رئيس السلطة، كان موقف الشيخ نظير واضحاً في معارضة هذا التصرف الخارج عن العرف الديني والوطني.
وقد استنكر كثيراً قتل المجاهدين والعلماء وأصحاب اللحى، وأدان تغوّل الأجهزة الأمنية على الإسلاميين، وندد بحرق الجامعة الإسلامية، وارتفعت لهجته في الوقوف إلى جانب الإسلاميين وتعزيز موقفهم.
ختاماً: وكنت بإنجازاتك أكبر عنوانٍ وأثر
لقد كان الشيخ الشهيد نظير اللوقة (أبو خليل) أحد أهم الدعاة والخطباء ورجال الإصلاح الذي عرفتهم مدينة رفح، وهو واحد من أعلامها ورموزها المرموقين، وكم كنا نسعد بالاستماع إليه ومجالسته، ولطالما كان يأتينا زائراً وناصحاً في مقر مجلس الوزراء حاملاً لنا هموم الناس، وما يتوجب تذكير رئيس الحكومة الأخ إسماعيل هنية به.. لم يأت يوماً يطلب شيئاً لنفسه بل كانت حاجات الناس مقدمة عنده، كما كان يأتنا بالمشاريع الكبيرة التي تتطلب دعم الحكومة ومباركتها، وكان يجد في تفهم رئيس الوزراء ما يحتاجه من سخاء في العطاء، حيث كان الجميع يعرف مواقف الرجل وطهارة يده فيلقونه بالتحية والترحاب.
لقد أكرمه الله بالشهادة في اليوم الأول من الحرب العدوانية على قطاع غزة عام 2008م، وقد شيَّعته مدينة رفح مع عدد آخر من الشهداء، حيث تمَّت الصلاة عليهم في ملعب البلدية الذي اكتظ بالمصلين.. ودعناه بدموعنا، وذكرياتنا العزيزة معه كانت حاضرة في دعواتنا له، لقد كانت حركة الآلاف من المدنيين والعسكرين الذين شاركوا في الجنازة، وحملوا نعوش الشهداء، وارتفعت أصواتهم بالتراتيل لهم، هي الشهادة والأثر لشيخنا الحبيب (أبو خليل)، والذي كتب له المولى - سبحانه وتعالى –أن يكون من بين أصفيائه الأخيار (ويتخذ منكم شهداء).
ومن باب الوفاء لتاريخه وسيرته، أصدرت "جمعية نظير للتنمية" كراساً تعريفياً بالشيخ الشهيد في يناير 2012م، تحت عنوان: "الشيخ الشهيد نظير خليل اللوقة: رجل الكلمة والفعل"، وهو عبارة عن يوم دراسي تضمن مجموعة من الأوراق البحثية التي قدَّمها رفقاء درب من الأساتذة والدعاء، تحت رعاية المنتدى التربوي برفح وبحضور وزير الأوقاف والشئون الدينية، وقد تناولت حياة الشيخ؛ السيرة والمسيرة، وتغطي بإيجاز مجمل الجوانب الدعوية والفكرية والاجتماعية في شخصيته، وتعرض لإسهاماته في بناء عددٍ من المساجد والمرافق الصحية والاجتماعية في رفح، وفيها أيضاً الكثير من التفاصيل حول جهوده في مجال العمل الإصلاحي.
لقد سعدت بالإنصات إلى أحد تلامذته النجباء؛ الأستاذ أحمد مسمح، والذي أفاض علينا بالكثير من التفاصيل التي أوردناه حول مسيرة الشيخ الشهيد ومواقفه، فله منَّا جزيل الشكر والتقدير.
وباختصار: كان الشيخ الشهيد نظير اللوقة (رحمه الله) هو الرجل الداعية؛ صاحب الكلمة الطيبة، والحركة الواعية، والسيرة العطرة، والهمّة العالية.
تغمد الله شيخنا الجليل أبا خليل بواسع الرحمة والمغفرة، وألحقه بالصالحين من عباده، إنه سميع مجيب.


