خبر : تعديل على التعديل: وما زال الانقسام مستمراً ... رجب أبو سرية

الجمعة 18 ديسمبر 2015 09:48 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تعديل على التعديل: وما زال الانقسام مستمراً ... رجب أبو سرية



في معرض تفسير قيادات حركة فتح للتعديل الحكومي المفاجئ، الذي أقدم على إجرائه رئيس الحكومة بموافقة رئيس السلطة، وتناول ثلاث حقائب وزارية، أوضحت تلك القيادات أن السبب يعود إلى إقالة وزير العدل لأنه أقدم على مخاطبة دولة عربية دون علم رئيس الحكومة، فضلاً عن الرئيس.
بالطبع كان يمكن إقالة الوزير المذكور دون إجراء التعديل على الفور، وكان يمكن الاكتفاء بقرار الإقالة، وحتى إجراء التعديل على مقعد وزارة العدل الذي يشغله الوزير سليم السقا، دون أن يُحدث شيئاً من الجدل، الذي لا يحتاج إلا إلى مناسبة ما؛ ليحدث بين حركتي فتح وحماس، وليذكرنا دائماً أن الخلاف السياسي ما زال قائماً بينهما، وأن الخلاف هو في حقيقته اختلاف وافتراق ما زال يبقي على حالة الانقسام، ولا شيء يلوح في الأفق يشير إلى احتمال اختفائه قريباً.
هذا الإجراء جاء بعد احتفاء حركة حماس في غزة بذكرى انطلاقتها، وبعد جدل شعبي حدث الأسبوع الماضي بمناسبة فتح معبر رفح، ليعود الاهتمام على محاولة فتحه، لتدفع حركة حماس بصقرها الأحدّ، الذي لم يظهر كثيراً خلال السنوات الماضية على خشبة مسرح حماس، ونقصد به محمود الزهار، الذي فعل مثل «جهيزة « وقطع قول كل خطيب من قادة الفصائل حول وجود محاولات أو مبادرات لفتح معبر رفح، بالقول: إن حركته لن تسلم المعبر «للصوص»، ويقصد بالطبع الطرف الآخر من معادلة السياسة الداخلية الفلسطينية!
رغم أن الطموح الوحدوي الفلسطيني تضاءل لدرجة أن يكتفي بفتح معبر رفح، لتسهيل حياة المواطنين في قطاع غزة، بوجود حرس الرئيس على الجانب الحدودي فقط، فيما يتم تخصيص صندوق خاص بالعائدات الضريبية الناجمة عن فتح المعبر وحركة المسافرين، لتطوير منشآت المعبر والبنية التحتية للقطاع، أي ألا تدخل، لا في ميزانية السلطة ولا في جيوب حماس، لكن ذلك لم يكن كافياً حتى تتم الموافقة، ويتم حل أحد بنود ومظاهر الانقسام!
جدير بالذكر أن التعديل الحكومي آنف الذكر هو التعديل الثاني الذي يجري على حكومة مقلصة أصلاً ومشكّلة منذ نحو عام ونصف فقط، وكانت لها مهمة محددة، وهي إنهاء مظاهر الانقسام، والتحضير لانتخابات عامة من شأنها أن تعيد توحيد شطري الوطن الفلسطيني، وذلك خلال مدة أقصاها عام، لكن «المؤقت» وفق التقليد السياسي الفلسطيني سرعان ما يتحول إلى دائم!
وما زالت حكومة رامي الحمد الله الثانية تحمل صفة التوافق، وهي رغم أنها تشكلت بناء على «توافق» فتحاوي - حمساوي، إلا أنها لم تنجح في «التوفيق» بينهما، أي أنها فشلت في تحقيق المهمة التي أنيطت بها، وما الاحتفاظ بها وفق هذه الصفة إلا لتحقيق مآرب سياسية، تأتي ضمن سياق المناكفة والصراع السياسي بين قطبي المعادلة الداخلية!
ردة فعل حركة حماس جاءت معتادة، فقد أعلن قادتها أن التعديل الحكومي غير شرعي وغير قانوني، وقالوا إنه لم يأت وفق التوافق وإن الحكومة من الأصل لم تنل ثقة المجلس التشريعي، وكل هذا ربما كان بعض مظاهر الحالة غير الطبيعية الفلسطينية القائمة، فالمجلس التشريعي نفسه غير شرعي وكل السلطات فقدت «صلاحيتها»، وذلك أولاً لأن الولاية الانتخابية قد انتهت منذ عام 2010، كذلك حتى قبل ذلك، لو كان هناك حرص ديمقراطي من أحد، خاصة حركتي فتح وحماس المتحكمتين بزمام الأمور في الواقع الفلسطيني، لكان قد تم التداعي لإجراء انتخابات مبكرة لمواجهة الشلل الذي يواجهه المجلس، الذي سيسجل في «غينيس» وفق الأرقام القياسية السلبية، كأكثر مجلس برلماني تعطل عن الاجتماع وعن ممارسة صلاحياته!
لكن ردة فعل حماس، والتي دائماً ما تكون مجزوءة، أي ترى الأمور من زاويتها فقط، حدثت؛ لأن التعديل الحكومي طال الوزير الوحيد الذي كان مقرباً منها في الحكومة، والذي جاء سبب إقالته لأمر يخص الحركة ويتعلق بمخاطبته لجهة عربية (يبدو أنها مصر أو السعودية) لتحريك ملف المختطفين من كتائب القسام الأربعة، الذين اختطفوا قبل أشهر في سيناء!
المهم، إن التعديل على التعديل لا يغير من واقع الحال القائم المائل شيئاً، وهو يؤكد أنه لا وجود للتوافق بين فتح وحماس على أرض الواقع، وأن الحكومة ما هي إلا حكومة السلطة التي لا ترى فيها حماس سلطتها، ولو كان الأمر غير ذلك لمكّنت الحكومة التي يفترض أنها حكومة توافق من قطاع غزة!
وهكذا تعاملت السلطة مع الحكومة كما تعاملت مع كل حكوماتها التي شكلتها منذ عام 2007 حتى الآن، وبهذا يبقى الانقسام قائماً ومستمراً، وهو حالة التوافق الفعلية والحقيقية بين حركتين لم تنجح إحداهما _ حتى اللحظة _ في «إخضاع» الأخرى لمشيئتها وارداتها، لذا توافقتا على الانقسام ولم تتوافقا بعد على إنهائه، وربما لا تتوافقان أبداً على إنهائه!
Rajab22@hotmail.com