في عصر ، بدأت العقول تُحلِّل ، و تُفَكِّر ، و تحاول فهم ملامح القاع الذي وصلنا إليه .
في عصر بدأت العقول الشابة ، تتفتح ، لتضع كل شئ حولها تحت مجهر البحث العلمي ، و الإستقراء المنطقي ، و تأكل و تشرب و تلبس عبر الإنترنت ، بل تتزوج ، و تعقد الصفقات ، و تربح و تقيم الشركات ، و تسقط الأنظمة السياسية و تثور على الموروثات الإجتماعية ، بل وصلت إلى تغيير و تجديد في محاولات فهم الدين نفسه ، و العلاقة بين الإنسان و خالقه ، بطرق بحثية جديدة ، تعتمد على العلم و العقل و تشق طريقها إلى القلب و الوجدان ، من خلال العقل و الحساب و القياس .. في هذا العصر و الزمن ، و لهذه العقول و القلوب ، طبيعة خاصة ، تلائم زمنها ، و تناسب عصرها ، و لها أسلوبها في الحياة ، و لغتها التي تفهمها .. فلكل زمان دولة و رجال ..
أقول .. في هذا العصر بهذه المكونات ، لابد أن يتجدد الخطاب الفلسطيني ، يحدث ، ليتمكن من الوصل بالرسالة بالطريقة المناسبة ، و الوقت المناسب ، ليضمن النتائج المناسبة ..فرق شاسع بأن يصب الجهد و تتكاتف الجهود ، من أجل إعلام فلسطيني يحاكي العصر ، و بين من كان شغلهم الشاغل " عصر" الإعلام و الإستفادة منه بالتربح المادي أوالهيئة الإجتماعياً من خلال منصب .
لا يعقل أن تُشَيّد المباني ، و تُصرف الملايين على الشكل ، دون أي تغيير في المضمون و الأسلوب، ولا يعقل في زمن يتمكن هاشتاج ، أو صفحة بسيطة على فيسبوك ، أو تويتر أن تحدث إنقلابا فكرياً ، أو سلوكياً و تؤثر في المجتمع أكثر من تأثير تنظيمات و أحزاب ، عمرها ضعف عمر " أدمن " أو مدير الصفحة ، و تضم مؤيدين و مناصرين في سويعات قليلة ، ضعف عدد أعضاء الحزب العاملين و المناصرين على مدى عقود من الزمن ..
أيها السيدات ، أيها السادة .. أفيقوا ، و إستهدوا بالله ، نعم ، من حق المؤسسين و العظماء و المفكرين علينا أن نبجلهم و نحترمهم و نعود إليهم و نستشيرهم .. و لكن من حق الشباب أن يعيش عصره ، بأدواته ، و أساليبه .. و لا يمكن أن يضع شكل و مضمون الرسالة الإعلامية الفلسطينية ، لأبناء هذا الزمن و الأوان ، من لا يستطيع أن يفهم لغتهم و لا يستوعب نمط حياتهم .. ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: 16]. و كما يقال ، فإن العناد يولد الكفر ، و الإصرار على رجال كل زمان ومكان ، و الإصرار على " الخلود " في المناصب و التنقل بينها ، ووضع و صياغة خطاب الوطن و الشعب ، بذات العقول و المفاهيم ، لن يؤدي إلا إلى أحد أمرين : إما الكفر بالقضية الوطنية الفلسطينية من قبل المتلقي و المستهدف .. سواء أكان محليا أو دوليا .. فهم جميعا ينتمون إلى عصر مختلف .. و الأمر
الثاني هو أن يهمل أو لا يأبه بالخطاب الفلسطيني .. و يترك تذروه الرياح ، هباء منثورا ، كما هو حادث اليوم .. و لا ضير هنا من أن أذكر مثالاً بسيطاً ، رغم أني لا أحبذ اللجوء إلى ذكر التجارب الشخصية ، و لكن الظرف يحكم ، و الضرورة تبيح المحظور ..
في فترة سابقة حاولت أنا شخصيا أن أقدم شيئاً ، نوعاً ، أسلوباً ، سلوكاً جديداً ، رسالة تحمل المضمون بأدوات العصر ، و تستهدف أصحاب الحاضر و المستقبل ، فطلع علي من كل حدب وصوب أصحاب الماضي و كهنة معابد الماضي و مشعوذي الإعلام و لصحافة ، بل و الحزبيين الذين يرون الوطن بعين الحزب و ليس العكس .. و إنهالت المكائد و المقالات ضدي و أصبحت بين ليلة و ضحاها ، الطفل المعجزة ، و الفرّام ، و المجرم ، و ربما لو إنتظرت قليلاً لأتهمت بأنني السبب في ضياع فلسطين . فأخذت أدواتي و رؤيتي ، و سافرت بها إلى أبعد نقطة يمكن أن أصل إليها .. و هناك ، في بلاد الصقيع و الثلج ، ساهمت في إقامة محطة كاملة باللون و الشكل و الأسلوب الذي مكّن حتى من هم ليسوا أصحاب القضية ، قضيتي ، من أن يحملوا قضيتهم ، و رسالتهم ، لتجوب العالم .. و تنجح ..
إنها " الرؤية " إنها المواكبة و حكم العصر ، أولادكم ليسوا لكم ، أولادكم أبناء الحياة ، نحن نعيش في زمن يتحدث فيه الناطق بإسم جيش العدو مباشرة عبر الواتس آب ، أو اي وسيلة تواصل إجتماعي مباشرة ، مع أي شاب عربي في المغرب أو مصر أو الصومال . مالكم كيف تحكمون ؟؟ و أنا على يقين أن صفحة هذا الخبيث ، لها رواد و متابعين أكثر من أي " شيخ " من شيوخ إعلامنا ، و الذي يزاحم بعضهم الآن ، و يجرون على ثلاث ، و يلهثون خلف ريادته و قيادته و مجلسه و هيئته ..


