إمّا أن تنعزل عن مجتمعك، أو تشترك في فساده بطريقة ما.
حقيقة لا أنا ولا غيري من أشرف الشرفاء ينكرها.. ومن يقل غير ذلك فهو واهم.
بعد عودتي من إجازة.. وفي المطار الذي غادرت منه إلى الكويت، عرض حمّال الشنط أن يخلص إحدى المسافرات من الانتظار وراء تلك الطوابير التي وصلت إلى الخارج من دون الحاجة إلى الوقوف والتعطل، خصوصاً أن موعد رحلتها لا يستحمل أي تعطيل، إضافة إلى تخليصها من الوزن الزائد لقاء مبلغ من المال، وإن لم يقلها علناً.
بسرعة أيقنت أن عرضه هذا يستحق القبول، فوافقت على الفور. وانتهت من كل إجراءات السفر في أقل من عشر دقائق، ودفعت له المقسوم، وجلست بعدها تحتسي القهوة، وتقرأ رسائل التواصل الاجتماعي وهي تبتسم لكل من يمر أمامها.
أيقنت لحظتها أنه لو كانت مثل هذه التجاوزات مراقبة ومحكومة وان من يقوم بها يعمل ألف حساب وحساب، لما تجرأ العامل على تقديم عرضه، ولما تجرأت هي على قبول العرض فوراً.
الجملة في أول سطر للمقال وردت في موضوع لاحد الباحثين الاقتصاديين، ونشرت في القبس، يوضح كيف يستشري الفساد في ظل غياب القانون والمحاسبة والرقابة.. والاهم من هذا كله ضياع القانون.
عندنا في الكويت، وبسبب انتشار الفساد كانسياب الماء على ارض ناعمة منبسطة منحدرة، من السهل أن تشارك فيه وان كنت لا ترغب، بل تكره ذلك، والا توقف حالك وتعطلت اعمالك؛ بسبب مزاجية واهمال موظف او مسؤول ممن يتواجدون في المقاهي والمجمعات التجارية طيلة ساعات العمل الرسمي.
تعطيل اعمالك من دون مبرر وليس لاي خطأ او مخالفة.. قدر ما هو انعكاس لحالة من الشراهة للكسب غير المشروع لسهولته ومتعته.
جزء كبير من الموظفين للأسف لا يريدون العمل بامانة في القطاع الحكومي؛ لانهم يشعرون انهم اما غير مجبرين او ملزمين بالعمل بامانة؛ لانعدام الرقابة والمحاسبة.. وغالبا ما يكون لان المسؤول مثلهم.. مهمل ومتسيب، والا فكيف يحاسب موظفه على شيء هو نفسه يمارسه يوميا.. او لان الموظف يشعر بالظلم بسبب حالة اللاعدل والمحاباة، حيث يكافأ الكسول ويعاقب المجد.
للاسف نقولها وكما عبر عنها صاحب هذا الموضوع.. ان من يصر على النزاهة المثالية والكاملة في عمله الحكومي لا يمكن ان يستمر في خدمته، فالجو الملوث يعدي الاصحاء، ومن يقاوم سيتعب وسيجد ان الراحة في مغادرة المكان الى آخر اكثر نظافة ونقاوة.. وان اضطر الى البقاء في بيته.
الرشوة والعمولات هي الدافع اليوم للعمل.. فالموظف الذي يعرف ان توقيعه او تمرير المعاملة سيكسبه مبلغا من المال او نوعا من الخدمات.. سيبذل مجهودا مضاعفا لانجاز اكبر قدر من المعاملات حتى يزيد رصيده من المال والخدمات.. الا من قلة ترفض ذلك لان ضميرها حي لا يموت رغم كل الملوثات المحيطة.
النتيجة النهائية انه كلما ضعفت مؤسسات الدولة اصبح الفساد وسيلة للانجاز.. والكسب غير المشروع على مرأى ونظر كل المسؤولين من اكبرهم الى اصغرهم.
عن القبس الكويتية


