خبر : مسؤولية الانتقال من الاعمال الفردية الى الانتفاضة.. مهند عبد الحميد

الثلاثاء 15 ديسمبر 2015 09:43 ص / بتوقيت القدس +2GMT



التمرد الفلسطيني على الاستباحة الاسرائيلية الشاملة للحقوق الفلسطينية، وعلى سياسة تثبيت الصراع وإدارته بما يخدم الاطماع الكولونيالية الاسرائيلية، لم ينجح في تغيير قواعد اللعبة السياسية حتى اليوم. فما يزال الانسداد السياسي قائما، ولم يطرأ أي تغيير يذكر على سياسة الاستيطان، ولم يطرأ تغيير في سياسة التطهير العرقي المتبعة في القدس، واستمرت محاولات الاصولية اليهودية المحمومة في اقتحام الحرم القدسي بهدف احتلال حيز فيه. إزاء ذلك فَصَلَت دولة الاحتلال ما حدث ويحدث عن اسبابه وقدمت ما قام به الشباب من ممارسة حق النقض لسياساتها العنصرية الكولونيالية باعتباره « إرهابا « تتعرض له إسرائيل من قبل «إرهابيين» مدفوعين «بكراهية اليهود كيهود». وانها تخوض الحرب ضد هذا «الارهاب « من أجل هزيمته ولا تتورع عن ممارسة العقوبات الجماعية بحق الشعب، والاعدامات الميدانية وكل اشكال الانتهاكات بحق الشبان والفتيات سواء شكلوا خطرا أو بعد زوال خطرهم المبالغ به.
مضى شهران ونصف على الهبة الشبابية وعلى ظاهرة الطعن والدهس، وبقيت دولة الاحتلال بمنأى عن أي ضغوط دولية وعربية وإقليمية تدعو لتعديل مواقفها وسياساتها. وضع، ليس بغريب على دولة اعتادت على تقويض سياسة خصمها سواء كان معتدلا كما حدث مع السلطة ومفاوضاتها التي وصلت الى نهاية نادرة السوء، او المقاومة التي تحولت الى مواجهة غير متكافئة وأحيلت الى تهدئات وهدن مفتوحة. وفي الحالين تم تحييد المفاوضات والمقاومة وفصلهما عن اهدافهما او دفعهما الى اهداف فرعية وثانوية. وهي الان تعمل على إنهاء الهبة وتصفية ظاهرة الطعن والدهس بدون الاستجابة للمطالب والاستحقاقات. متى تنجح سلطات الاحتلال في تحقيق هذا الهدف، و كيف لا تنجح؟ .
تنجح سلطات الاحتلال إذا استمر الوضع الراهن على حاله، وفي غياب المبادرة والتدخل الفلسطيني لتغيير قواعد الصراع التي تسعى سلطات الاحتلال الى تثبيتها. واذا استمرت الحالة العفوية الفردية للشباب والفتيان والفتيات دون تدخل ولا حماية ولا تحويل طاقاتهم الى مجال نضالي ايجابي . اذا استمر هؤلاء في مغامراتهم الثورية يواجهون آلة الامن الاسرائيلية التي لا تتورع عن قتلهم. يقول الاستطلاع الذي نفذه «معهد أوراد» على عينة شبابية من سن 16- 35 سنة أن : 86% من الشباب والشابات يرون في الاحداث الحالية (الهبة) غير منظمة أي فردية وعفوية . وانسجاما مع هذا التقدير فإن اغلبية الشباب والشابات 67% يرون دور السلطة غير ايجابي وكذلك يرون مواقف التنظيمات غير ايجابية من الهبة، 62% من المستطلعين يرون دور حماس غير ايجابي و59% يرون دور فتح ودور الجبهة الشعبية غير ايجابي و53% يرون دور الجهاد الاسلامي غير ايجابي والتنظيمات الاخرى ليست اوفر حظا. التقييم غير الايجابي للتنظيمات يقترن بضعف ومحدودية الانخراط والتدخل الايجابي في النضال الجاري. وإذا ما دققنا في الميدان، سنجد واقعا لا يتناقض مع الاستطلاع. سنجد عدم انخراط قطاعات شعبية واسعة في الهبة، يقول 70% من المستطلعين أن المشاركة الجماهيرية محدودة. وسنرى ضعف الانخراط الاحزاب والقوى، وضعف انخراط المجتمع المدني بصورة ملحوظة. ثمة افتقاد لحضور وثقل وزخم شعبي. تلك مشكلة تحتاج الى معالجة قبل فوات الاوان.
خسرنا في المفاوضات، وخسرنا في المواجهات العسكرية، ولا نريد ولا ينبغي أن نخسر في الهبة. ما تزال فرصة النجاح سانحة. فالسلطة لا تستطيع التدخل لمنع المشاركين لسببين الاول: انه لم يقدم ولا يبدو انه سيقدم للسلطة افقا سياسيا يبرر تدخلها، وقد اخفق وزير الخارجية الاميركية جون كيري في الوقت الذي توصد فيه حكومة نتنياهو كل الابواب، وأدار الاتحاد الاوروبي ظهره للعملية السياسية، وفي غياب الحافز السياسي لن تستطيع السلطة التدخل ضد الهبة بالمجان. والسبب الثاني : ان السلطة لا تستطيع التدخل بوجود مشاركة شعبية اوسع ومزاج شعبي مؤيد وداعم للهبة ، لان أي تدخل سيؤدي الى انشقاقات وانحيازات من قبل الاجهزة الامنية والادارية الى خندق المنتفضين.
يلاحظ أن سلطات الاحتلال تعمل على عدم استفزاز قطاعات شعبية كالعمال والطلبة « مدارس وجامعات وموظفي السلطة»، فلا تتخذ اجراءات من نوع منع العمال او حجز الضرائب او استفزاز قواعد السلطة، او استفزاز المدارس والجامعات، كي لا تدفعها للانخراط في الهبة وتحويلها الى انتفاضة. مقابل ذلك ماذا تفعل الحركة السياسية كي تشجع تلك القطاعات على الانخراط في الهبة، كي تتحول الهبة الى انتفاضة. طالما افتقدت الهبة الى الزخم الجماهيري فإن الجواب على السؤال هو سلبي طالما بقي الخطاب السياسي والاعلامي غارقا في العموميات ولا يبحث او يحاول اقناع فئات متزايدة من المواطنين بجدوى الانخراط والمشاركة. عندما يعتقد 53% من الفئات الشابة المستطلعة أن الوضع سيقى على ما هو عليه. وبالتأكيد فإن النسبة المتشائمة ترتفع فوق سن ال 35 عاما. إن هذا الاعتقاد يشكل كابحا لمشاركة الناس. في الانتفاضة الاولى التي بدأت عفوية سرعان ما اعتقد السواد الاعظم ان مشاركتهم ستؤدي الى تغيير الوضع، ستنهي الاحتلال فتحفزوا وانخرطوا ولم تثنهم التضحيات والخسائر. الان ، وطالما اعتقدت الاكثرية بأن الوضع لن يتغير بمشاركتها في الهبة فإنها لن تشارك. التحدي يواجه التنظيمات والمستوى الثقافي لعمل المطلوب أولا : تقديم خطاب سياسي وإعلامي يشرح كيفية وامكانية التغيير ويستخرج كل عناصر القوة القائمة والمحتملة.ثانيا : تقديم قوة مثال ملهمة من خلال فعاليات التنظيم بالتعاون مع تنظيمات أخرى تساعد في استقطاب مشاركين. ثالثا : الاستنجاد بالحلفاء الحقيقيين للشعب الفلسطيني من اجل إسناده وبناء جبهة الداعمين والمساندين بالافعال والاقوال.
كلما مضى المزيد من الوقت على استمرار العفوية والعمل الفردي دون اسناد واحتضان وتحويل الى عمل جماعي قابل للتطور وفي خدمة اهداف وطنية، كلما نزع العمل الفردي الى التصعيد مدفوعا للانتقام من جرائم القتل والتنكيل الذي يمارسه الاحتلال، هذا ما يشير اليه الاستطلاع . يعتقد 53% من المستطلعين أن الكفاح المسلح هو افضل طريقة لانهاء الاحتلال مقابل 35% يعتقدون أن الوسائل السلمية هي الافضل. القوى السياسية بما هي تجسيد» للوعي» -بالمعنى الافتراضي- هي التي تحدد الشكل الرئيسي للنضال الذي يستطيع معاظمة المكاسب الوطنية ووضع الاحتلال في موقع الخسارة والتراجع. ولا يمكن للمزاج العام والعفوية ان تحدد اشكال النضال الانسب حتى لو كان ذلك موقفا للاكثرية. المشكلة ان الفصائل المسلحة وصلت الى طريق مسدود، وهي لا تستطيع مزاولة العمل المسلح، لكنها في الوقت نفسه تعتبر المقاومة المسلحة هي الشكل الوحيد « مع وقف التنفيذ»، هذه الازدواجية تجسد شعبوية ولا مسؤولية والتحاقا بالعفوية لتضع المناضلين امام خيارات حادة.
Mohanned_t@yahoo.com