حتي أمريكا ، بكل ما تمتلكه من آله إعلامية ضخمة ، مذهلة ، و إمكانات و هوليود ، و مليارات و منتجين و أساليب دعائية ، و إبهار .. باتت تفتش عن مخارج ، و أساليب جديدة تغلف بها بضاعتها الفاسدة ، تجملها في عيون الناس ..
الإعلام ، و إمتلاك الأدوات ، و مهارة الإخراج ، لاتكفي لإقناع من يحترم عقله ، و يميز بين الخبيث عن الطيب ، و خاصة المؤمن الفطن ..
حتى في القضاء ، و ساحات القانون و المحاكم ، كثيراً ما نسمع عن نظام ( المحلفون ) ، الذين يستمعون إلى دفوعات المتخاصمين ، أو المتهمين و المدعين ، و يُسْتَشارون و يُسأَلُون عن أرائهم ، قبل النطق بالحكم ، و هم أُناس ليسوا بالضرورة من سلك المحاماة و القضاء .
بل إن القضاة أنفسهم ، كثيراً ما يتسخدمون العبارة الشهيرة ( بما وقر في وجدان المحكمة ) أي بالإحساس ، حتى ولو أتي الدفاع بكل الوثائق و التبريرات و إمتلك حلاوة اللسان و القدرة على تسويق ذاته و حجته ..
لم يعد الفلسطيني ، مصاباً بداء الوهم ، و لم يعد يفكر من أذنيه ، و لم يعد يأبه بثقيل العبارات و غليظ القسم ، فقد صَقلت التجارب شخصيته ، و الضربات المتلاحقة ربما أنهكت جسده ، ولم يكن في الحسبان أنها ستعوض ضعف البنيان بقوة العقل ونضج التفكير .. فرب ضارة نافعة .
الطرف الوحيد الذي بقى يعاني حالة ( الطفولة ) الفكرية ، و المراهقة السياسية ، و تأخر في النمو هو ذات الطرف الذي ظل يتعامل مع الفلسطيني بذات ألأساليب و الأدوات القديمة ، التي لم تعد تصلح ، و لا تنفع معه وقد كبر و إزداد وعيه و ثقته بقدراته .
و اللعب بالألفاظ مثل تلك العبارة الفضفاضة ( شراكة لا إحلال ) لم تعد هي العبارة السحرية التي تقنع الناس ، فالجميع يعرف ، أن أبسط قواعد الإنتماء لأي جهاز أمني ، تمنع بالقطع ، أن ينتمي أي جهاز يتبع الدولة إلى أي جهة أو فصيل أو حزب سياسي ، و بالتالي هم يطبقون القانون الجامع ، المتوافق عليه من قبل الشعب ، كل الشعب ، فلا فضل لحزبي عل مستقل ، و لا لقبيلة على عشيرة ، و لا لأبيض على أسود ، إلا بقدر ما إستوفى من الشروط و القواعد القانونية اللازمة .
و إلا ، تخيلوا معي أن قرارا صدر لضابط ما ، ينتمي لفصيل ما ، من قيادته في الفصيل أو الحزب ، أن يسمح أو يمنع جهة ما أو شخص ما ، بينما يرى القانون أن لا مانع و أن هذه الجهة أو ذاك الشخص لا غبار عليه ؟؟ كيف سيتصرف هذا المسئول ، هل يطبق قرار و أمر رئيسه أو قائده في الفصيل أو الحزب ، أم يمتثل للأمر العسكري الرسمي ؟؟
أو مثلاً ، ماذا لو قرر وزير أن يُقيل أو يعاقب أو ينقل موظفاً من مكانه ، هل ستقوم الدنيا و يرفض قرار الوزير أو المدير لأن هذا سيغير توازن "معادلة الشراكة" ؟؟ و بهذا يصبح الموظف ، أقوى من الوزير ... و الجندي أقوى من القائد ، و الباطل أرسخ من الحق .
إن أحد أهم الإشكالات التي عانت منها قوات الأمن الفلسطيني ، و أجهزتها ، على مدى حقبة من الزمن ، هي الفصائلية ، أو ما أصطلح عليه فلسطينيا بتعبير " الإستزلام ، أو الزُلُم " و الجماعات حتى في داخل الجهاز الواحد ، و هذا ما أدى إلى نتائج كارثية نعاني منها حتى الآن لقد كنا نشاهد بأعيننا كيف كان يمتنع جندي صغير ، ينتمي لجهاز ( أبو فلان ) أن يقف و يؤدي التحية العسكرية لضابط برتبه عالية يمر من أمامه ، لأنه ينتمي لجهاز آخر بقيادة ( أبو علان ) .. وكن نعلل ذلك بأنها ربما ظاهرة ناتجة عن موروث العمل الفدائي ( الملبنن) ، أو العسكري غير النظامي ، و أساسها يعود إلى ( عناصر التنظيم و التنظيم الآخر) و كنا نعتقد أنها ستتلاشى مع إزدياد الوعي و الإنضباط العسكري .. إلا أنها للأسف أدت إلى ما أدت إليه من تفسخ و ضياع و إنقسام .. و الغريب العجيب أن هذه الرؤوس و العقول العتيقة ، التي ما زالت بدلاً من أن تقدم الإعتذار للشعب كل عام بمناسبة إنطلاقتها ، أنها كبرت و شاخت و حتى الآن لم تستطع تقديم أي حلول لشعبها ، نجدها تحتفل بفخر و تعال و خيلاء ، أنها باقية و لم ينتهي دورها و لن ينتهي .. و نجدها بكل " ثقة" تطالب بنفس الأسلوب ، إلى الشراكة حتى في تركيبة القوات الأمنية و أجهزتها ، و كأنها لم تتعلم من التجارب ، و كأن السنوات الماضية لم تكن سنوات ضياع و بؤس بسبب هذه الظاهرة القاتلة ..
نستطيع أن نفهم "الشراكة" على أنها شراكة بين كل طوائف الشعب السياسية و الإجتماعية في القرار ، من خلال المؤسسات الدستورية و القانونية ، و الشعبية ، شراكة لوضع إستراتيجية عامة للشعب الذي يكلف الدولة بتنفيذ إرادته ، شراكة ديمقراطية ، شركة على أساس الشورى بينهم ، و لكن أن تكون شراكة على اساس " المحاصصة " حتى في التفاصيل التنفيذية ، لأجهزة التنفيذ من وزارت و إدارات ، و أخطرها الأجهزة أمنيه !!!! فهذا ما لا يقبلة عقل و لا منطق مهما سيق من تبريرات و حلو الكلام و بليغ الخطب .
تقسيم الورثة ، أمر مرفوض ، وهو الذي يجعل الشباب يقف ، و من خلفهم الشعب ليقولوا لهذه العقول العتيقة ، و الأنماط البالية ، لسنا ورثة ورثتموها لتتقاسموها ، متى إستعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟


