خبر : الغائية اللامنطقية عند زيدان ...عمر حلمي الغول

الأحد 13 ديسمبر 2015 10:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الغائية اللامنطقية عند زيدان ...عمر حلمي الغول




فجر الدكتور يوسف زيدان، قنبلة من العيار الثقيل في مقاربته العقلية لمكانة القدس، نافيا عنها هويتها العربية، ومسقطا عن مسجدها الاقصى، اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين القيمة الاسلامية، ومعتبرا إياه "خرافة" لا تمت للواقع بصلة، واستند في ذلك لتاريخ بناء المسجد الاقصى على يد عبد الملك ابن مروان في العام 65 هجري، اي بعد وفاة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم. واعطى الحق لليهود في فلسطين.
مما لاشك فيه، ان الاديب الروائي زيدان، أعاد الصراع إلى جذره السياسي، عندما حرص في مقابلته الاسبوع الماضي على احد المنابر الاعلامية المصرية، على نفي الطابع الديني للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وهنا اصاب. غير أن سعة إطلاع الفيلسوف المصري، ومحاكمته العقلية المجردة لمكانة مدينة القدس ومسجدها الاقصى، لم تسعفه في الالمام العميق بتاريخ اليهودية، مما اوقعه في شرك القراءة الشكلية للنص الديني اليهودي والاسلامي والمسيحي. فقام بإسقاط غائي على المدينة ومسجدها، ليس بهدف الاساءة للحق الوطني الفلسطيني، انما إنطلاقا من إعتماده للنص التوراتي، الذي لم يأت على ذكر فلسطين ولا القدس. وباستناده لفكرة عدم وجود المسجد الاقصى بالشاكلة، التي بناها الخليفة الاموي. مما اوقعه في مثالب غير محمودة.
بعيدا عن العاطفة والانشداد للوطنية الفلسطينية، ومن موقع الحوار العقلاني العلمي، فإن الدكتور يوسف جانب الصواب في إستنتاجه الغائي، الذي ترك ردود فعل واسعة ضده، لان الوقائع الدينية والتاريخية وحتى التوارتية، اولا تنفي اي صلة لليهود بالقدس، ومن يعود للمؤرخين وعلماء الاثار اليهود، يدرك هذه الحقيقة. حيث اكدوا ومنهم ( إسرائيل فنكلشتاين ونيل آشر سبيلرغ وشلومو ساند) إنتفاء اي صلة. اضف إلى انه مضى على وجود إسرائيل سبعة عقود طوال في فلسطين التاريخية، وعلماء آثارها يبحثون عن اية قرينة تربطهم بالقدس او الارض الفلسطينية، فلم يجدوا دليلا ولو متواضعا يؤكد الفرضية الصهيونية؛ ثانيا عدد كبير من المؤرخين العرب والاجانب، اكدوا ان الاماكن المذكورة في التوراة، لا صلة لها بفلسطين، وجميعها اماكن موجودة في اليمن وشبه الجزيرة العربية؛ ثالثا عدم بناء المسجد بالشاكلة القائمة عليه الان، لا ينفي وجوده بشكل بدائي، وما قيام الخليفة عبد الملك ببنائه في مكانه المذكور والقائم ليوم الدنيا هذا، إلآ تكريسا لما جاء في النص القرآني الكريم؛ رابعا يعلم الدكتور يوسف علم اليقين، ان الرواية الصهيونية من جذورها، رواية مزورة، ولا تمت للدين بصلة، بل إستعملت الدين لتحقيق غايتها الاستعمارية؛ خامسا تم تحريف التوراة عشرات المرات، ومن يعود للمختصين الانثرولوجيين وعلماء الفقه الديني، يجد ما يؤكد ذلك. وبالتالي ما حديث زيدان عن عدم تحريف التوراة إلآ نوعا من التحريف ومعاندة الحقيقة العلمية والدينية على حد سواء؛ سادسا القبول بالتسوية السياسية لا يعني الاقرار بالرواية الاسرائيلية، بل لدرء الاخطار عن الشعب الفلسطيني والمضللين من الاسرائيليين اليهود.
الدكتور يوسف زيدان، واحد من الاعلام العرب المميزين، له إسهامات غنية في عالم الرواية والادب عموما، أَثرت الادب العربي. ولكن في موضوع القدس والمسجد الاقصى، خانته الدقة، ولم تسعفه شجاعته، ورغبته في فتح أفق العقل على محاكاة الواقع ومقدساته، بغض النظر إن قبل المقدس او رفضه، في تحقيق ما يصبو له. بل لجأ لغائية مخايلة غير واقعية، فسقط من حيث يدري أولا يدري في نزق الاستنتاج الخاطىء. وإبتعد كثيرا عن محاكاة الرواية السياسية والدينية على حد سواء.
الخطيئة، التي وقع فيها زيدان، لا تسقط عنه صفة الابداع والتميز. وبالتالي بقدر ما يفترض مناقشته ومحاججته علميا ودينيا، ودحض وجهة نظره هنا او هناك في هذا الشأن او ذاك، بقدر ما لا يجوز الاساءة له ولشخصه او الانتقاص من كفاءته العلمية. كما لا يجوز كبح دور العقل في معالجة ومناقشة كافة الظواهر، والابتعاد عن الغرق في متاهة المسلمات وظلامية تجار الدين والسياسة.
oalghoul@gmail.com