خبر : الإرهاب أسهل صناعة ..بقلم: عبد الغني سلامة

الأربعاء 09 ديسمبر 2015 07:46 ص / بتوقيت القدس +2GMT



يظن الكثيرون أن العمليات الإرهابية (بغض النظر عن منفذيها) تتطلب تقنيات معقدة وتكاليف باهظة وتخطيطا دقيقا وتنسيقا على أعلى المستويات .. وفي حقيقة الأمر هذا ليس صحيحا؛ بل إن تنفيذ العمليات الإرهابية مسألة في غاية السهولة !!
على سبيل المثال، حينما وقعت عمليات تدمير برجي التجارة في نيويورك (11 أيلول) صوّرها الإعلام آنذاك على أنها عمليات بالغة التعقيد، تتطلب تقنيات واتصالات واختراقات وتخطيطا إستراتيجيا لا يستطيع تنفيذها إلا أجهزة مخابرات دولية على درجة عالية من الكفاءة والخبرة .. وتبين فيما بعد أن من خطّط لها تنظيم يقيم في كهوف أفغانستان.
ولو دققنا في الموضوع لوجدنا أن كل ما لزم لتنفيذها هو تدريب عدة أشخاص على الطيران، (وهو أمر كان متاحا لأي شخص) وخطف طائرتين في يوم معين، والاستيلاء على قمرة القيادة، ثم خبط الطائرة في العمارة .. مع علمنا أن إجراءات الأمن في المطارات الأميركية قبل ذلك التاريخ كانت بسيطة ويمكن اختراقها بكل سهولة، وعملية الاصطدام يستطيع أن ينفذها أي طيار غبي.
عملية إسقاط الطائرة الروسية في سيناء احتاجت إلى عبوة متفجرات بوزن 1 كغم من أرخص نوع، وشخص وضعها في حجرة الحقائب، لتنفجر بعد مدة معينة وهي في السماء، وقوانين الفيزياء تكفلت بالباقي .. واليوم بوساطة كمبيوتر عادي ومستخدم مبتدئ عن طريق «جوجل» يمكن معرفة مواعيد إقلاع وهبوط أية طائرة في أي مطار في العالم وقبل موعدها بسنة كاملة، وتفاصيل الرحلة ونوع الطائرة ... وبوساطة «الجوجل إيرث» يمكن معرفة تفاصيل الحالة بكل مكوناتها عن أية منطقة في العالم .. ما يعني أن الحصول على المعلومات الاستطلاعية أمر في غاية البساطة ..
وإذا احتاجت أميركا تقنيات ضخمة جدا لصناعة أول قنبلة ذرية، فإنه اليوم بوسع أية دولة فقيرة، أو حتى عصابة أن تصنع قنبلة كيميائية يوازي تأثيرها القاتل قنبلة ذرية صغيرة، وكل ما تحتاجه مختبر بسيط، وخريج كيمياء (حتى لو كان راسبا بالمواد الأخرى) وبعض المواد الأولية .. والأسهل منها، والأكثر خطورة هو القنبلة الجرثومية، والتي يمكن لشخص واحد أن يحملها في سيارته ويجوب أية مدينة دون أن يثير أي شكوك، وينشر فيها عدوى قاتلة ..
العمليات التفجيرية التي يروح ضحيتها الآلاف كل عام، تحتاج فقط إلى حزام ناسف (صار متوفرا بكل سهولة في الأسواق السوداء، ولدى تجار السلاح) وشخص مستعد لحمله.
ويمكن لبضعة أشخاص ترويع مدينة كاملة، من خلال بعض الأعمال التخريبية وتكرارها على نمط معين، وتصوير الأمر على أن المدينة ساقطة أمنيا، وأنها بحوزتهم.
كما يمكن تصوير ملثّم وهو يلقي خطبة ما، أو طباعة بيان تهديد ووعيد، ومع تقنيات الفوتوشوب يمكن تزوير أي شعار، والادعاء بتبنّي أي عمل، أو اختلاق أسماء لمجموعات جديدة وهمية، وعلى الإعلام تولي الباقي، خاصة مع رواج سياسة صناعة الخوف.
ولكن، من ناحية أخرى، يجدر التمييز بين تنفيذ عمليات إرهابية على المستوى الفردي، وبين قيام الجماعات الإرهابية بأدوارها الوظيفية على المستوى الإستراتيجي، ومثال ذلك، لم يكن بوسع داعش (والقاعدة سابقا) أن تنتشر في مشارق الأرض ومغاربها، بأسلحتها ومتفجراتها ورجالاتها وأموالها لولا التسهيلات الضخمة التي تقدمها لها المخابرات الدولية التي تستخدمها، خاصة مع التشديدات الأمنية في المطارات وعلى الحدود، والرقابة المشددة على تحركات الأموال، فمثلا لا يمكن لداعش شراء مئات سيارات الدفع الرباعي (تويوتا) من أحدث طراز لولا التسهيلات اللوجستية التي تقدم لها، ولا يمكن مرور عشرات آلاف الإرهابيين إلى سورية والعراق عبر الأراضي التركية لولا تسهيلات المخابرات التركية.
مختصر الكلام، أن العمليات الإرهابية مهما كان نوعها، تحتاج فقط إلى أشخاص لديهم الاستعداد لتنفيذها، وما بعد ذلك من أدوات وتقنيات وتخطيط أمر يمكن توفيره بسهولة مدهشة .. وأخطر ما في الموضوع أن عمليات تجنيد الانتحاريين تبين أنها سهلة جدا، بدليل الأعداد الهائلة منهم، والتي تتزايد سنة بعد أخرى .. خاصة في المناطق العشوائية والمهمشة وجيوب الفقر، ومع انتشار البطالة وتفشي اليأس، وغياب أي مشروع تقدمي إنساني ..
والجماعات الإرهابية والعصابات وأجهزة المخابرات في استقطابها للإرهابيين والانتحاريين، تستخدم وسائل الابتزاز والرشوة والتضليل، ولا تتورع عن استخدام الأطفال، وحتى ذوي الإعاقات العقلية .. وتستغل الشباب اليائس والفاشل، وتمنّيهم بالوعود، وبالحور العين، وتحاكي نزعاتهم الإجرامية بالقوة والتسلط والمغامرة، وتفريغ غضبهم وكبتهم وشحنات العنف المختزنة في دواخلهم، وبث أحقادهم على المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها، وتعبئهم بالشعارات البراقة التي تحتقر الحياة، وتعلي من شأن الموت (تحت مسمّى الشهادة).
وبذلك، تصبح المعركة في مواجهة هؤلاء في غاية الصعوبة، لأن الحياة والموت بالنسبة إليهم سيّان، (المقصود بذلك الشبان الانتحاريون، أما قياداتهم فهي مختبئة في حصن حصين) .. من هذا المنطلق فإن ضرب أوكار الإرهابيين، وقصفهم بالطائرات، وقتل عناصرهم ورموزهم لن يقضي على الإرهاب، بل على العكس ..
وقديما قيل: بدلاً من قصف البعوض بالمدفع، جفف المستنقعات التي تحتضن بيوضها .. لكن الدول الكبرى، بدلا من محاربتها للإرهاب، فإنها تستغله؛ بخلق حالة من الخوف، واختلاق أعداء جدد، وتضخيم قوتهم، ثم الادعاء بمحاربتهم .. كل ذلك من أجل ديمومة سياسة النهب، والسيطرة، وتمرير السياسات التي لا يستطيعون تمريرها في حالات الأمن والسلام.